أكّدت متحدثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط والأدنى، إيمان طرابلسي، بأن 15% من اليمنيين، حاملو إعاقات، ونحو 150 ألف شخص منهم، يحتاجون إلى أطراف صناعية.
وفي حوار مع "خيوط"، تتحدث المسؤولة الدولية عن الأوضاع الإنسانية وانعكاسات الحرب في اليمن، وتدخلات اللجنة الدولية، وما حققته الهدنة القائمة.
حوار: بسام غبر
• هذه أول زيارة لكم إلى اليمن، ما تقييمكم للوضع الإنساني في اليمن؟
على امتداد السنوات الثمانية الأخيرة، شغلت الأزمة الإنسانية في اليمن العالمَ، ووسائل الإعلام والفاعلون الإنسانيون لم يكفوا عن التذكير بمدى استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية. للأسف الواقع لا يختلف عن الأخبار المتناقلة، خلال زيارتي شاهدت وسمعت ما أكّد لي مدى فظاعة الحرب، فالنزاع في اليمن أثر على كل جوانب الحياة اليومية.
أهم ما شدّ انتباهي، معاناة السكان، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة، كالنساء اللاتي تضاءلت فرص حصولهن على أبسط الخدمات الصحية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وتعرضهن لمصاعب اقتصادية واجتماعية، تسببت بافتقارهن للخدمات الأساسية.
في إحدى مخيمات النزوح، قابلت السيدة مغنية، وهي أم تعاني من سرطان بمراحله الأخيرة، قالت لي: "الألم لا يحتمل، من المفروض أن أتلقى العلاج في مركز علاج السرطان بمدينة المكلا، التي تبعد مئات الكيلومترات عن المخيم. لا أستطيع تحمل تكلفة التنقل بين جلسات العلاج، ولا يقوى جسدي على تحمل مشقة الرحلة الطويلة. أنا الآن جالسة في خيمتي أنتظر الموت ليخلصني من هذا العذاب".
• قلتم إنّ وسائل الإعلام لم تكف عن التذكير بتدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن؛ أي إن الإعلام الدولي غطّى الوضع الإنساني في اليمن كما يجب. كيف توصلتم إلى هذه النتيجة؟
على امتداد سنوات، كانت الأزمة الإنسانية في اليمن من أبرز ما شغل الرأي العام في العالم العربي، ومن أهم تترات الأخبار العالمية. لكن بعد مرور سبع سنوات من الأزمة، من العادي أن يتناقص الاهتمام الإعلامي، نظرًا لطبيعة العمل الإعلامي الذي تهمه المستجدات والسبق الصحفي، وهنا يأتي دور الفاعلين الإنسانيين واتصاليهم لإعادة إحياء الاهتمام والتذكير بأنّ الأزمة لا تزال قائمة، وإن غابت عن التترات الرئيسية.
• كيف يمكننا وصف زيارتكم لليمن وانعكاساتها على الوضع الإنساني في اليمن؟
مهمتنا الأساسية بصفتنا اتصاليين إنسانيين، إعطاءُ فرصة للمتضررين لسرد قصصهم وتفسير معاناتهم للعالم، وهدف هذه الزيارات هو أن ينصت العالم إلى قصة مغنية وغيرها، ونقل واقعها في سبيل أن يسهم ذلك في تحسينه وضمان أن تتناقص أعداد الذين يمرون بالأهوال التي تمر بها مغنية اليوم.
• ما تقييم اللجنة الدولية للصليب الأحمر للحرب وانعكاساتها في اليمن؟
دخل النزاع في اليمن عامه الثامن، وما يزال يُلحق خسائر فادحة في صفوفِ المدنيين بشكل مباشر وغير مباشر؛ إذ خلّف أزمة إنسانية غير مسبوقة، وتم تصنيفها من بين أكبر الأزمات الإنسانية حول العالم. فحوالي 20,7 مليون من إجمالي 30,5 مليون نسمة، يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية.
واشتداد أزمة الأمن الغذائي في اليمن، جانب يثير قلق الفاعلين الإنسانيين؛ فحوالي 16 مليونًا، لا يستطيعون تأمين حاجيتهم الغذائية، من بينهم قرابة 4.71 مليون طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية الوخيم. كما أنّ اليمن من أكثر البلدان التي تعاني من شحة المياه، إذ يلجأ يوميًّا أكثر من 15 مليون شخص، إلى طرق مكلّفة ومستهلكة للوقت في الحصول على ما يكفيهم من المياه، و30% من السكان فقط بمقدورهم الاستفادة من شبكة المياه العامة.
