كانت نظم التعليم الشائعة في اليمن تتكون من ثلاث مراحل، وهي:
1- مرحلة الكُتّاب: وهو مكان يعلم فيه الأطفال، وكان الأطفال في هذا القسم يدرسون الهجاء، والمطالعة، والحساب، وقواعد اللغة. وظل استخدام هذه التسمية سارياً حتى حلول القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، ثم تغيرت في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي باسم (المِعْلامة)، وهي تسمية يمنية المنشأ، وفيها يتلقى تلاميذ المرحلة الأولية القرآن وإجادة ترتيله وحفظه مع تعلم تهجئة الحروف ونطقها وكتابتها بالطريقة الصحيحة، وتعلم بعض أوليات العلوم البسيطة.
2- مرحلة المشايخ: بعد إنهاء التعلم في "المعلامة" واجتيازها يصبح للطالب الخيار في مواصلة الدرس على أيدي مشايخ العلم المعروفين والفقهاء في المساجد والأربطة والمدارس ومنازل هؤلاء الفقهاء والعلماء.
3- الرحلة العلمية: وهي تأتي وفقاً لرغبة طالب العلم الذي سبق أن أخذ قسطاً جيداً من التعليم بغية الاستزادة والاستكثار من العلوم(1).
مع دخول البلاد تحت الاستعمار البريطاني في الجنوب، والاستعمار العثماني في الشمال، بدأت بعض المحاولات لإدخال التعليم، فاضطرت السلطات البريطانية لإنشاء بعض المدارس في محمية عدن لأبناء موظفيها في منتصف القرن التاسع عشر. ثم ما لبثت أن توسعت مطالبات اليمنيين وإقبالهم على التعليم الحديث، لكن عجلته لم تتحرك إلا بعد عقود من إنشاء المدرستين الكاثوليكيتين في عدن. أما في الشمال، فقد بدأ الولاة العثمانيون ينشئون المدارس، وينشرون اللغة التركية منذ أن كانت بالحروف العربية.
تطور النظام التعليمي العثماني الرسمي:
أحدثت الإصلاحات العثمانية في نظام التعليم نقلة كبيرة للدولة العثمانية؛ ما أدى إلى إطالة عمرها بعد أن أوشكت على الانهيار؛ بسبب تخلف أنظمة التعليم فيها، وعدم مواكبتها لروح العصر الحديث، وقد تم ذلك عن طريق نقل أنماط من التعليم الأوروبي، وقد تأثرت الولايات التابعة للخلافة العثمانية ومنها اليمن بهذا الانقلاب في أشكال وأنماط التعليم.
بدأ التعليم الحديث في الدولة العثمانية مع ظهور التنظيمات العثمانية، وكان الهدف من ورائها محاكاة أوروبا في نهضتها، وقد افتتحت هذه التنظيمات في مجال التعليم في عهد السلطان محمود الثاني، ويرى المؤرخ العثماني محمود جواد أن التاريخ الفعلي للتعليم الحديث يعود إلى سنة 1240هـ/ 1824/ 1825م، وهو تاريخ تأسيس المدرسة الطبية في عهد هذا السلطان، لكن يرى الباحث الدكتور عبد الودود مقشر أن تاريخ إصدار اللائحة المؤسسة للتعليم الحديث والذي قسم التعليم إلى مكاتب ابتدائية، ورشدية( 2)، وعالية، ومكاتب صنائع، ومكاتب ملكية عليا- هو التاريخ الفعلي للتاريخ الحديث في الدولة العثمانية، وهو بتاريخ 4 فبراير 1839م(3 ).
