فجرت الحرب الدائرة في اليمن، منذ ست سنوات، أزمات وكوارث متعددة في شتى مناحي الحياة المعيشية، إذ وجد اليمنيون أنفسهم في متاهة لا مخرج منها، مع فقدان مختلف الخدمات وتوقف الرواتب، وما كان متاحًا من سبل العيش.
كان الظلام أحد هذه الكوارث التي خيمت على اليمنيين، بسبب انقطاع خدمة التيار الكهربائي العمومي، الذي كان متاحًا بتكاليف رمزية لا تزيد عن 4 ريالات للكيلو وات "المنزلي"، كحد أدنى؛ وتصل إلى 9 ريالات في حال زاد الاستهلاك عن النسبة المحددة، ونحو 17 ريالًا للكيلو وات "التجاري"، رغم عدم استقراره بسبب مجموعة من الصعوبات والعراقيل التي رافقت فترة تقديمه عبر محطات توليد الطاقة العامة، ومن أهمها المحطة الغازيّة بمأرب.
منذ العام 2015، توقفت خدمة التيار الكهربائي الذي كانت توفره الدولة للمواطنين في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية. وأدى استمرار انقطاع هذه الخدمة العامة ومحدودية الخيارات التي أتيحت فيما بعد، كانتشار المولدات الخاصة "المواطير"، ومن ثَمّ ألواح الطاقة الشمسية، أدّى إلى بروز الاستثمارات في مجال الطاقة الكهربائية.
في صنعاء أنشئت عددٌ من المحطات التجارية لتوفير التيار الكهربائي للمواطنين، بعد أن فشلت فكرة الإضاءة "بالألواح الشمسية"، لكن المحطات الكهربائية التجارية التي أنشئت قدمت خدماتها بأسعار باهظة الثمن، الأمر الذي ضاعف معاناة المشتركين؛ نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي تسببت بها الحرب. إذ وصل سعر الكيلو وات الواحد التي تقدمه هذه المحطات التجارية الخاصة إلى 300 ريال، إضافة إلى رسوم اشتراك نصف شهرية تدفع مقابل توفير الخدمة. كما أن عدة محطات كانت تابعة للمؤسسة العامة للكهرباء في العاصمة صنعاء، أعيد تشغيلها، وتمت خصخصتها لتنافس بقية المحطات التجارية، ولكن بأسعار تتقارب وتلك المحطات، حيث يصل سعر الكيلو وات الواحد في المحطات الحكومية المعاد تشغيلها إلى 170 ريالاً.
أضرار متعددة
يشكو كثير من المشتركين من سوء تعامل المحطات التجارية في تقديم خدماتها والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي خلال اليوم الواحد، والضعف في التيار الكهربائي ذاته، ورسوم الاشتراك، وكذلك طريقة تسديد الفواتير كل نصف شهر.
المواطن علي الشجاع، وهو مشترك في محطة كهرباء تجارية يقول لـ"خيوط"، إن انقطاعات التيار الكهربائي المفاجئة وتكرارها عدة مرات خلال اليوم الواحد، يجعل كثيرًا من الأجهزة المنزلية المرتبطة بالتيار عرضةً للتلف أو تتعطل جزئيًّا.
يصل سعر الكيلو وات في المحطات التجارية إلى 300 ريال، إضافة إلى رسوم اشتراك نصف شهرية، كما أعيد تشغيل واستثمار محطات كانت تابعة للمؤسسة العامة للكهرباء في العاصمة صنعاء، بعد أن تم خصخصتها لتنافس بقية المحطات التجارية
كما يشكو علي من طريقة التعامل في تسديد قيمة الاستهلاك، حيث قال إن المحطة التي هو مشترك فيها تصدر الفواتير بشكل أسبوعي أو نصف شهري، ومن إيقاف الخدمة في حال تأخر تسديد الفاتورة لثلاثة أيام. ويعتبر الشجاع أن ذلك إجراء مجحف بحق المشتركين، خصوصًا والناس يعيشون ظروفًا اقتصادية صعبة منذ سنوات.
توفيق العشاري، وهو تاجر مواد غذائية يقول لـ"خيوط"، إنه اضطر لاستخدام التيار الكهربائي الذي تقدمه المحطات التجارية المنتشرة في صنعاء، وذلك لاستمرار عمله الذي هو مصدر دخله الوحيد، رغم كلفتها الكبيرة.
