شتاء ذمار الصفري في "النادي الأحمر"

ممارسة الرياضية بعيداً عن طقوس القات
صقر أبو حسن
January 1, 2024

شتاء ذمار الصفري في "النادي الأحمر"

ممارسة الرياضية بعيداً عن طقوس القات
صقر أبو حسن
January 1, 2024
.

أشخاص متعددون في مدينة ذمار، لا يعودون مباشرة إلى منازلهم عقب تأديتهم صلاة الفجر في المساجد، بل يتجمعون لممارسة الرياضة الصباحية في ذروة البرد القارس، حيث تحولت، يومًا إثر آخر، إلى طقوس يومية للعشرات من كبار السن والشباب على حدٍّ سواء.

يقول محمد مفتاح، وهو رجل تجاوز الخمسين عامًا من عمره، ويمتلك بقالة في أحد الأحياء بمدينة ذمار (شمال اليمن): "بدأنا بمجموعة بعدد الأصابع، والآن نحن نتجاوز السبعين شخصًا، أغلبنا ممن تتجاوز أعمارهم أربعين عامًا"، مشدّدًا في حديثه لـ"خيوط"، على أنّ ممارسة الرياضة أمر جيد ومفيد وإن كانت في ذروة البرد القارس.

يمارس الجميع التمارين البدنية البسيطة، في النادي الأحمر-الملعب الخاص بنادي نجم سبأ- حتى شروق الشمس، قبل أن يمضي الجميع إلى أعمالهم اليومية، فيما يواصل بعض المجاميع من الشباب وصغار السن ممارسة لعبة كرة القدم أو الكرة الطائرة، حتى الثامنة صباحًا.

تمارين رياضية

لا يكتفي بعض كبار السن بممارسة الرياضة بأنفسهم، بل يجلبون معم أبناءهم، حيث تحوّل طريق بعضهم بعد صلاة الفجر -بعد أن كان من المسجد إلى البيت- إلى طريق "النادي الأحمر". 

"أقوم بعد خروجي من المسجد بالركض نحو النادي الأحمر؛ وذلك من أجل اللياقة البدنية، فقد شعرت بفرق كبير في صحتي"؛ يفسر مفتاح كيف تحسنت صحته ولياقته البدنية كثيرًا بعد شهرين من ممارسة الرياضة الصباحية.

الرجل الخمسيني كان يحدثني من بقالته الصغيرة بحي باب القاع بمدينة ذمار، عندما أشار إلى قدمه، قائلًا: "اشتريت "بوتي" (حذاءً رياضيًّا)، والآن أمشي به طوال الوقت. أشعر بخفة في جسدي"، قال ذلك وهو يضحك.

في هذا المكان، يتم تنظيم نحو ثلاث دوريات مرتبطة بمكتب الشباب والرياضة بذمار أو قطاعات مختلفة سنوّيًّا خلال فصل الشتاء، فيما يشهد مباريات يومية بين فرق عدة، يعمل منظّموها على تقسيم الوقت بين تلك الفرق، فمن الثانية ظهرًا حتى الرابعة عصرًا مجموعة، ومن الرابعة عصرًا حتى السادسة مساءً مجموعة أخرى.

لم يعد يقتصر التجمع الصباحي في النادي الأحمر، على كبار السن وبعض الشباب، بل بات يتضمن قدماء الرياضيين وبعض مديري المكاتب التنفيذية والأكاديميين، والعمال بالأجر اليومي؛ يرتدي غالبيتهم أغطية الرأس والملابس الرياضة، فيما بعضهم يأتي وهو يرتدي الملابس التقليدية الشعبية "معوز أو ثوب"، في مشهد جميل تتوحد فيه حركات الجميع. 

وتتعالى الضحكات عندما يردد المدرب عبارة "تمرين السحاوق"، وهو تمرين تحريك مفصل الركبة بشكل شبه دائري. ليس هناك مدرب محدد لتلك المجاميع، بل قدامى الرياضيين هم من يقودون التمارين، وهي تمارين متسلسلة وسهلة.

يحيى الوريث، وهو أكاديمي ورياضي سابق، يعد مؤسس فريق "أحسن فريق" للرياضة الصباحية، يذكر في حديث لـ"خيوط"، أن الفريق تم تأسيسه ليكون ضمن تشكيلات "أحسن فريق" في صنعاء وبقية المحافظات.

تشمل التمارين الرياضية "تمارين سويدية، على الواقف"، وهي تبدأ من أعلى الرأس حتى أخمص القدم. ويفكر الوريث حاليًّا، بتقسيم مدينة ذمار إلى مناطق عدة، لتسهيل قدوم وانخراط المشاركين، مضيفًا أنه بسبب البرد تقلصَ العدد، بينما كان العدد قبل حلول الشتاء يتجاوز 80 شخصًا، وبعد انتهاء فصل الشتاء سيتم تقسيم المدينة إلى عددٍ من الفرق، بَدْءًا بفريقين اثنين.

يؤكّد الوريث أنّ الهدف من كيان "أحسن فريق" أن تكون الرياضة للجميع، من خلال ممارسة الرياضة لا سيما الأشخاص الذين لا يجدون الوقت لممارستها، والذين يرتبطون بالأعمال والمشاغل، حيث يكون ما بعد الفجر هو الوقت المناسب للكثيرين؛ لذا يتضاعف عدد المنخرطين في التمارين الرياضية يومًا إثر يوم، ليس في ذمار فحسب، بل في أغلب المحافظات.