• كيف ترون سير الهدنة القائمة؟
أسعدنا إعلان طرفي النزاع الاتفاقَ على تمديد الهدنة لشهرين إضافيين، تبدأ في الثاني من أغسطس الجاري، ونأمل توصل الأطراف من خلال المفاوضات إلى إحداث هدنة موسَّعة، ومنح فرصة للملايين لبدايات جديدة بعد ما أنهكتهم سنوات النزاع. فخلال الأشهر الأربعة الماضية تراجع عدد القتلى والجرحى جراء العنف إلى نصف ما كان عليه.
• هل تكتفي اللجنة بإصدار بيانات استنكار عند استهداف مدنيين، أم هناك تحركات أخرى لحمايتهم؟
التصعيد في الأعمال العدائية، الذي شهدته العديد من المناطق في اليمن خلال الفترة التي سبقت الهدنة، أثار الشعور بالقلق الشديد إزاء التهديد المستمر لحياة المدنيين وكرامتهم، وما خلفه ذلك من سقوط مزيد من الضحايا المدنيين ونزوح المزيد، وإلحاق أضرار ودمار للبنى التحتية المدنية.
أبرز التحديات تتمثل في ضخامة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مقارنة بما يمكن أن تقدمه برامج الإغاثة والدعم؛ فسنوات النزاع أنهكت قطاعات الخدمات والاحتياجات الأساسية.
وبالتالي، فنحن نواصل دعوة جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني والتشجيع على احترامه لضمان حماية حياة ومصالح المدنيين وتفادي مزيد من تفشي الأزمة الانسانية القائمة بالفعل، من ذلك المزيد من تدهور الأمن الغذائي، والحيلولة دون زيادة عدم قدرة اليمنيين من تأمين وبلوغ الخدمات الأساسية كالصحة والمياه والتعليم.
• يعني إصدار بيانات استنكار فقط.
الدعوة والتشجيع على احترام القانون الدولي الإنساني تتجاوز مجرد البيانات العامة، إذ إن الأخيرة هي قمة جبل الجليد في البحر. عملنا يتضمن كذلك: المحادثات الثنائية مع الأطراف المنخرطة والمؤثرة، التدريب ودعم قدرات السلطات والفاعلين حول القانون الدولي الإنساني، المساهمة في رفع الوعي العام عن طريق العمل مع الإعلاميين ورفع قدراتهم، خلق برامج تُعنى بالبحث عن حلول مستدامة للأزمة الإنسانية، وتطول القائمة.
• ما أبرز تدخلات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن؟
تظل أولويتنا في اليمن مع شركائنا بالحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، مساعدة ضحايا النزاع وتعزيز الدعم للنظم الأساسية الهشة. وتركز عملنا على الاستجابة للاحتياجات الملحة، كقطاع المياه والأمن الغذائي، وتحديد الاحتياجات طويلة المدى، بتقديم دعمٍ ذي قيمة إضافية، لا سيما في القطاعات الحيوية كالصحة مثلًا، ودعم 83 مركزًا صحيًّا ومستشفى، بأدوية ومعدات وحوافز نقدية للعاملين الصحيين.
ونظرًا لارتفاع أعداد حاملي الإعاقات في اليمن بنسبة تصل إلى 15% من السكان، ويحتاج نحو 150 ألف شخص خدمات الأطراف الصناعية، نحاول الاستجابة لاحتياجاتهم الصحية، بتقديم خدمات لنحو 50 ألف منهم، ودعم 5 مراكز للتأهيل الحركي، بمعدات ومواد خام، وحوافز للموظفين.
• وماذا عن عمليات تبادل الأسرى؟
بصفة اللجنة الدولية وسيطًا محايدًا، قد تطلب أطراف النزاع منا تيسير تنفيذ أي عملية إفراج عن سجناء ونقلهم لاحقًا إلى مناطقهم الأصلية. وفي إطار اتفاق ستوكهولم لعام 2018، تشارك اللجنة الدولية مع مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة في اليمن، في رئاسة اللجنة الإشرافية على تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين. ففي منتصف أكتوبر 2020، يسرت اللجنة بالتعاون مع الهلال الأحمر اليمني، عملية إفراج عن 1056 سجينًا من النزاع اليمني ونقلهم.
وفي مايو الماضي، يسرت اللجنة عملية إعادة 117 محتجزًا من المملكة العربية السعودية إلى اليمن، بناءً على طلب من قيادة القوات المشتركة للتحالف العربي، في إطار عملية إفراج أحادية الجانب، ووافقت اللجنة الدولية على المساعدة استنادًا إلى ولايتها الإنسانية في حالات النزاع المسلح.