توفي السلطان محمود الثاني في 1255هـ/ 4 فبراير 1839م قبل أن يبدأ فعلياً في تنفيذ إصلاحات التعليم، ومع ذلك، فقد استمر التطور في مجال التعليم في عهد حكم ولده السلطان عبد المجيد الأول (1839- 1776م) والذي عده بعض المؤرخين بأنه أول من أنشا المدارس المعروفة بالرشدية والإعدادية ما بين عامي 1261هـ- 1264هـ/ 1845- 1848م، وهو ما أشار إليه المؤرخ إبراهيم بك حليم فقال: "وفي سنة 1261هـ/ 1845م فتحت في الممالك الشاهانية مكاتب كثيرة لترقية المعارف"(4).
ويذكر المؤرخ محمد كامل البحيري أن العلوم العصرية من فنون ولغات لم يبدأ دورها إلا منذ السلطان عبد المجيد الذي أسس في زمانه عدة مكاتب ابتدائية، ثم أخذت النهضة العلمية يشتد عضدها، ويقوى ساعدها(5).
ويرى مؤرخون عرب أن ترقية المعارف والتنظيمات وبشكل خاص جانب التعليم ما كان له أن يعرف النور لولا وجود الصدر الأعظم مصطفى رشيد باشا الذي قيل عنه بأنه: رجل من أعظم الساسة، وقد حسَّن للسلطان الانفتاح على العلوم الحديثة التي رفعت لواءها أوروبا؛ فأصدر السلطان كلخانة(6) المعروف بالتنظيمات سنة 1839م، ثم شفعه بعد ستة عشر سنة بخط همايون(7) الذي جاء مكملاً للأول في ميدان الإصلاح، ومنذ ذلك الحين دخلت الدولة العثمانية بقوانينها وماليتها وسياستها الداخلية في عهد جديد(8).
هيكل النظام التعليمي العثماني المطبق في السنجق (الولاية):
ذكر شكيب أرسلان في "مدونة أحداث العالم" أن السلطان عبد العزيز أصدر فرمان نظام المعارف العمومية الذي حددت مادته الأولى بأن المدارس في ممالك الدولة العلية تقسم إلى قسمين أساسيين: الأول المكاتب (المدارس) العمومية، وهي التي تعود نظارتها وأمر إدارتها إلى الدولة، والثاني المكاتب الخصوصية، وهي التي تكون نظارتها فقط عائدة إلى الدولة، أما تأسيسها وإدارتها، فيعودان إلى أفراد أو جماعات.
تقسم المكاتب (المدارس) العمومية في جميع بلاد الدولة العثمانية إلى خمسة أصناف أولها: الصبيان (الابتدائية)، ثانيها: (الرشدية)، ثالثها: (الإعدادية)، رابعها: (السلطانية) خامسها: (المكاتب العالية).
وفي الفصل الأول الذي يحمل عنوان (المكاتب الصبيانية) ينص على الآتي: يوجد في كل محلة أو قرية أو بحسب المقتضى في كل محلة أو محلتين وقرية أو قريتين مكتب واحد على الأقل.
ووضح مصادر تمويلها فقال في (المادة الرابعة): مصاريف إنشاء مكاتب الصبيان وتعميرها ومخصصات معلميها وباقي مصاريفها تتسوى من طرف عموم هيئة الجماعات الموجودة في المحلة أو القرية، وذكر في المادة السادسة سنوات الدراسة بهذا القسم فقال: مدة التحصيل في المكاتب الصبيانية تكون أربع سنين تعطى بها الدروس المحررة أدناه وهي: ألف باء، القرآن الكريم، التجويد، الرسائل المتعلقة بالأخلاق، ويقرأون فيها علم الحال، تعليم الكتابة، مختصر فن الحساب، مختصر في التاريخ العثماني، مختصر الجغرافيا، رسالة جامعة للمعلومات النافعة، وبعد هذه المدة يبقى في المكتب مدة الذين يريدون حفظ القرآن(9).
وتحت عنوان "مكاتب رشدية"، تذكر المادة الثامنة عشرة: أن يكون مكتب رشدية لكل قصبة تتجاوز أهاليها الخمسمئة بيت للإسلام فقط، وفي المادة التاسعة عشرة: تتحمل الدولة العثمانية تمويل هذا التعليم كاملاً(10).
