حتى أشهُر قريبة كان السفر إلى بعض قرى مديرية عُتْمَة، همًّا ومشقة، بسبب وعورة الطريق، قال عبده الحودي، مضيفًا وهو يبتسم: "يتسابق الآن أبناء المديرية في تنفيذ المبادرات المجتمعية في شتى المجالات، ولكن أكثرها مبادرات شق ورصف وإعادة تأهيل الطرقات".
الحودي هو مدير عام مكتبة البردّوني العامة ورئيس فرع اتحاد الأدباء والكتّاب بمحافظة ذمار، وأحد أبناء مديرية عُتمة. أوضح في حديث لـ"خيوط"، أنّ المبادرات المجتمعية في مديريته كانت وما تزال من أنجح المبادرات المجتمعية التي ساهمت في التخفيف من المعاناة اليومية لأبناء تلك المناطق.
معيدًا ذلك إلى حجم الإنجاز للعديد من مشاريع الطرق والسدود، حيث تم رصف وشقّ مجموعة طرق تربط بين عدة قرى في إطار مديرية عتمة وبين المديرية ومديرية مغرب عنس، أضف إلى بناء وإعادة صيانة وترميم بعض السدود وعيون الماء بتمويل من المجتمع المحلي ورجال المال والأعمال، ودعم من المغتربين أيضًا.
التنافس المجتمعي ساهم كثيرًا في إيجاد مبادرات حقيقيّة لإصلاح الطرقات ومشاريع المياه، ليصل عدد الطرقات التي شُقّت على يد الأهالي إلى (9)، والسدود إلى (4)، وما يزال العمل مستمرًّا في نحو ١٣ طريقًا ومشروعًا عامًّا.
أبرز تلك المشاريع -بحسب الحودي- طريق قرية "خيارة" حيث تم رصفها بالأحجار قبل حوالي سنة، وثمّة طرق كثيرة تم رصفها وما زال العمل فيها حتى الآن.
أكبر مبادرة مجتمعية
يجزم أمير المطحني، أنّ مشروع "طريق يحضر جبل مطحن خميس مطلق" أكبر مبادرة مجتمعية في البلد، تتجاوز تكلفتها خمسة مليارات ريال بدعمٍ من الأهالي ورجال الأعمال والمغتربين من أبناء وصابين.
وقال المطحني -المسؤول الإعلامي لمشروع جبل مطحن- في حديث لـ"خيوط": "هذا مشروع مساهمة مجتمعية فريدة من نوعها والأولى في حجمها، ويصل طول المشروع إلى 52كم، وبعرض 14 إلى 16 مترًا". مضيفًا أنّ منطقة المشروع "كانت محرومة من أغلب الخدمات الأساسية والضرورية للسكان، مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه، وأهمها الطرقات، لذا جاءت مبادرة من بعض تجار من أهالي جبل مطحن بتبنّي فكرة عمل طريق لأهالي المنطقة بشكل أبسط ممّا يتم تنفيذه حاليًّا، بهدف التخفيف من معاناة السكان".
في حديث وهو يشير إلى تل مرتفع نسبيًّا عن قريته بمديرية المنار، قال عبدالله راجح إنّ الجهود المجتمعية استطاعت أن تُعيد تأهيل طريق شُقَّت في زمن التعاونيات، إبان حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، وتعرّضت للسيول والأمطار حتى باتت غير سالكة، يضطر الأهالي إلى استخدام ممرّات السيول للوصول إلى منازلهم.
تفاعل الكثير حتى وصل إلى تبرّع النساء بحُليّهن، والأطفال بمصروفهم اليومي، لتتسع آفاق المشروع ليربط بين عدة قرى في مديريّتَي وصاب العالي والسافل ومناطق في محافظتَي إب والحُديدة.
وأشار المطحني إلى أنّ تصميم المشروع تم عبر وزارة الأشغال وبدء العمل بشكل منظم بحسابات دقيقة وعمل يضاهي عمل الشركات العملاقة صاحبة الخبرة في شقّ الطرقات وتشييد المنشآت، قبل نحو أربع سنوات، وما يزال العمل قائمًا حتى اليوم.
