شهدت التلفزة اليمنية، خلال السنوات الأخيرة، طفرةً في الإنتاج الدرامي، الموسمي، خلال رمضان، ما ساهم في ترسيخ التزام القائمين بمعايير فنية، كانوا يغفلونها سابقًا، أو لم يكونوا يمتلكون القدرات الإبداعية اللازمة للإيفاء بها.
الكثير من الكتابات والتعليقات، التي تناولت الأعمال الدرامية اليمنية، المنتَجة لرمضان هذا العام 2023م، لم تكن منصفة، واتّسمَ بعضها بالقسوة في التعرّض لمسلسلات معينة وممثلين بعينهم، وهناك ما نمّ عن توجُّه مغرض.
وتأسيسًا على ذلك، يُفترض أن تلتزم الكتابات النقدية، مجازًا، أو بالأصح الانطباعات النقدية، ناصية التقييم المتوخي للإنصاف، وتقدير المبدعين المشتغلين في الدراما، وفقًا لما قدّموه على الشاشة، ولا يعني ذلك التغاضي عن الأعمال الضعيفة أو الهزيلة، فتلقي العمل الفنّي والتعليق عليه هو أيضًا عملٌ إبداعيّ، يتطلب ذائقة فنية، وليس عملًا لمن هب ودب، مع التقدير للكتابات والتعليقات الحصيفة، من المتابعين.
قدّمت التلفزة اليمنية هذا العام عددًا من الأعمال الدرامية، بمستويات مختلفة، وفقًا لتقييم ما عُرض من حلقات، ولنقل الحلقات الخمس عشرة، من كلّ عمل، واعتقد أنّ عددها كافٍ لتقييمها، غير أنّها -أغلبها- عكست إصرارًا على الإنتاج، كيفما اتفق، دون مراعاة للمعايير الإبداعية، وهذا الأمر هو المأخذ عليها، ولم يراعِ المنتج والمخرج والممثل ما أنجزوه سابقًا، على الأقل للحفاظ على مستوى ما تحقّق إيجابًا، لهذا نشاهد انتكاسات عديدة لديهم.
عمومًا؛ الدراما اليمنية تمضي في طريقها، وهي تتحسّن في جوانب عديدة، مثل التصوير والتعامل مع المعايير الفنية المطلوبة، كالإضاءة وتطويع مواقع التصوير وغيرها، فيما يظلّ النصّ والسيناريو والحوار والإخراج والتمثيل بحاجة إلى الكثير لدفعه إلى الأمام، لهذا قلّما نجد عملًا اكتملت له عوامل النجاح والتفوق.
يمكن الجزم بأنّ من بين أعمال هذا العام، مسلسل (العالية)، يلفت النظر والاهتمام، وعكس الحرفية في إنتاج الدراما، بدءًا بالتأليف والسيناريو، مرورًا بالإخراج والتمثيل، فضلًا عن عنايته الكبيرة بمواقع التصوير والإضاءة، وهو أمر يحسب، إيجابًا، لفضائية (يمن شباب)، وللمخرج وليد العلفي، الذي استثمر بأسلوب محترف كلَّ القدرات أمامه من ممثّلين؛ كقاسم عمر، وأحمد عبدالله حسين، ومنى الأصبحي، وعامر البوصي، وتحريكه لبقية الشخصيات وحضورها، أمام الكاميرا، وإبراز قدرات شابة ينتظرها مستقبلٌ واعد، مثل الممثلة أشواق علي (ظبية)، وعمار الشراعي، وغيرهم.
فكرة وحكاية ووقائع مسلسل (العالية) ومسارها الدرامي، تصاعدت بسلاسة، ولم تقع المؤلفة نور ناجي، بفخ الطرح المباشر للقضية التي يعالجها العمل، فضلًا عن الاهتمام الملفت بالسيناريو والحوار، وهناك مشاهد إبداعية عديدة، أفصحت عن ذلك. وعمومًا، لا يمكن للمتابع أن يغفل عن الإسقاط في رسالة العمل، على الواقع الحالي.
أخذت بعض الكتابات والتعليقات على شخصية (قطام)، التي جسّدها الفنّان المبدع عامر البوصي، وتقديمها بتلك الصورة الكاريكاتورية، غير أنّها لم تنتبه إلى أنّ ذلك، أمرٌ مقبولٌ، تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا، وهو توجُّه للإمعان في تحقير تلك الشخصية ومقتها، لدورها السلبي في المجتمع. وأتذكر، هنا، كيف قدّمت السينما المصرية، منتصف ستينيات القرن الماضي، حاكم اليمن (الإمام أحمد)، قبل العام 1962م، وجسّد الدور الفنّان صلاح منصور، بصورة هزلية ساخرة؛ لتحقيرها والحطّ منها.
الإضافة الهامّة، أيضًا، في مسلسل (العالية)؛ هي الموسيقى التصويرية، للمايسترو محمد القحوم، الذي أبدع في مسايرة التصاعد الدرامي ومصاحبة أداء الممثّلين واللقطات والمشاهد، في تطور ملحوظ، لم نجده في أعمال درامية يمنية سابقة.