وتذكر أيضاً المادة الثامنة عشر: أن يكون لكل مكتب رشدية معلم أو معلمان أول وثان بحسب مقدار التلاميذ...، وتحدد المناهج التدريسية لها فتقول: مدة التحصيل في المكاتب الرشدية أربع سنين تطالع بها الدروس الآتية مبادئ العلوم الدينية، قواعد اللسان العثماني، الإملاء والإنشاء، القواعد العربية والفارسية، علم الحساب أصول مسك الدفاتر، رسم الخطوط، ومبادئ الهندسة، والتاريخ العمومي، والتاريخ العثماني، والجغرافيا، والجمناستيق (حركات المصارعة)، ويجوز أن يبتدئ أذكياء طلبة اللسان المستعمل غالباً في المحل الموجود به مكتب الراغبون في درس اللغة الفرنساوية أن يدرسوها في السنة الرابعة في البلاد التي هي مركز تجارة(11).
ويتحدث ساطع الحصري عن النظام التعليمي في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي فيقول: "في العقد الأخير من القرن التاسع عشر كانت تشكيلات المدارس الملكية (أي المدنية غير العسكرية)، واستقرت على الشكل التالي:
وبعد انقلاب الدستور 1908، أخذت الحكومة تقدم على إصلاحات سريعة، وأدخلت على هذه التشكيلة عدة تغييرات جوهرية فكانت كالآتي:
التعليم العثماني في سنجق (ولاية) الحديدة:
ذكرت الوثائق العثمانية أن أول تفكير في إنشاء مكاتب كان في عهد الوالي أحمد باشا التاجر (1284هـ - 1286هـ/ 1867- 1869م)، فقد جاء في وثيقة أنه "عقب وصوله إلى الولاية كان قد شرع وعلى نفقته الخاصة في إقامة طاحونة تدار بقوة الرياح وأخرى تديرها الحيوانات في مدينة الحديدة لأجل استخراج الدقيق للعساكر الشاهانية المرابطة، ثم إقامة مدرسة رشدية وأخرى للصبية على أن تكون نفقات الإقامة والمصاريف من دخل الطاحونتين، غير أن إقامة المدرستين توقفت، أما الطاحونتان فهما تعملان، ويطلب تخصيص جانب من دخلهما لبعض علماء الحديدة المعروفين فيها بالعلم والفضل(14).
وفي عهد الوالي إسماعيل باشا (1295هـ/ 1297هـ/ 1778- 1880م) استمر المكتب الرشدي يؤدي دوره تحت إدارة معلم أول إبراهيم فهمي أفندي، وأنشئت في عهد هذا الوالي لأول مرة فرق عسكرية سميت بالفرق الحميدية – نسبة للسلطان عبد الحميد الثاني- وهي فرق من أهالي اليمن، وهي مكاتب رشدية عسكرية كما تقول سالنامة (15) يمن 1413هـ: وعقب وصوله ابتدر إلى تشكيل طوابير مرتبة من الأهالي، وسماها باسم حميدية الموسوم بالمهابة، وبذل في هذه الطريقة أيضاً همماً وافرة وكانت الطوابير المذكورة قد تقدمت، وكسبت المهارة في أمر التعليم والتربية، وابتدأت تظهر فوائد خدمتها فيما أرسلت إليه من المحلات غير أن خلفه المرحوم عزت باشا ألغاها بعد ذلك"(16).
