كثيرًا ما حذّر وأدان الروائي العالمي نجيب محفوظ، عيبًا منتشرًا بين البشر في مرحلة الشباب. بوجه خاص، أسماه بـ"البطر"، وذلك في سيرته: "أصداء السيرة الذاتية"، وهي نص إبداعي قصصي.
الكفر بالنعمة أو "البطر"، أو "البَوْقَة" باللهجة اليمنية، هو وصف كشفي يأتي دائمًا بعد فعل أو سلوك إسرافي. هكذا يشعر اليمنيون خلال سبع سنوات من الحرب.
نشعر بندم دفين حين تفيض وتختلج عيوننا بالدموع كلما سمعنا النشيد الوطني؛ الأطفال، الأمهات، الآباء، الشباب، كلهم يفعلون ذلك، لكأنّنا الشعب الوحيد في العالم الذي يبكي كلما سمع نشيده الوطني.
في مدينة ذمار، في ساحة النادي الأحمر، آنسوا نارًا ونشيدًا، فتوافدوا على حذر وخجل؛ آباء وأطفالًا وشبابًا.
لم يكن ثمة إعلان للاحتفال بالعيد الـ59 لثورة 26 سبتمبر/ أيلول، ولم يحضر أحد من السلطة المحلية؛ فلا خطابات ولا كلمات ولا أهازيج، فقط احتفال خالص، كأنه طقس بدائي يحرر كل ما في النفس من مشاعر متضاربة ومختلطة؛ من الحزن والفرح البدائي بالنار، والندم الدفين، اللذة والقلق، والنصر والهزيمة، والكبرياء، والذل.
كل ذلك تلمسه في الصمت؛ صمت كل الواقفين حول النار، حول الشعلة التي لطالما كان شباب الكشافة يجهزونها في ميدان التحرير، عشية 26 سبتمبر من كل عام، حول شعلة عيد كل اليمنيين، شمالًا وجنوبًا، عيد كل فئات الشعب، حول شعلة ثورة بطرنا بها، ولم نعرف ونعترف بقيمتها إلا بعد ضياع الوطن وتمزُّق البلاد.
بدأ الاحتفال وانتهى في دقائق، ليغادر الجميع راضين بعد أن هجعت مشاعرهم قليلاً، كأنهم أنهوا للتو "زفاف الحجارة للبحر".