"الدونية" في أحشاء يسرى

تعميمات ظالمة تجاه المهن حان وقت الوقوف في وجهها
آمال محمد
September 29, 2024

"الدونية" في أحشاء يسرى

تعميمات ظالمة تجاه المهن حان وقت الوقوف في وجهها
آمال محمد
September 29, 2024
الصورة لـ: عبدالرحمن جابر- Flker

ولدت في كنف عائلة محبة وداعمة لي، مكنتني بذلك من دراسة المحاسبة في جامعة صنعاء. وحيدة أبي وأمي. عشت وتزوجت في سن مبكر، بعد أن لفت أنظار عائلة زوجي خلال إحدى المناسبات، وتقدموا لي ووافقت. فقد سألنا عن هذه الأسرة ووجدنا الناس يتحدثون عنها بخير. هكذا بدأت يسرى كما تحب أن يظهر اسمها (26 عامًا) تروي قصة زواجها الذي انتهى بظلم قاسٍ بعد ستة أشهر فقط من الحياة الزوجية.

بعد هذه الفترة من الزواج تغيرت حياتها رأسًا على عقب. فقد بدأت تلاحظ تغيرًا كبيرًا في معاملة أسرة زوجها لها لأسباب تمييزية وعنصرية ودونية، بحجة- كما لمحوا لها- أن أسرتها ليست مثلهم (قبائل،) فقد تقدموا لها لتتزوج ابنهم بعدما اعتقدوا أنها من أسرة تناسب مستواهم القبلي.

بحسب يسرى فإن أسرة زوجها الذي طلقها بعد ستة أشهر عاملوها بشكل صادم. نبذوها وعاملوها بدونية، وكانوا يطلقون عليها هي وأهلها كلمات جارحة.

قصص كثيرة تشبه ما جرى لهذه الشابة يسرى، بطرق مختلفة، تنتهي بالبصق في وجه هذه الآفة السرطانية التي لا تزال تنخر المجتمع الذي يبدو أنه لم يستطع في العصر الحديث والقرن الواحد والعشرين التخلص بشكل مناسب من الترسبات التميزية والطبقية والدونية التي يحملها بطريقة أصبحت مؤذية.

تضيف يسرى قائلة: "تحملت الإهانة التي كانت تزيد من يوم لآخر، وحاولت أن أصبر، ولم أستطع التحدث مع عائلتي بما حدث بسبب قلقي على صحة والدي المصاب بمرض السكر."

بصقة في وجه الطبقية

 تحكي يسرى قصة أحد أفراد أسرتها كان يمتهن الحلاقة التي هناك من يعتبرها في اليمن من المهن والأعمال "الدونية،" فيتم الانتقاص من ممتهنيها. تشير يسرى إلى أنها من أسرة كريمة عريقة، ومن عمل في هذه المهنة كان بسبب ظروف مادية صعبة، فنصحه أحد الحلاقين بالعمل لديه، لكن لم يكن يخطر في بال أحد أن يتحول ذلك إلى وصمة وعار يلازم الأسرة بشكل عام.

تحملت يسرى بفعل ذلك معاملة قاسية تفوق قدرتها على تحملها بعد فترة قصيرة من زواجها، إلى أن انتهى الأمر بطلاقها. قام زوجها بعد أن طلقها بإيصالها إلى منزل عائلتها بطريقة مهينة. قام بسبها وشتمها وسب وشتم عائلتها، إضافة إلى البصق في وجهها. حدث ذلك أمام جيران أسرتها كما تقول يسرى: "دخلت البيت أجري مسرعة، أتخبأ من عيون الناس، ما سمعته كان بمثابة رصاص اخترقتني من كل اتجاه."

دخلت يسرى في مرحلة صدمة قاسية لم تفق منها سوى بعد شهرين، بصدمة أخرى أكبر وهي الحمل: "عرف طليقي وأهله، وطلبوا إجهاض الجنين، قائلين إنهم متبرئون منه."

حاولت ذلك، وذهبت إلى أطباء لكنهم رفضوا إنزال الجنين، فقد كان بنهاية الشهر الثالث، وحاولت إنزاله بكل الطرق، ولكن بحسب حديثها "كان أمر الله غالب."