النادي الأحمر

يطلق الأهالي على الملعب الترابي الخاص بنادي نجم سبأ ذمار، "النادي الأحمر"، وتعود التسمية -وفق "بسام الروضي"- في حديثه لـ"خيوط"، إلى لون التراب الذي كان موجودًا فيه، مشيرًا إلى أنّ النادي الأحمر ملعب الجميع وتمارس فيه كل أنواع الرياضات ابتداء بكرة القدم وصولًا إلى الحركات القتالية الاستعراضية، ويكتظ بالرياضيين صباحًا ومساءً.

يقول الروضي: "في الصباح، يكتظ بالرياضيين الذين يلعبون كرة القدم أو كرة الطائرة أو رياضة الجري، وفي العصر يشهد مباريات يومية خاصة في فصل الشتاء، بين فرق الأحياء الشعبية، إضافة إلى استقطاع جزء منه كملعب للكرة الطائرة".

في هذا المكان، يتم تنظيم نحو ثلاث دوريات مرتبطة بمكتب الشباب والرياضة بذمار أو قطاعات مختلفة سنويًّا خلال فصل الشتاء، فيما يشهد مباريات يومية بين فرق عدة، يعمل منظموها على تقسيم الوقت بين تلك الفرق، فمن الثانية ظهرًا حتى الرابعة عصرًا مجموعة، ومن الرابعة عصرًا حتى السادسة مساءً مجموعة أخرى، كما يشرح لـ"خيوط" المدرب الشاب عبدالكريم الصغير، حيث ذكر أنّ الملعب يكون في ذروة نشاطه خلال فصل الشتاء، ويعج بالجماهير من مختلف الأعمار.

يضيف الصغير، الذي عمل سنوات مراسلًا لصحيفة 14 أكتوبر قبل أن ينخرط –بسبب الحرب- في أعمال التدريب والأنشطة الرياضية أن ملعب النادي الأحمر واحدة من الوجهات الرياضية لجميع الرياضيين، إذ تخرج من النادي العشرات من الأسماء الرياضية على مدى العقود الماضية، وحتى اليوم سواء في كرة القدم أو الألعاب الرياضية الأخرى.

بدائل لنبتة "القات"

خلال شهري ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني، تصل درجة الحرارة في مدينة ذمار إلى ثلاث درجات تحت الصفر، وفي بعض المناطق الجبلية تجاوزت ذلك إلى خمس درجات، حالٌ مناخية مثل هذه تركت أثرًا في حياة الكثير من السكان، في مقدمتهم المزارعون والعاملون بالأجر اليومي في المناطق الزراعية والخدمية الصغيرة، ورفع أسعار نبتة (القات) بشكل مضاعف، ليتجه الكثير منهم إلى ممارسة الرياضة والتجول في المقاهي والمطاعم الشعبية والملاعب الترابية بمدينة ذمار وضواحيها، وهو في تقدير "علي الضياني"، ما أسهم في اتجاه الناس نحو بدائل "القات"، منها ممارسة الرياضة.

يضيف لـ"خيوط"، أنّ النادي الأحمر- الملعب الخاص بنادي نجم سبأ وأغلب الملاعب الترابية بمدينة ذمار، احتشدت لها جماهير المواطنين من مختلف الأعمار، وهو شيء نادر جدًّا في فصل الشتاء، بسبب ارتفاع أسعار "القات"؛ لذا تعد الرياضة وممارستها الخيار الأول الذي يحبذه المواطنون.

ليست مدينة ذمار فقط، بل أغلب المديريات تنظم فيها دوريات رياضية، أطلق عليها "الدوري الشتوي"، وجزء منها تُنظم بشكل سنوي، على مرحلتين؛ بداية فصل الشتاء ومنتصفه.

يقول في هذا الخصوص، محمد شجاع، وهو رياضي سابق وطبيب أسنان، إنّ فوز منتخب الناشئين بكأس غرب آسيا مرتين في الثلاث السنوات الأخيرة، ساهم في دفع المجتمع للاهتمام بالرياضة، خاصة كرة القدم، وشجّع على تنظيم دوريات وأنشطة رياضية متنوعة ومختلفة.

ويرى في حديثه لـ"خيوط"، أنّ الرياضة في فصل الشتاء خلقت فرصة جيدة لقضاء وقتٍ بعيدًا عن التفكير في "القات والتخزينة" لجزء كبير من شرائح المجتمع.

وتفتقد محافظة ذمار المنشأةَ الرياضية الجديدة لاستيعاب الراغبين بممارسة الرياضة، رغم امتلاكها مدينة رياضية تضم استادًا رياضيًّا تم استهدافه عام 2017، وصالة رياضية دُمّرت تمامًا إثر قصف جوي عام 2015، لتبقى الصالة المغلقة -مركز راوية لألعاب القوى- وحيدة لاستقبال الفعاليات والأنشطة الرياضية الكبيرة.

بينما هناك 17 مدرسة أهلية بمدينة ذمار، عشبت ملاعبها بالعشب الصناعي، وتحوّل ذلك إلى مصدر دخل إضافي، من خلال تأجير الملعب بمعدل خمسة آلاف ريال للساعة الواحدة، ويتضاعف السعر في فصل الشتاء بسبب الإقبال الكثير على تلك الملاعب.

•••
صقر أبو حسن

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English