ضجَّ العالم بالانتهاكات الإنسانية التي تتوارد تباعًا من السودان بسبب الحرب الأهلية التي بدأت قبل نحو عشرين شهرًا تقريبًا، فقد كانت الصور والفيديوهات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، هي الوسائل التي أظهرت انتهاكات جسيمة قامت بها قوات الدعم السريع، إضافةً إلى شهادات متواترة عن عمليات اغتصاب.
هذا الأمر قاد إلى فرض عقوبات أمريكية على قائد الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي) وشخصيات وشركات مرتبطة بالدعم السريع، بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. كانت هذه الانتهاكات بمثابة الصدمة للعالم بأكمله، وخصوصًا في ظل نقص المعلومات عن السودان.
أما في الجانب الآخر من الشرق الأوسط، وبالتحديد في سوريا، فقد كان انتصار الثورة السورية وتصدُّر أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) للمشهد ابتداء من 8 ديسمبر 2024 حين استولت الفصائل التي يقودها على العاصمة السورية وانتهاء بإعلانه رئيسًا مؤقتًا لسوريا مع أواخر يناير 2025، بمثابة انتصار مهم للإسلاميين. وقد أعاد خصومه التذكير بماضيه الدموي ودوره الوظيفي في تنظيم داعش.
أما داعش، فإن تاريخها الدموي مشهور للغاية، وقد شكَّل صدمة كبيرة في جميع أنحاء العالم، لا تزال أصداؤه إلى اليوم. إلا أنه عند المقارنة بين قوات الدعم السريع وداعش، سنرى أنّ جزءًا كبيرًا من عناصرها قد عانوا من تهميش كبير.
مهمشون متعددون في الدعم
قوات الدعم السريع هي مجموعات عسكرية تشكلت من ميليشيا الجنجويد واعترفت بها الدولة رسميًّا عام 2013، قائدها محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وقد أوكلت إلى هذه القوات مهمات مختلفة تتعلق بالقضاء على حركات التمرد في دارفور (غربي السودان)، وحراسة الحدود، والقضاء على عمليات التهريب.
إلا أنه عند النظر إلى القوات المكونة للدعم السريع، سنرى أنها تتكون من القبائل العربية، وخصوصًا قبيلة الزريقات، بل إن هناك مجموعات من عرب تشاد، وقليلًا منهم من جنوب ليبيا، وبعض أبناء القبائل العربية في شمال غرب إفريقيا الوسطى، قد تم تجنيدهم لصالح الدعم السريع. تتميز هذه القبائل بأنها قبائل رعوية بل إن بعض هذه القبائل تميزت بأنها من الرحل.
واليوم ومع اشتداد المعارك وحاجة الدعم السريع للمزيد من المقاتلين، فقد تتوجه إلى القبائل الرعوية في السودان ودول أخرى، مثل: تشاد، والنيجر، ونيجيريا، ومالي، وليبيا، وجنوب الجزائر، والسنغال، وموريتانيا التي بينها روابط دم. فقد التحقت، طيلة أشهر الحرب، بهذه القوات مجموعات منها وقاتلت مع أبناء عمومتها بالسودان في قبائلهم المشتركة، مثل: (الرزيقات، والمسيرية، والحوازمة، والتعايشة، والحيماد، والبني هلبة، والهبانية، والسلامات، وأولاد راشد، وخزام، والبراريش، وأولاد سليمان، والمحاميد، والحسانية، والجعفريين)، بجانب قبائل أخرى غير عربية: (الطوارق، الفولاني، التبو، القرعان، الزغاوة، والبديات).
حَوَّل التهميش الممنهج ضد هذه القبائل أفرادها إلى وحوش كاسرة مستعدة لفعل أي شيء دفاعًا عن فرصتها الأولى، وربما الوحيدة، في أن يكون لها دور سياسي أكبر ووضع اجتماعي أفضل. ولأنها، في حال خسارة هذا المشروع السياسي (المتمثل في قوات الدعم السريع)، ستعود إلى وضعها المزري، بل وربما إلى وضع أسوأ.
وعند النظر إلى هذه القبائل، بغض النظر عن بلد تواجدها، سنرى أنها قبائل رعوية عانت من تهميش سياسي كبير، فهي تعيش في ظروف اقتصادية صعبة، وبنية تحتية بدائية في حدها الأدنى، كما أنها حُرمت من أي مشاركة فعّالة في المجال السياسي؛ أيّ إنّها، بشكل آخر، قد عاشت في هامش المجتمع. لذا، فإن وجود مشروع سياسي قد يحوِّل هذه القبائل من قبائل رعوية إلى رجال سلطة ودولة سيكون بمثابة انقلاب مهم في الأوضاع الاقتصادية لهذه القبائل، بل وأيضًا لسمعتها ومكانتها في المجتمع.
حَوَّل التهميش الممنهج ضد هذه القبائل أفرادها إلى وحوش كاسرة مستعدة لفعل أي شيء دفاعًا عن فرصتها الأولى، وربما الوحيدة، في أن يكون لها دور سياسي أكبر ووضع اجتماعي أفضل. ولأنها، في حال خسارة هذا المشروع السياسي (المتمثل في قوات الدعم السريع)، ستعود إلى وضعها المزري، بل وربما إلى وضع أسوأ.
مظلومية ضباط البعث وداعش
اشتهر تنظيم داعش بدمويته المبالغ فيها، بداية من فيديوهات الذبح، وصولًا إلى الدعس بالدبابات، ووصولًا إلى الحرق حيًّا كما حدث مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة. هذا النوع غير المعتاد من الدموية أعاد إلى الكثير من الأصوليين حلم الخلافة الذي كاد أن يتلاشى مع الضربات المكثفة لتنظيم القاعدة- التنظيم الجهادي الأبرز قبل ظهور داعش.
ومع ذلك، وبإعادة النظر إلى داعش، سنرى بوضوح التأثير الكبير، والدور المؤثر الذي يؤديه ضباط سابقون للجيش العراقي. إن ضباط نظام صدام حسين، وبعد أن تم تهميشهم وإقصاؤهم بعد سقوط نظام صدام حسين، تحولوا إلى جهاديين وأصوليين فقط من أجل الحكم.
لا شك أن حالة التهميش الواسعة التي تعرض لها بقايا نظام صدام، وهوس السلطة الذي فقده ضباط وبقايا النظام، جعلتهم يتحوّلون إلى متشدّدين؛ بحثًا عن سلطة ضاعت ومكانة زالت.
إن هذه التجارب التي قمنا بعرضها، تدل بوضوح إلى أن التهميش بمستوياته وأشكاله المختلفة ينتج عنه نوعًا فجًّا من الدموية، فقط حتى لا تعود هذه الأطراف مهمشة كما كانت. لذا فإن أي محاولة لتهميش أي فئة في أي مجتمع عربي أو غير عربي تحت أي ذريعة، تفتح الباب واسعًا لظهور جماعات دموية أكبر، ولو بعد سنوات.