ومن إنجازات هذه المبادرة النوعية، شق أكثر من 70% من مخطط المشروع في تضاريس غاية في الصعوبة والوعورة وبناء جسر (جسر سورة) وعددٍ من العبارات الحجرية وأخرى أنبوبة، وعمل جدار عملاق لطول قرابة 60 مترًا وارتفاع نحو 14 مترًا.
وفي التفاصيل التي يوردها المطحني، أمر يدل على مدى الإصرار على تحقيق إنجاز في زمن الحرب، وقال: "تم شق 12كم بشكل كامل من بداية الخط (نقطة البداية خط ذمار الحسينية)، و16 كم من جهة خميس مطلق، باتجاه وادي زبيد، لتصل نسبة الإنجاز نحو ٩٠%، والجزء المتبقي من الطريق من جسر وادي زبيد إلى منطقة ظهرة السداد، كيلو 16، تم إنجاز ما يقارب ٧٥% من أعمال الشقّ، والمتبقي نحو ٥كم (فتح المسار) يحتاج إلى أعمال شق كبيرة لصعوبة المنطقة.
من طريق الحسينية الرابطة بين مدينة ذمار ومنطقة الحسينية بمحافظة الحُديدة، تتفرع طريق تمر إلى المئات من المناطق والقرى في وصابين العالي والسافل، ومناطق تتبع إداريًّا محافظة الحُديدة. كان سكان منطقة جبل مطحن يحتاجون قربة خمس ساعات بالسيارات ذات الدفع الرباعي للسير في الطرقات الوعرة من طريق الحسينية إلى قراهم، الآن لا يتجاوز الأمر ربع ساعة في طريق شُقّت بعناية.
لم يقتصر الأمر على الأموال والتطوع للعمل، بل تجاوز ذلك إلى تبرّع بعض الأهالي بمزارعهم وأراضيهم وبِرَكهم (خزانات لجمع المياه)، بل وحتى بيوتهم ودكاكينهم، وَفقَ تأكيد المطحني. والذي أوضح أنّ مشروع الطريق "مهّدَ لتنفيذ مبادرات مجتمعية أخرى في المنطقة والمناطق المجاورة".
مشاريع تنموية
ليست الحرب كلها مآسيَ ودماءً وحزنًا، فبين رماد الوجع، يمكن للأشجار أن تنبت من جديد، ومن بين صور المآسي واحدة أو أكثر تنبعث منها ملامح الأمل، لذا يعتقد المهندس محمد ريدان أنّ تجربة قريته (خبج) بمديرية ميفعة عنس، في زمن الحرب "خلقت حماسًا لتنفيذ مبادرات مجتمعية كان المجتمع يتردّد في السابق في تنفيذها".
مشيرًا في حديث لـ"خيوط"، إلى تبنّي أبناء القرية بناء حاجزٍ مائيّ تجاوزت تكلفته ستين مليون ريال، وقال: "المشروع كلّف الكثير من الجهد والمال بالنسبة لقرية، لكن تكاتف أبناء المجتمع أثمرت بحاجز مائي يبلغ طوله 700 متر، بعمق 15 مترًا، يستفيد منه الجميع".
إحياء زمن تعاونيات الحمديّ
في حديث وهو يشير إلى تلّ مرتفع نسبيًّا عن قريته بمديرية المنار، قال عبدالله راجح إنّ الجهود المجتمعية استطاعت أن تعيد تأهيل طريقٍ شُقّت في زمن التعاونيات إبان حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، وتعرّضت للسيول والأمطار حتى باتت غير سالكة، يضطرّ الأهالي إلى استخدام ممرّات السيول للوصول إلى منازلهم.
معتبرًا في حديثه لـ"خيوط"، أنّ المبادرات المجتمعية أحيَت لدى الناس التعاون والإيثار وإعادة الثقة في المشاريع التي تخدم المجتمع، وحدّت كثيرًا من الاعتماد المفرط على دعم الدولة، ليبدأ المواطن التفكير في إحياء المشاريع المتوقفة أو المتعثرة، بل وفي مشاريع جديدة.
في قرية راجح ثلاث مبادرات تعاونية تمّت بسواعد وجهد الأهالي؛ ابتداءً بالطريق، مرورًا ببناء فصول جديدة للمدرسة، وانتهاءً بجمع رواتب المعلمين من تبرّعات الميسورين من أبناء المنطقة.