أحدثت الحرب المتصلة في اليمن، فجوةً كبيرة في حياة السكان، وصلت إلى عدم قدرة الكثير من الأُسر على توفير متطلبات الحياة واحتياجات الأعياد، وعلى ضوء ذلك ظهرت عددٌ من المبادرات للتخفيف من هذه الأحمال على المعدمين، يقودها وعي تكافلي متعدد تجاه مجتمع أنهكته السنوات التسع القاتمة.
المعاينة في هذا التقرير، ستكون على المبادرات الشبابية لتوزيع ملابس العيد على أطفال الأسر الفقيرة والمعدمة في بعضٍ من مناطق محافظة تعر.
مبادرة الأيام العشر
في كل عام من شهر رمضان المبارك، اعتاد فريق (مبادرة عزم وإصرار) الشبابية في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، على إطلاق حملة لجمع التبرعات وشراء ملابس جديدة للفئات الفقيرة والأيتام والمهمشين والنازحين والأُسر الأشدّ احتياجًا، ويشير رئيس المبادرة، مكرد اليوسفي، أنّ من أهمّ الصعوبات التي تواجهها المبادرة هي أنهم لا يتلقون الدعم بالشكل المتوقع وفق ما يخططون له.
مبادرة الليالي العشر تُطلَق في العشر الأواخر من رمضان، وتقوم بكسوة أبناء ضحايا الحرب والأيتام، ويضيف رئيس المبادرة زعيم المقطري، أنه يتم استهداف ٨٠٠ طفل من أبناء ضحايا الحرب والأيتام، حيث هناك الكثير من الأُسر تعتمد على ما تقدمه المبادرة من كسوة العيد، موضحًا أنهم يتلقون الدعم من فاعلي خير، وأن أبرز الصعوبات التي تواجهها المبادرة أن هناك الكثير من المعلِّمين والفقراء من هم أكثر حاجة ويصعب استهدافهم بسبب محدودية التمويل.
ولا يقتصر الأمر على مديرية الشمايتين، بل هناك مبادرات شبابية تعمل في مدينة تعز، مثل مبادرة (سوا للتنمية) التي تُطلق مشروع كسوة العيد في مناطق التماس، وتستهدف الأيتام والأرامل والنازحين والمهمّشين والأُسر الأشدّ فقرًا، ويقول شمسان المقطري، مدير المشاريع في مبادرة سوا: "إنّ المعايير تكون وفق دراسة ميدانية لتقييم الحالة، وهل تستحق أو لا"، ويضيف: "من أهم الصعوبات التي تواجهها المبادرة عدم التفاف المؤسسات والمنظمات والجمعيات لِمَا نقدم من دراسات وأبحاث ميدانية من أجل الحصول على منح مالية لتنفيذ المشاريع".
حراك خيري تطوعي
تشير هيام التركي، مديرة مكتب الثقافة بمديرية الشمايتين، إلى أنّ الحروب والصراعات خلّفت العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لكنها بالمقابل خلقت نوعًا من الحراك المجتمعي التعاوني والخيري، ورسّخت ثقافة العمل التطوعي بشكل أكبر في كثير من المناطق، وبرزت فيها أدوار الشباب في المجال المجتمعي ضمن تكتلات ومبادرات شبابية، أسهمت بشكلٍ ملحوظ في التخفيف من أوضاع الأسرة التي أثّرت فيها الحرب، من خلال الأنشطة التي تقدّمها، ومنها توفير ملابس العيد لأطفالٍ من الأُسر الفقيرة والمتعففة والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة.
وبالمجمل، تساهم مثل هذه المبادرات في التخفيف من الضغوط التي تواجه الكثير من الآباء والأمهات نتيجة شعورهم بالعجز عن توفير احتياجات أطفالهم وعدم القدرة على رسم البسمة على وجوههم كبقية الأطفال، ومحو فكرة الشعور بالعجز والنقص من أذهانهم، وهذا يساهم كثيرًا في تحسين ودعم أوضاعهم النفسية، بحسب هيام التركي أيضًا.