تولى حكم اليمن الوالي محمد عزت باشا في الفترة (1297هـ- 1301هـ/ 1880- 1883م)، فألغى الفرق الحميدية لكن المكتب الرشدي بالحديدة ومكتب الصنائع استمرا في أداء دورهما؛ إذ نجد في سالنامة يمن (التقرير السنوي لليمن) 1299هـ/ 1881م، ذكر تولي الإدارة لمعلم أول إبراهيم أفندي مع بقاء البواب جوهر آغا حارساً للمكتب الرشدي بالحديدة، أما في سالنامة دولت علية عثمانية سنة 1299هـ/ 1881م، فقد ذكرت أنه ارتفع عدد طلاب المكتب الرشدي إلى 30 طالباً، وأكدت السالنامة المذكورة أن مدير المكتب الرشدي هو معلم أول إبراهيم أفندي(17)، أما في سالنامة دولت علية عثمانية سنة 1299هـ/ 1881م، فقد ذكرت أنه ارتفع عدد طلاب المكتب الرشدي إلى 30 طالباً(18).
عقب تولي الوالي المشير أحمد باشا فيضي للمرة الأولى استمر الحال كما هو باستثناء ازدياد نسبي، ففي سالنامة يمن 1304، تظهر لأول مرة إحصائية بعدد الطلاب وهم 85 طالباً في المكتب الرشدي بمدينة الحديدة، ويأتي بعد صنعاء من حيث العدد، وتتكون أعضاء هيئة التدريس مدير المكتب الرشدي معلم أول حسن أفندي في حين كان المعلم الثاني شاغراً، ويلاحظ أن ضمن أعضاء وأركان السنجق يوجد نائب المتصرف، وهو السيد محمد وصفي أفندي وهو مدرس، وتتحدث السالنامة عن إنشاء مكاتب عديدة ومنها مكتب في زبيد، وأما سالنامات الدولة العلية العثمانية للأعوام التالية: 1300هـ، 1301هـ، 1302هـ، فقد ذكرت أن عدد الطلاب بالمكتب الرشدي انخفض إلى 25 طالباً، ثم ارتفع عدد الطلاب في سنة 1303هـ إلى 40 طالباً ليزداد في سنة 1304هـ زيادة طفيفة إلى 42 طالباً(19).
ويذكر مصدر عثماني رسمي(20) والذي تحدث عن وجود مكتب رشدي ملكي بالحديدة في العام 1310هـ، وأن عدد طلابه بعد الامتحانات عشرة طلاب، وعدد معلميه اثنين، وحارسه واحد، وذكر أن في ولاية اليمن 279 مكتباً من المكاتب الابتدائية الإسلامية، وتضم طلاباً وطالبات يتجاوزن 3784(21).
مع تولي حسين حلمي باشا لولاية اليمن (1316- 1319هـ/ 1898- 1901م) بدأ الوضع التعليمي يتغير بشكل عام، وتفعيل مواد الدستور العثماني وقانون التعليم في ولاية اليمن؛ ولذلك قام الوالي بإنشاء مجلس المعارف العمومي بالولاية مع أن هذا المجلس موجود مثل بقية الولايات العثمانية، إلا أنه في اليمن غير مفعل، وقام بإعادة تأهيل وتوسيع مكتب صنائع في صنعاء والحديدة، وجعل التعليم إجبارياً ومجانياً طبقاً للدستور العثماني. يقول مؤرخ يمني معاصر عن هذه الفترة: "ودخلت سنة 1317هـ ...، وقد أحدث الوالي هذا ثلاثة مجالس الأول استخانة (مستشفى)، والثانيان مجلسين، وسماهما مجلس المعارف ومجلس الصنايع، أما المعارف، فلتعليم الصبيان العلم والقرآن، وفعلوا لهم معاشات في كل شهر خمسة عشر ريالاً وأما مجلس الصنايع، فلتعليم كل حرفة"(22).
انتشر التعليم بشكل عام في اليمن وخاصة بسنجق الحديدة، وحدثت مشاركة مجتمعية، خاصة أن نسبة من الزكاة المفروضة كانت تذهب لصالح التعليم حتى يشعر المواطنون أنهم شركاء في العملية التعليمية، وقد حصل الدكتور عبد الودود مقشر على وثيقة من قضاء ريمة التابعة لسنجق الحديدة آنذاك بتاريخ 20 ربيع أول 1319هـ/ 4 يوليو 1901، مرفوعة من عاقل ناحية "كُسمَة" تابع قضاء ريمة يوسف إبراهيم أفندي وتتحدث عن تسليم أعشار سنة 1316هـ، مع حصة المعارف والتجهيزات العسكرية والإعانة(23).
