لا يزال للعيد في اليمن طقوسه وعاداته المستلهمة من تاريخها الحضاري الممتلئ بالجمال، ولا تختلف العادات والتقاليد في الريف أو المدينة، وهناك مظاهر كثيرة لاستقبال العيد، تبدأ من أواخر شهر رمضان حتى فجر يوم العيد.
وتشهد الأسواق المحلية ازدحامًا ملحوظًا مع اكتظاظ الأرصفة والمحال التجارية باحتياجات العيد المتعددة (كسوة وجعالة العيد). في حين تعمل النساء على تنظيف المنازل بعناية فائقة غير معتادة وتزيينها وإظهارها بحلل جديدة للعيد.
وتوضح بشرى عبدالله طقوسهم لاستقبال العيد، قائلة لـ"خيوط"، إن مقولة "العيد عيد العافية" أصبحت تتجسد بشكل كبير في حياة كثير من العوائل، مع قيام البعض على توفير عدد من الاحتياجات الروتينية في إطار ما دأبوا عليه استعدادًا للعيد.
وتعدد بشرى أهم الإجراءات التي يقومون بها استعدادًا للعيد، منها إعداد بعض الحلويات والكعك المالح والمعمول، وتجهيز المجلس "الغرفة" الرئيسية للمنزل وإعدادها بأفضل حلة ممكنة. إضافة إلى شراء الملابس، خصوصًا للأطفال لارتدائها يوم العيد، وتتزين الفتيات والنساء بنقش الخضاب على الكفوف كتقليد يحرص عليه البعض للاحتفال بالعيد.
وتؤكد أن فرحة العيد لا يمكن وصفها ووقع صوت التكبيرات صباح يوم العيد، والذي يصدح من الجوامع والأماكن التي تقام فيها صلاة العيد.
يقول الخبير في علم الاجتماع الدكتور عبدالكريم غانم، إن طقوس العيد هي شكل من أشكال العلاقة الاجتماعية، التي تربط المجتمعات معًا، حيث تساعد التجارب المشتركة، مثل الاحتفالات بالأعياد الدينية، في خلق شعور وأحاسيس توحد جميع أفراد المجتمع
من جانبها تحكي بثينة محمد من سكان صنعاء لـ"خيوط"، عن طقوسهم في العيد، بأنها تبدأ بصلاة العيد بعد ارتداء الملابس الجديدة، والحرص بعد ذلك على مصافحة الوالدين وتهنئتهم بالعيد وبقية أفراد العائلة، عقب ذلك يتوجه الوالد ومعه الأبناء لزيارة الأهل والأقارب ومصافحتهم وتبادل التهاني والتبريكات معهم وتقديم مبلغ مالي، خصوصًا للأقارب من النساء "كصلة أرحام" وللأطفال، بما يعرف في صنعاء "عسب العيد".
طقوس متنوعة
في السياق ذاته، تضيف سمر عبدالله أن من الطقوس التي يحرصون عليها يوم العيد زيارة القبور ووضع الرياحين والورود عليها؛ بينما يتحدث محمد الشميري من محافظة تعز لـ"خيوط"، أن مظاهر الحداثة في تفاصيل الحياة لم تؤثر على طقوس وتقاليد العيد في مناطق ريف تعز، إذ ما تزال تحتفظ بتقاليدها وطقوسها العيدية.
ويصف الشميري جزءًا من هذه التقاليد الممارسة في العيد، حيث يستيقظ الجميع، خصوصًا الأطفال في صباح يوم العيد على صوت (الموكب) "الطبلة" الذي يمر معهم ويرافقهم إلى المسجد الكبير.
يتابع: بعد صلاة العيد، يعودون إلى بيوتهم، متخذين طرقًا مختلفة عن التي جاؤوا منها، يمرون على بيوت الأقارب للسلام عليهم، ويحصل الأطفال على ما يسمى في تعز "العيدية"، والتي تكون غالبًا مبلغًا من المال، يتحدد حجمه حسب الفئة السِّنية، بعد استكمال المعايدات بين أفراد الأسرة يخرج الأطفال إلى الاحتفال بالعيد وإطلاق "الألعاب النارية".
بعد ظهر يوم العيد يجتمع الرجال في "المقصورة"، وهي عبارة عن "ديوان" مجلس بالقرب من مسجد القرية؛ بينما تجتمع النساء في إحدى البيوت، وفي ثاني أيام العيد تأتي النساء المتزوجات مع أزواجهن لزيارة العائلة ومصافحة الوالدين وتهنئتهم بالعيد. وهكذا تستمر الزيارات إلى عاشر أيام العيد، بالرغم من مغادرة القادمين من خارج المنطقة والذين يعيشون في المدن للعودة إلى وظائفهم وأعمالهم.
روابط اجتماعية
تعمل العديد من الأسر في مختلف المناطق والمدن اليمنية على إنفاق المال في التسوق للعيد، وهي طريقة أخرى للمشاركة في الطقوس.
ويوضح خبير علم الاجتماع الدكتور عبدالكريم غانم لـ"خيوط"، أن التسوق وشراء الملابس والحلويات والذبيحة الحيوانية أعمال روتينية مكلفة، يجب تجاوزها، وليس أمرًا ضروريًّا يجب اتباعه في العيد.
ويرى أنها أعباء وتكاليف مرهقة، يمكن تخطيها رغم عدم قدرة البعض على ذلك، مؤكدًا أن كثيرًا من العوائل تستمتع بذلك كثيرًا، فجزء من تجربة الطقوس هو أنها ليست مجرد ممارسات مشتركة، ولكنها عادات مألوفة تساعد -وفق حديثه- على الدخول في مرحلة جديدة، وتجعل الفئات الفقيرة أو الأقل حظًّا وتلك التي تعاني من ضيق المعيشة، تشعر بالسعادة والارتباط بالآخرين.
وباتت الأعياد مناسبات مهمة لاستعادة شيء من دفء العلاقات الأسرية والاجتماعية التي بسبب مشاغل الحياة وتعقيداتها وتغيراتها، خفّ وهجها.
ويقول الدكتور عبدالكريم، إن طقوس العيد هي شكل من أشكال العلاقة الاجتماعية، التي تربط المجتمعات معًا، حيث تساعد التجارب المشتركة، مثل الاحتفالات بالأعياد الدينية، في خلق شعور وأحاسيس توحد جميع أفراد المجتمع.
ويمكن تفسير "صلة الأرحام" وهدايا العيد من منظور علم الاجتماع بميل الناس خلال الأعياد إلى الاهتمام بالفئات الاجتماعية الأقل حظًّا في أوقات العام الأخرى، فالثقافة الاجتماعية والمقولات الدينية تميل إلى أن تكون أكثر تعاطفًا وأقل انتقادًا للفقراء، وتسلط الضوء -كما يشدد الدكتور عبدالكريم- على إنسانيتهم وتؤكد على ما يجمعهم من روابط مشتركة، سواء كانت الطقوس هي تقديم الهدايا أو العبادة الدينية أو غيرها من الممارسات الثقافية، فإنها تعمل، والحديث للدكتور غانم، "على توحيدنا مع الأشخاص الذين نحتفل بها معهم".
تصمد العادات والتقاليد أمام التغيرات التي تجتاح البلدان، فلا يزال الكثير يتجه نحو الملابس التقليدية والحلي، وكذلك ما تزال أطباق العيد لا تخلو من الزبيب واللوز والكعك، رغم ازدحام الأسواق بالحلويات والشوكولاتة المصنعة خارجيًّا.