• ما وضع المحتجزين في اليمن؟
طبيعة عمل اللجنة الدولية في هذا المجال يحكمها مبدأ الحوار الثنائي والسري مع الأطراف المعنية، إذ نوجّه ملاحظاتنا وما ننصح به في سبيل تحسين ظروف الاحتجاز مباشرة إلى السلطات المعنية، ولا تُوَفَّر هذه المعلومات للعموم. هذا يعود إلى أنّ اللجنة الدولية، بما تقتضيه معاهدات جنيف، توكل إليها مهمة زيارة أماكن الاحتجاز لمراقبة ظروف الاحتجاز وضمان توافقها مع المعايير الدولية، ولا نعتمد على وسائل ثانوية كالمناصرة وحشد التأييد.
زارت فرق اللجنة قرابة 40 مكانًا للاحتجاز في أنحاء اليمن، ووصلت إلى نحو 20 ألف محتجز، غالبيتهم من المدنيين، إلا أنّ وصولها إلى المحتجزين على خلفية النزاع محدود حتى الآن، ولا يزال موضوعًا للمفاوضات الجارية مع أطراف النزاع.
• وماذا عن تداعيات الحرب النفسية وانعكاسها على اليمنيين؟
أثناء النزاعات، يكون الأشخاص معرضين كثيرًا لتداعيات نفسية، وتوفير خدمات الصحة النفسية، لا يقل أهمية عن توفير الغذاء والإسعافات الأولية للجرحى، فالإصابات وإن لم تكن عضوية أو مرئية، تظل جروحًا. وهذه الخدمات يمكن أن تنقذ الحياة البشرية، وتسهم في رفع جاهزية المجتمعات للتعافي من أثر الأزمات فور انتهائها والرجوع إلى حالتهم الأساسية في السلم.
وللأسف ما يتم توفيره حاليًّا من قبل المنظمات الإنسانية الناشطة في مجال الصحة النفسية بما فيها اللجنة الدولية، يبقى غير متكافئ مع الاحتياجات الحقيقية، فالتعامل مع الصحة النفسية كمجال أساسي خلال عمليات الإغاثة يعد فكرة جديدة نسبيًّا، وبالتالي لا يتم حاليًّا تغطية هذا المجال بالمستوى المطلوب، ليس في اليمن فحسب، وإنّما في العالم أجمع.
• ما التحديات التي تواجه عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن؟
أبرز التحديات تتمثل في ضخامة الاحتياجات الإنسانية في اليمن مقارنة بما يمكن أن تقدمه برامج الإغاثة والدعم؛ فسنوات النزاع أنهكت قطاعات الخدمات والاحتياجات الأساسية.
ومن المرجح أن تزداد شدة هذا التحدي في الفترات القادمة في ظل انخفاض تمويل عديد من العمليات الإنسانية، هذا لا تعاني منه اللجنة الدولية حاليًّا، ولكن عديدٌ من الفاعلين الإنسانيين، وهذا يجعلنا نقف أمام واقع محدودية قدرة الاستجابة مقارنة بما يحتاجه السكان فعليًّا، بتغطية جزء من الاحتياجات. كما أنّ تصاعد أزمات أخرى حول العالم يخلق تراجعًا بالاهتمام بأزمات قائمة.
• تعرض عديدٌ من العاملين في اللجنة الدولية لحوادث قتل خلال الحرب اليمنية الحاصلة؛ كيف انعكس ذلك على عملكم في اليمن؟
تصاعُد وتيرة العنف لها أن تحدّ من قدرتنا على التدخل ميدانيًّا فنحن متعهدون بمواصلة تقديم المساعدة اللازمة، ولكن حماية فرقنا تبقى على رأس الأولويات. وفي وجود الاحتياجات الإنسانية الهائلة في اليمن تحتاج فرق اللجنة الدولية، كبقية الفاعلين الإنسانيين، بأن يكونوا قادرين على تنفيذ أنشطتهم لمساعدة المجموعات السكانية المتضررة بصفة آمنة وآنية. وبالتالي من المهم الحصول على الضمانات من قبل الأطراف المنخرطة في النزاع بما يقتضيه القانون الدولي الإنساني.
تختتم طرابلسي حوارها مع "خيوط" بالقول: "هذا العام الستين منذ بدء عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، وسنكمل مساعينا الإنسانية وبوتيرة أعلى لمساعدة اليمنيين، بتقديم المعونات، وإظهار معاناتهم للعالم الخارجي، وسنقف إلى جانب تطلعاتهم للعيش بسلام، وبناء حياتهم من جديد".