آتت الإصلاحات التي قام بها الوالي العثماني حسين حلمي باشا ثمارها في إيجاد بنية تحتية للمؤسسات التعليمية، وقد ذكر الباحث عبد الودود مقشر عن جريدة عثمانية سورية إحصائية عن التعليم في سنجق الحديدة من المكاتب التي افتتحت من سنة 1316 وهي كالتالي:
عدد التلاميذ نوع المكتب محل المكتب
14 الرشدية نهاري قضاء زبيد
16 الرشدية نهاري قضاء بيت الفقيه(24).
تنفرد سالنامة المعارف العمومية 1319هـ / 1900- 1901م، بأول إحصائية عن مكتب الصنائع بمدينة الحديدة مع ذكر المعلمين بها، وهم: الكاتب العام، وإمام ومعلم القرآن، ومعلم الحدادة، ومعلم النجارة والبناء، والموظف المسئول عن مخازن الأدوات والبناء، وتضم القائمة خبراء أجانب ومنهم موسيو اريتوناليس، ويعتقد أنه خبير يوناني في مجال النجارة، وهذه هي الإحصائية التي أوردتها سالنامة المعارف العمومية 1319هـ، عن التعليم في سنجق الحديدة، وهي على النحو التالي:
المكتب الرشدي بمدينة الحديدة:
الوظيفة الأسماء
معلم أول علي رضا أفندي
معلم ثاني حقي شناسي أفندي
مبصر سيد محفوظ أفندي
عدد الطلبة 51
مكتب الصنائع بالحديدة:
الوظيفة الأسماء
مدير ....
كاتب محمد صادق أفندي
معلم السيد حسين أفندي
تيمورجي أوسته سي (معلم الحدادة) محمد آغا
مرالغوز أوسته سي (معلم النجارة) موسيو اريتوناليس(25).
أنبار مأموري ووكليلخرج (الموظف المسئول عن الأدوات) ....
آشجي رزق آغا
عدد العمال 6
كما لوحظ في سالنامة نظارة المعارف العمومية 1321هـ / 1903- 1904م، أغناها بمعلومات مهمة عن الوضع التعليمي ومؤسساته وتواريخ تأسيس الكثير من هذه المؤسسات التعليمية، وكذلك اكتمال الكادر التدريسي في مكتب الصنائع وإيراد عدد الطلاب بهذا المكتب، وهي كالتالي:
المكتب الرشدي بمدينة الحديدة:
الوظيفة الأسماء
معلم أول خليل أفندي
معلم ثاني أحمد حمدي أفندي
معلم خط سيد محفوظ أفندي
عدد الطلاب 27
عدد العمال 1(26).
مكتب الصنائع بالحديدة:
الوظيفة الأسماء
مدير كمال بك
كاتب حافظ جودت بك
تركجه معلمي (معلم التركية) كمال بك
إمام وقرآن كريم السيد حسين أفندي
دميرجي أوسته سي (معلم الحدادة) حسين أفندي
مرانغوز أوسته سي (معلم النجارة) علي مكي أفندي
طوقومه جي أوسته (معلم صناعة النسيج والحياكة) أحمد أفندي
قوندره جي أوسته سي معلم (صناعة الأحذية) ...
ترزي أوسته سي (معلم الخياطة) حبيب أفندي
مبصر وأنبار مأموري (الموجه ومسئول المخازن)(27) ...