مثل هذه المبادرات ترسم الفرحة في وجوه الأطفال المستفيدين، وتخفّف من شعور الآباء والأمهات من التقصير تجاه أبنائهم.
جديد ومستخدم نظيف
تساهم المبادرات الشبابية التي توزع الملابس، في تخفيف معاناة الأُسر العفيفة، عن طريق شراء ملابس العيد الجديدة من خلال تجميع التبرعات المالية، أو من خلال تجميع الملابس المستخدمة النظيفة، والعمل على غسلها وتنظيفها وترتيبها ووضعها في أكياس وكراتين، وبعد ذلك يتم توزيعها لكل أسرة عفيفة، بحسب الناشطة رحمة عصام عبده محمد، رئيسة مبادرة طفلي.
يشير مدير إدارة الجمعيات والمنظمات في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمحافظة تعز، فؤاد المخلافي، أنّ المبادرات الشبابية تغطِّي احتياجات بعض الأُسر الفقيرة والنازحة والمتعسرة، بحسب حجم التمويلات التي تصل إليها من الميسورين أو غيرهم.
ويلفت الناشط الشبابي، عثمان القرشي، أنّ المبادرات الشبابية تقوم بتنفيذ أنشطة توزيع الملابس (كسوة العيد - ملابس شتوية) بناء على احتياجات المجتمع، وباستخدام عدة وسائل، واستثمار لكل الفرص، فهي تحاول جمع مبالغ من فاعلي الخير أو من جهات، بأكبر قدر ممكن، وبحال تعثرت جهود جمع المال لشراء ملابس جديدة، تقوم المبادرات بإطلاق حملات، مثل (قديمك جديدهم) وغيرها.
تشير هيام إلى أنّ المبادرات الشبابية تواجه الكثير من الصعوبات؛ ومنها صعوبة الحصول على الدعم المالي الكافي لتغطية الاحتياج المتزايد لدعم الأطفال الذين لا يجدون أو لا يحصلون على ملابس العيد بسبب الفقر الشديد الذي تعاني منه أُسرهم في ظلّ ارتفاع الأسعار، فلا تتمكن هذه الأُسر من شراء الملابس لجميع الأطفال أو توفير ما يحتاجونه بشكل كامل.
وفي مقابلة مع إحدى المستفيدات، أشارت الطفلة سمية (اسم مستعار)، تبلغ من العمر ١٤ سنة، إلى أنّ والدها غير موجود وليس هناك من يعيلها هي وأسرتها غير والدتها، وأنها تنتظر سنويًّا مثل هذه المبادرات للحصول على ملابس العيد.
شعور بعدم التقصير
بالنسبة للآثار التي تتركها هذه المبادرات على المجتمع، تقول رئيسة مبادرة طفلي، إنّها آثار إيجابية؛ لأنّها تبثّ في نفوسهم الطمأنينة والفرحة والبهجة، وبالذات تبعث السعادة في قلوب الأطفال، وتزرع الابتسامة الجميلة على وجوههم.
الناشط الشبابي، سعد قيس، يقول عن هذه المبادرات، إنها تعزز التكافل الاجتماعي، والمشاركة المجتمعية، وتساعد على تدعيم الروابط الأسرية من خلال إيجاد أهداف مشتركة بين فئات وشرائح المجتمع المختلفة.
من جهتها، تقول التركي، إنّ المبادرات أسهمت في تعزيز التماسك الاجتماعي والأسري، الذي بدوره يخلق لدى أفراد المجتمع نوعًا من الإحساس والشعور بالمسؤولية، وبأهمية وضرورة التكافل المجتمعي.
إنّ مثل هذه المبادرات ترسم الفرحة في وجوه الأطفال المستفيدين، وتخفّف من شعور الآباء والأمهات من التقصير تجاه أبنائهم؛ بحسب الناشطة والمتطوعة في مبادرة (يدًا بيد)، أنسام منير.