تقول يسرى: "أشعر أن الذي في أحشائي "ابن حرام،" وليس ابنًا شرعيًا، أحمل له الكراهية والبغضاء كلما شعرت بحركة منه، وأتمنى أن يموت قبل أن يولد، فلا أب سيقبله، لكن هناك شيئًا آخر يوجعها أكثر بكثير من ذلك: "ما أراه في أبي وأمي، عيونهما تحمل من الألم أضعاف ما أشعر."

دونية تجاه المهن

قصص كثيرة تشبه ما جرى لهذه الشابة يسرى، بطرق مختلفة، تنتهي بالبصق في وجه هذه الآفة السرطانية التي لا تزال تنخر المجتمع الذي يبدو أنه لم يستطع، في العصر الحديث والقرن الواحد والعشرين، التخلص بشكل مناسب من الترسبات التميزية والطبقية والدونية التي يحملها بطريقة أصبحت مؤذية ومسيئة لفئات مميزة في مهنها وأعمالها وأسرها وكل ما يتعلق بحياتها.

تُشير عفاف يحيى سعيد، معلمة ومختصة نفسية وأسرية، في حديثها لخيوط إلى أن التمييز ضد أصحاب المهن ينبع من تعميمات ظالمة تلاحقهم منذ سنوات طويلة.

الوقت قد حان لتغيير نظرة المجتمع الدونية تجاه هذه المهن وتقبلها باعتبارها مهارات قيّمة تساهم في تنمية الاقتصاد والمجتمع وتعزيز الثقة بمن يمارسها، فضلًا عن أهمية تغيير نظرة المجتمع الدونية على هذي المهن ويجب دعمهم بكل الطرق، وذلك بالنظر إلى ما قد ينتج عنها من أضرار نفسية. 

فهذه التعميمات تستند إلى نظرة دونية لهذه المهن، وربطها بصفات سلبية مثل الفقر والجهل، دون أي مبرر أو دليل، وفق عفاف التي ترى أن العادات والتقاليد تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز التمييز ضد أصحاب المهن، ففي بعض المجتمعات، يُنظر إلى الزواج من شخص ينتمي إلى مهنة يدوية بصفته نوعًا من العار أو الخطأ، مما يُعيق فرص الاندماج والتواصل بين أفراد المجتمع.

وتؤكد عفاف أن هذه المفاهيم خاطئة تمامًا، وأن أصحاب مهن الحلاقة والحدادة وغيرها من المهن يتمتعون بنفس الصفات والمهارات التي يتمتع بها أفراد المجتمع الآخرين. 

 العمل عبادة قيمة

 تقدم عفاف تحليلًا مهمًا للأثر السلبي للنظرة الدونية على أصحاب هذي المهن، ومشاعر الاحتقار والتنافر بين أفراد المجتمع، مما يُعيق التعاون والترابط الاجتماعي.

منها ما يتعلق بأزمات مزمنة قد ترجع بعض أسبابها لهذه التعميمات الظالمة، وعجزت جميع الحكومات المتعاقبة عن حلها إلى أن ضاعفتها الحرب وما خلفته من تبعات كرست مثل هذه الآفات والأزمات، أهمها الفقر والبطالة، إذ يعزف الشباب عن ممارسة الحرف والمهن اليدوية بسبب قلة التقدير لها، ما يُؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.

وفق عفاف فإن الوقت قد حان لتغيير نظرة المجتمع الدونية تجاه هذه المهن، وتقبلها بوصفها مهارات قيِّمة تسهم في تنمية الاقتصاد والمجتمع وتعزيز الثقة بمن يمارسها.

فضلًا عن أهمية تغيير نظرة المجتمع الدونية إلى ممارسي هذي المهن. يجب دعمهم بكل الطرق، وذلك بالنظر إلى ما قد ينتج عنها من أضرار نفسية على الأسر والعوائل والتي لا تستطيع التصريح أو الحديث عنها، وقد تقدم بعض الأسر على إنكار مهنها أو التحفظ عنها خوفًا من عدم تقبلهم في المجتمع.

وتطالب عفاف بتعاون جميع أفراد المجتمع من أجل التوعية لمكافحة التمييز ونشر ثقافة احترام العمل الشريف وقيم المساواة والعدالة، مؤكدة على المقولة التي تعلي من شأنه وقيمته: "العمل عبادة."

•••
آمال محمد

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English