بعد تشكيل حكومة الاتحاد والترقي نشرت تلك الحكومة برقية مفادها كما جاء في جريدة القبس: "أنه تأسس في اليمن هذه السنة- 1328هـ/ 1910م– 23 مدرسة للذكور ومدرسة للإناث، وأن الهمة منصرفة لتأسيس عشرين مدرسة أخرى، وقد جددت وأصلحت فوق ذلك 27 مدرسة" (29) .
المدارس الإسلامية التقليدية في سنجق الحديدة:
ظل التعليم الديني التقليدي شائعاً في المناطق اليمنية، وكانت الدولة العثمانية تدعم هذا النوع من التعليم، وتبدي احترامها للعلماء الذين يقومون بالتدريس في هذا المجال؛ ففي يوميات المتصرف يوسف بك حسن، نماذج تظهر مدى احترام الدولة العثمانية ورجالها للعلماء ووجوب زيارتهم عند التعيين وعند الرحيل، يقول المتصرف في يومياته: مساء – الجمعة 27 شباط [فبراير] زرت السيد أحمد القديمي وهو الرجل العالم في هذه القصبة، وهو من حضرموت حصل العلم في مكة، وساقته الأقدار إلى بيت الفقيه يشتغل كمدرس عينته الحكومة(29).
ويترجم المؤرخ الغزي العلامة إسماعيل بن محمد الخليل، وهو ممن درس بالمدارس الرشدية (1270- 1343هـ/ 1854هـ/ 1924م) فيقول عنه: إنه "تقلد وظيفة التدريس بجامع جده، وكان له درس في علم التصريف تقرأه الطلبة باللغة العربية، ويفسر لهم باللغة التركية. وهذا يدل – كما يقول الباحث الدكتور عبدالودود مقشر على انتشار اللغة التركية نتيجة لنشر التعليم الرسمي(30).
وكذلك العلامة محمد بن عبد الباقي بن محسن الخليل (توفي 1337هـ/ 1918م) الذي وصفه بأنه "كان يدرّس في مدرسة الرشدية للغة الفارسية والتركية، ويحضر دروسه جم غفير، وله تلامذة نبلاء كالعلامة محمد بن أحمد السالمي ومحمد بن عباس السالمي وعبد الله بن زيد المعزبي، وهو أستاذ الشاعر الفضول عبدالله عبدالوهاب نعمان، والشيخ محمد عمر عقيلي والعلامة علي بن عبدالرحمن الأنباري والعلامة محمد بن علي الأهدل وحمود الأهدل وعبد الرحمن بن عبد القادر وإبراهيم البطاح وسليمان بن علي البطاح وعباس إلياس التركي والعلامة يحيى بن محمد بن يوسف الجدي، وكذلك العلامة محمد بن عباس بن إلياس التركي الذي استوطن مدينة زبيد وكان مدرساً بالمدارس الرشدية بها إلى جانب عمله بالمالية العثمانية(31).
البعثات من أهالي سنجق الحديدة:
قامت الدولة العثمانية بابتعاث طلبة يمنيين إلى تركيا، وكان الهدف من ذلك الاستفادة من الكوادر اليمنية ورفد الهيكل الإداري للولاية بالعديد من الكفاءات الإدارية والعسكرية، وهناك وثيقة عثمانية تتحدث عن طلاب يمنيين وعددهم 83 طالباً تم إرسالهم إلى اسطنبول لغرض الدراسة، وهي عبارة عن تقرير مرفوع إلى الصدر الأعظم عن هؤلاء الطلاب، ويطلب من السلطان إعطاءهم راتباً قدره 200 قرش بعد إجراء الكشف الطبي عليهم ومرفق به تأشيرة سر كاتب السلطان بصدور الإرادة السنية بالموافقة على الموضوع بتاريخ 14 ربيع الأول 1321هـ/ 1 يونيو 1903م، ومن أهالي سنجق الحديدة :
الاسم العمر المدينة نوع المكتب
محمد بن علي 16 باجل مكتب الصنائع النفيسة
عبد الله بن عبد الله 15 زبيد مكتب الصنائع النفيسة
محمد بن علي 11 الحديدة مكاتب الابتدائية
ياسين بن محمد 17 الحديدة مكتب الصنائع النفيسة
السيد أحمد ابن السيد شاره 9 الحديدة مكاتب ابتدائية
أحمد بن علي 15 زبيد مكاتب عالية
حسن بن أحمد 15 زبيد مكتب الصنائع النفيسة(32).