وهنا، لا يمكن إغفال الأعمال الدرامية الأخرى المنتجة هذا العام، فقد تفاوتت في مستواها تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا، وبعضها لم تكن بمستوى قدرات مبدعيها، كما في مسلسل (دكان جميلة) وغيرها.
المشتغلون في الدراما اليمنية الموسمية، هم عمالة عاطلة لأشهر طويلة خلال العام، إذا افترضنا أنّ إنتاج أيّ مسلسل، يتطلب ثلاثة أشهر، لإتمامه؛ فإن ذلك يعني أنّ هؤلاء يقضون في بَيات شتويّ لمدة تسعة أشهر، وهو الأمر الذي يؤثّر سلبًا على أدائهم، وخاصة لدى الممثلين.
تدوين القراءات والانطباعات عن الأعمال الدرامية اليمنية، إيجابًا أو سلبًا، لا يُغنينا عن النقد الفني المهني المتخصص، ممّن هم أهلٌ لهذه الوظيفة، وهو أمرٌ يدعو إلى استطلاع آراءِ مؤهَّلين في هذا الجانب، وتعزيز دور النقد الفنيّ.
تفتقد الدراما اليمنية تقاليدَ راسخة في الإنتاج، فضلًا عن غياب بنية تحتية فنية، غير أنّ صناع الدراما حاليًّا، ومنذ عقدين، يجتهدون بما تيسّر لديهم من قدرات تقنية، ويعتمدون كليًّا على مقدرات ومواهب الممثّلين، غير أنّ التطور التقني ساعدهم، مؤخرًا، في تجاوز عثرات سابقة.
المشتغلون في الدراما اليمنية الموسمية، هم عمالة عاطلة لأشهر طويلة خلال العام، فإذا افترضنا أنّ إنتاج أيّ مسلسل، يتطلب ثلاثة أشهر لإتمامه، فإنّ ذلك يعني أنّ هؤلاء يقضون في بيات شتوي لمدة تسعة أشهر، وهو الأمر الذي يؤثّر سلبًا على أدائهم، وخاصة الممثلين.
أزمة الإنتاج الدرامي في اليمن، تكمن في غياب قطاع الإنتاج في التلفزة الرسمية والخاصة، منذ عقود، وهي قد تخلّت بعد ذلك عن إنتاج الأعمال الدرامية، واعتمدت على المنتج المنفذ من خارجها، تحت مسمّى شركات الإنتاج، مجازًا، وهي ذات إمكانيات بسيطة، واستمرّ الحال إلى الآن، حيث تعتمد عليها قنوات التلفزة الفضائية الخاصة.
ومن أبرز مظاهر الإنتاج الدرامي، وهو قليل الكلفة؛ غياب النص، إلّا من بعض الأعمال، توفّرت لها نصوص جيدة، ارتقت بها إلى مستوى أفضل من غيرها، إضافة إلى انحصار الأعمال في أسماء محدودة، مع إهمال واضح وكبير في عدم الاتكاء على الإبداعات الروائية والقصصية للكتّاب اليمنيين، وتحويلها إلى أعمال درامية متلفزة.
وهنا، يمكن الإشارة إلى مسلسل (الحنين) للمخرج التلفزيوني والسينمائي، سمير العفيف، عام 2002م، عن رواية (شيء اسمه الحنين) للروائي اليمني محمد عبدالولي، الذي تتميّز قصصه ورواياته بالبناء الدرامي اللافت، ما يسهل على كاتبي السيناريو والمخرجين تحويلها إلى أعمال تلفزيونية درامية وسينمائية، وهو ما نجح فيه العفيف.
الأمر الآخر؛ العددُ المحدود لكُتّاب السيناريو والحوار، ومستوياتهم المتفاوتة، وهذا ملحوظ في الأعمال الدرامية، التي نادرًا ما نجد فيها أسماء مميزة، وغالبًا ليس لضعف قدراتهم الإبداعية، بل لضآلة الأفكار والقصص، ومقتضيات الإنتاج الضعيفة، بسيطة الميزانية.
خلال سنوات الحرب الثمانية، تصاعد الإنتاج الدراميّ تدريجيًّا، في داخل وخارج البلاد، حتى وصل إلى ذروته العامَ الحالي، وهذا ما يجعلنا نؤكّد أن لا ركود في الإنتاج الدراميّ، لكنه ما زال يتّسم بالموسمية، فضلًا عن السطحية والابتذال والتهريج والسعي للإضحاك، في عددٍ من الأعمال الدرامية المعروضة، بعد إنتاجها بصورة ارتجالية، في ظلّ غياب فاضح للاحترافية.
كلُّ ما سبق لا يقلّل من قدرات المشتغلين بالدراما اليمنية، غير أنّ هؤلاء بحاجة لتظافر عوامل عديدة للارتقاء بأعمالهم، حتى الوصول إلى المشاهد العربي، من خلال جودة في الإنتاج، بَدءًا بالنص والإخراج والسيناريو والحوار، وإتباعها بالمصور المتمكن، والمونتير المتخصص، وفنِّيِّي الصوت والإضاءة والمكياج، المحترفين.