وبخصوص تأثير ذلك على ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، يوضح العشاري أن الطاقة الكهربائية التجارية التي يستخدمها هو وأمثاله من تجار المواد الغذائية مكلفة للغاية، الأمر الذي يدفهم لوضع هامش ربح يحرصون -وفق حديثه- أن يكون ضئيلًا ومحدودًا مراعاة للظروف المعيشية للمواطنين.
ويقول فواز القباطي، مهندس ميكانيكي، إنه على الرغم من الحلول التجارية للكهرباء، والتي استفاد منها القطاع التجاري ومختلف الأعمال، إلا أن المأزق الكبير الذي وجد قطاع الأعمال نفسه فيه خلال أول عامين من الحرب، جعله يقبل بارتفاع الكلفة العالية لخدمة الكهرباء، لحاجته الضرورية لها.
أعباء مضاعفة
إلى ذلك، تشهد العاصمة صنعاء أزمة وقود خانقة منذ عدة أشهر، حيث تشتد الأزمة من وقت لآخر، الأمر الذي أنعش تجارة "السوق السوداء"، التي يتحجج ملاك محطات الكهرباء التجارية بارتفاع أسعار الوقود الذي يجلبونه منها من أجل استمرار تشغيل المولدات. وبذلك يتحمل المشتركون في تلك المحطات الفوارق المضافة في الأسعار؛ نتيجة لارتفاع سعر الوقود وعدم توافره.
في وقت سابق من هذا العام (2020) كانت وزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء التابعة لحكومة صنعاء، قامت بإغلاق عدد من محطات الكهرباء التجارية، لإلزامها بتخفيض الأسعار، التي تم تحديدها بنحو 200 ريال للكيلو وات إلى جانب مبلغ اشتراك شهري (1200) ريال، وهو ما رفضته نقابة محطات الكهرباء التجارية، بسبب ما سموها الجبايات المفروضة عليهم، وارتفاع أسعار الوقود.
ورغم تحديد أسعار الاستهلاك والاشتراك في الخدمة من المحطات التجارية، وإلزام ملاك تلك المحطات بهذه الأسعار، إلا أنها عادت مرة أخرى للارتفاع إلى نحو 300 ريال للكيلو وات.
في هذا السياق، تحدث لـ"خيوط"، مسؤول في المؤسسة العامة للكهرباء -فضّل عدم ذكر اسمه- بأنه سبق أن تم توحيد سعر الكيلو وات في جميع المحطات الخاصة، لكن لم يكن هناك التزام من قبل غالبية ملاك تلك المحطات.
ويضيف أن هناك فوارق سعر من محطة إلى أخرى في قيمة الاستهلاك ورسوم الاشتراك الشهري المضافة إلى الفاتورة، وهو ما تم تحديدها في حينه؛ إلا أن بعضًا من ملاك تلك المحطات تحايلوا واتبعوا نظامًا لتسديد فواتير الاستهلاك كل عشرة أيام؛ بحيث يدفع المشترك 1800 ريال، رسوم اشتراك بدلاً من 1200 ريال.
توسع استثمارات الكهرباء
عشرات المحطات التجارية لتوليد التيار الكهربائي، تتوزع في جميع مناطق العاصمة صنعاء، حيث قسمت تلك المدينة إلى مربعات، بين عدد من المستثمرين في هذا المجال. فيما عمل مجموعة من المستثمرين في مجال الطاقة الكهربائية على إعادة تشغيل بعض من المحطات المملوكة للدولة، التي كانت تغطي جزءًا من احتياج أمانة العاصمة من التيار الكهربائي قبل اندلاع الحرب أواخر مارس/ آذار 2015؛ بحيث تنافس تلك المحطات الخاصة بأسعار أقل منها، إذ حددت أسعارها بـ(150) ريالًا للكيلو وات الواحد، إلا أنه في ظل أزمة المشتقات الحالية، رفعت هذه المحطات أسعارها ليصل سعر الكيلو وات الواحد إلى (170) ريالًا.
وتحدث لـ"خيوط" مدير إحدى المحطات التجارية في العاصمة صنعاء، مشيراً إلى أن ملاك محطات الكهرباء التجارية "يلاقون صعوبة في توفير وقود المولدات"، وأنهم يلجأون إلى توفيره من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، خصوصًا منذ بداية الأزمة الأخيرة في يونيو/ حزيران 2020.
ويضيف أنه تم فرض مبالغ محددة بنحو 5 ريالات على كل كيلو وات، تدفع جبايات لبعض الجهات المعنية، إضافة إلى إتاوات أخرى يتم دفعها نهاية كل شهر- حسب قوله.