المدارس الأجنبية في سنجق الحديدة:
يعد سنجق (ولاية) الحديدة متعدد الأعراق وخليطاً من مكونات إثنية وعرقية وثقافية ودينية مختلفة، ولا تزال أحياؤها حتى الآن تعرف بأسماء هذه المكونات المختلفة، مثل "حارة الترك" و"حارة الهنود"، وهذا ما صورته رحلة أمين الريحاني لليمن؛ فنجده حين يتحدث عن هذه المدينة يقول عنها إن " فيها من أجناس الشعوب العربي والسوري والمصري والسوداني والصومالي والهندي والجاوي والإيراني، وفيهم من أنواع المذاهب والأديان الشافعي والمالكي والحنفي والزيدي والجعفري والإسماعيلي والماروني والفارسي عابد النار والوثني عابد البقر والبوذي عابد اللا شيء...، وامتزج الدم السوداني بدم العربي ودم الصومالي بدم الهندي ودم الجاوي بدم الإيراني"(33).
ولهذا التعدد في سكان هذه المدينة رأى الفرنسيون افتتاح مدرسة الفرانيسكان، وتتبع رهبنة الفرانسيسكان، وهي واحدة من المدارس الأجنبية الرسمية في اليمن، ويرجع تاريخ افتتاحها إلى 1301هـ/ 1884م، وحصلت على رخصة من الدولة العثمانية لممارسة نشاطها التعليمي، وتتبع الحكومة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية فيها، وقد استمرت في أداء دورها التعليمي للطلاب، وكانت مفتوحة للجميع ومختلطة، وقد ورد ذكرها في سالنامة نظارة المعارف العمومية 1321هـ، وتضم 13 طالباً وطالبة خمسة ذكور وثمان إناث، وهي مدرسة فرانسيسكان الابتدائية المختلطة في الحديدة، ولم تكن مرخصة حتى صدور سالنامة المعارف 1902/ 1903م.
ويبدو أن هذه المدرسة مع مدرسة الأربع راهبات الفرانسيكيات التابعة لجمعية الراهبات الفرانسيسكيات مرسلات قلب مريم الطاهر كان غرضها التبشير، فكان من رد الدولة العثمانية أنها أرسلت ضابط رفيع وهو ياور(34) السلطان إبراهيم بن إبراهيم رشدي ليستكشف حقيقة الأمر، ويرفع تقريراً كان من ضمن توصياته المستعجلة بـ"القيام بفتح مدرسة خاصة يأتي معلموها من اسطنبول للتصدي للمدارس التبشيرية(35).
الهوامش:
([1]) التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص3-4.
([2]) المدارس الرشدية: هي مدارس متوسطة عين عليها إمام زادة أسعد ووظيفته قاضي عسكر في الأناضول تحت لقب ناظر مكتب معارفي عدلي. انظر بحث الدكتور عبد الودود مقشر، التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، ص5.
([3]) المصدر السابق، ص5.
([4]) المصدر السابق: ص5.
([5]) المصدر السابق نفسه الصفحة.
([6]) خط شريف كلخانة المعروف بـ فرمان الكلخانة أو فرمان التنظيمات (بالتركية، هو فرمان أصدره السلطان عبد المجيد الأول يوم 26 شعبان 1255هـ/ 3 تشرين الثاني 1839م، وبها بدأت حركة الإصلاحات الواسعة المعرفة بـ (التنظيمات).
