تتميز محافظة المهرة (بوابة اليمن الشرقية) عن باقي المحافظات اليمنية، في شتى المجالات؛ منها الطقوس الفرائحية المصاحبة للأعياد الدينية، ومنها عيد الفطر السعيد، على الرغم من المنغصات التي عكرت فرحة المواطنين بالمهرة في هذا العيد إسوة بغالبية اليمنيين؛ بسبب الارتفاع القياسي في أسعار ملابس وحلويات العيد، وتداعيات أزمة تراجع سعر صرف الريال اليمني.
إلا أن المهريين ما يزالون متمسكين بمواصلة طقوسهم المرتبطة بلغتهم الخاصة، والحلوى، والقهوة، والبخور، وعادات وتقاليد أخرى تميزهم بشكل كبير عن بقية المحافظات والمناطق اليمنية التي تشترك في كثير من الطقوس العيدية.
ويتحدث سكان محافظة المهرة لغة خاصة بهم إلى جانب اللغة العربية، وهي لغة ساميّة قديمة منذ آلاف السنين، لكنها لغة غير موثقة كلماتها، وتتكون معظمها كلغة من الأصوات العربية.
في هذا السياق، قام مؤخرًا مركز اللغة المهرية للدراسات والبحوث بإطلاق مشروع لحصر وتوثيق مفردات اللغة المهرية، وتنفيذ برامج تدريبية في هذا الخصوص، للتعريف بالمشروع وأهدافه في توثيق مفردات لغة تاريخية غير مكتوبة.
ويشكو المواطنون في المهرة من ارتفاع أسعار السلع بشكل عام، والاحتياجات العيدية المباعة في الأسواق بصورة خاصة، حيث تباع غالبية السلع في المحافظة بالريالين، السعودي والعُماني، الأمر الذي كان له تأثير سلبي على الطبقة المتوسطة والموظفين الحكوميين والفقراء.
ويشير محمد زعبوت، من سكان مدينة الغيظة في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن السلع المتداولة، خصوصًا الملابس في مختلف أسواق المهرة كانت مخزنة لدى التجار وقاموا بإخراجها وتداولها قبل حلول عيد الفطر بأسعار قياسية، إذ وصل سعر بعض أصناف الملابس مثل المعاوز إلى 50 ألف ريال للقطعة الواحدة، وهو ما دفع عددًا من أرباب العائلات الاكتفاء بشراء الملابس العيدية لأطفالهم فقط.
بدايات العيد الصغير
يبدأ المهريون يوم عيدهم "الصغير" (كما يحبون تسمية عيد الفطر) بأداء صلاة العيد، إذ يفضل الكثير من سكان المهرة بعض المساجد للاجتماع فيها وأداء صلاة العيد، وأهمها مسجد الحسني، ومسجد عثمان بن عفان، وجامع الصحابة بمدينة الغيضة عاصمة المحافظة.
في مديرية سيحوت (أقصى شرق اليمن) يتميز عيد فطر أهلها بإحيائهم عادات خاصة، حيث يتجمع شباب المنطقة -ذكورًا وإناثًا- ممن يجيدون الرقص في ساحة كبيرة، لأداء رقصة شهيرة تسمى "الكبارة"، يحرص على حضور متابعتها مئات الزوار من مناطق ومديريات المهرة والمحافظات المجاورة
أما في باقي المديريات، فمن أبرز المساجد التي تقام فيها صلاة العيد: الجامع الكبير في منطقتي شحن وقشن، ومسجد باكريت في سيحوت، ومسجد جوما بحصوين، وجميعها تعتبر مساجد تاريخية، يحرص غالبية أبناء المهرة وسكان المحافظة أن يؤدوا فيها صلاة عيد الفطر وكذا عيد الأضحى. ويقول الباحث في تاريخ المهرة هاني بلحاف لـ"خيوط"، إن تلك المساجد بنيت في الأعوام الأولى من التاريخ الهجري.
وتختلف الطقوس المؤداة عقب صلاة العيد من مديرية لأخرى في محافظة المهرة، ففي مناطق البوادي، والتي يتواجد فيها مجتمع البدو، كمناطق شحن وحات وقشن وسيحوت، يجتمع الناس -رجالًا وأطفالًا- منذ خروجهم من صلاة العيد لأداء "الزامل"، وهم يمشون سيرًا على الأقدام إلى منزل "المنصب" أو شيخ المنطقة أو إلى إحدى القلاع والحصون القديمة. هناك في إحدى هذه الأماكن التي يتجهون لها يكون في استقبالهم كبار الشخصيات القبلية، ومن ثم يقومون بشرب الشاي وتناول حلوى العيد، مع اختلاف كلمات "زوامل" العيد من منطقة لأخرى.