([7]) همايون : كلمة فارسية بمعنى السلطان.
([8]) المصدر السابق، ص 6.
([9]) المصدر السابق، ص 9- 10
([10]) المصدر السابق، ص 11.
([11]) المصدر السابق، ص 12..
([12]) المصدر السابق، ص 12
([13]) المصدر السابق، ص 13
([14]) المصدر السابق، ص 14. واليمن في العهد العثماني، ص95.
([15]) السالنامة: هي كتاب سنوي كانت تصدره الدولة العثمانية في آخر العام، ويذكر أحوال وأحداث السنة، وكلمة سالنامة اسم مكون من مقطعين من أصل فارسي، فكلمه «سال» تعني السنة، و«نامه» تعني الكتاب أو الكتيب؛ لذا فيقصد بها الكتاب السنوي أو التقرير السنوي للدولة.
([16]) المصدر السابق، ص 14-15.
([17]) المصدر السابق، ص15
([18]) المصدر السابق، الصفحة السابقة نفسها.
([19]) المصدر السابق، الصفحة السابقة نفسها.
([20]) معارف عمومية نظارات جليلة سي إدارة سنده بولنان مكاتب ابتدائية، رشدية، عالية ايله، مكاتب خصوصية وأجنبية نك ودر سعاتده تحريري اجرا قلنان وطشره ده موجوده بولنان كتبخانة لرك ايستاتستيقي 1311- 1312، سنة دراسية مالية مخصوصدر، مطبعة عثمانية، در سعادت 1318هـ/ 1901م، ص 43 بواسطة بحث الدكتور عبد الودود مقشر التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م) المصدر السابق، ص 14-15.
([21]) المصدر السابق، 16.
([22]) حوليات يمانية من سنة 1224هـ إلى 1316هـ أو اليمن في القرن التاسع عشر الميلادي، تحقيق عبد الله محمد الحبشي منشورات وزارة الإعلام والثقافة، صنعاء، الطبعة الأولى 1400 هـ 1980م، ص 661، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، للدكتور عبد الودود مقشر، ص17.
([23]) التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص18.
([24]) المصدر السابق، ص18.
([25]) المصدر السابق، ص20.
([26]) المصدر السابق، ص21.
([27]) المصدر السابق، ص21 – 22.
([28]) المصدر السابق، ص24
([29]) حسن يوسف بك، مذكراته، ص178، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص26.
([30]) العقد المكلل والجوهر الفريد عطية الله المجيد إلى طرق الأسانيد لتراجم أعيان القرن الرابع عشر، ص 25، وص45، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص26.
([31]) العقد المكلل والجوهر الفريد عطية الله المجيد إلى طرق الأسانيد لتراجم أعيان القرن الرابع عشر، ص 182، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص27.
([32]) العقد المكلل والجوهر الفريد عطية الله المجيد إلى طرق الأسانيد لتراجم أعيان القرن الرابع عشر، ص 182، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص28.
([33]) العقد المكلل والجوهر الفريد عطية الله المجيد إلى طرق الأسانيد لتراجم أعيان القرن الرابع عشر، ص 182، بواسطة التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر، ص30.
([34]) الياور كلمة فارسية: وتعني المعاون والمساعد، وهو مصطلح كان يطلق للدلالة على مرافق السلطان. انظر بحث الدكتور عبد الودود مقشر، التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، ص31 هامش (6).
([35]) وثيقة عثمانية تصنيف متفرقات يلدز (Y.PRK,MYD,21- 42) بتاريخ 29 ربيع الأول 1316هـ / 17 أغسطس 1898م، اليمن في العهد العثماني، ص368- 373م، نقلا عن بحث التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م) للدكتور عبد الودود مشقر، ص31- 32.
المصدر:
1- التعليم في سنجق الحديدة في العهد العثماني الثاني (1849- 1918م)، د. عبد الودود مقشر.
2- اليمن في العهد العثماني.