في هذا الخصوص، يوضح الشيخ القبلي في محافظة المهرة محسن رعفيت لـ"خيوط"، أن "الزوامل" في بعض المناطق تقال باللغة المهرية، وبعضها باللغة العربية كالزامل الذي تتفرد به منطقة ضبوت، حيث يذهب جموع المواطنين هناك في العيد الى حصن "يشغوغ"، وفيه تقول كلمات زامل العيد:
سنة العيد الله علينا بعوده * نحتفل فيها على طول السنين
هذا الدنيا ما فيها مروه *يوم لا ينفع ماله ولا بنين.
ويعد "يشغوغ" اسم حصن تاريخي في مدينة ضبوت، وهي كلمة حميرية أصيلة باللغة المهرية، ومعناها بالعربية: "قيِّم وثمين"، كما أن "يشغوغ" حصن قديم جدًّا عمره فوق 450 عامًا، وأسسه وبناه ضكين بن معيبد بن هزاع رعفيت المهري، الذي بنى إلى جانبه مسجد اسماه مسجد النور، ولـ"يشغوغ" كذلك أهمية تاريخية ومعلم تاريخي في محافظة المهرة، إذ كان هذا الحصن قديمًا مركزًا لتجارة القوافل البرية والبحرية، مما أكسبه شهرة كبيرة في الجزيرة العربية.
رقصة الكبارة
في مديرية سيحوت (أقصى شرق اليمن)، يتميز عيد فطر أهلها بإحيائهم عادات خاصة، حيث يتجمع شباب المنطقة -ذكورًا وإناثًا- ممن يجيدون الرقص في ساحة كبيرة لأداء رقصة تسمى "الكبارة". وعلى إيقاع الطبول يبدأ الشباب رقصتهم الشهيرة، التي يحرص على حضور متابعتها مئات الزوار الوافدين إلى منطقة سيحوت من مختلف قرى ومديريات المهرة، إضافة إلى زوار قادمين من محافظة حضرموت.
ويصطف الراقصون في صفين، يتوسطهم أكثر من اثني عشر شخصًا من قارعي الطبول، وخلف الجميع يتواجد عدد من الشعراء الذين يرتجلون الشعر المعبر عن الفرحة بمناسبة إتمام الصيام ودخول عيد الفطر، إذ يتم عقب كل رقصة توزيع الحلوى على الحاضرين.
واعتاد سكان مدينة "حوف"، (المديرية الشرقية لمحافظة المهرة)، على ممارسة طقوس عيدية تقليدية، كما هو متبع في المحافظات والمناطق اليمنية الأخرى من تبادل الزيارات العائلية، والتي تنتهي بعادة تميز بها أهالي وسكان حوف، وذلك برش العطر وروائح البخور على الزائرين.
وجبات خاصة
تعتبر "العصيد"، وهي من الأكلات المشهورة، وتتكون من الدقيق المخلوط بالماء، المعدة في المهرة بالسمن والعسل البلدي -الوجبة الأساسية لأهالي وسكان المحافظة عقب صلاة عيد الفطر.
كما تعد الحلوى التي يطلق عليها "بازمول" المصنعة من الدقيق والسكر ومختلف النكهات، من أهم ما يتم تقديمه للزوار في العيد، إضافة إلى حلويات بمسميات أخرى، تتميز بها بعض المناطق بمحافظة المهرة اليمنية، بالأخص المحاذية لسلطنة عـمان.
وتشتهر في بعض مناطق المهرة إحدى الأكلات، التي تسمى "المعجين"، وهي وجبة لحم الإبل أو البقر، حيث يتم تقطيعه إلى قطع صغيرة ووضعه على النار، ويتم شوي اللحم (تحميره) بواسطة الشحم الخاص به، ثم يتم تجميده وتقديمه للزوار في العيد. في حين لا تخلو منازل سكان المهرة في العيد من القهوة المصنعة من البُن اليمني وقشره، حيث يتفاخرون بذلك فيما بينهم.