نفايات تجارية تغزو الأسواق اليمنية

من المسؤول عن حماية المستهلك من الغش التجاري وأضراره؟
علاء الشلالي
May 11, 2021

نفايات تجارية تغزو الأسواق اليمنية

من المسؤول عن حماية المستهلك من الغش التجاري وأضراره؟
علاء الشلالي
May 11, 2021
Photo by: Mohamed Al-Selwi - Khuyut

منذ بدء الحرب التي ما تزال رحاها دائرة، يشكو مواطنون يمنيون من وجود بضائع وسلع استهلاكية في السوق لا يُعرف تاريخ انتهائها، ولا مكان تصنيعها، ناهيك عن البضائع ذات المعلومات المزورة. تباع مثل هذه السلع في أسواق العاصمة صنعاء وعدد من المناطق اليمنية بأسعار متفاوتة، ويزداد تواجدها قبيل وخلال شهر رمضان، الأمر الذي دفع مواطنون تحدثوا لـ"خيوط"، إلى التساؤل عن الدور الذي يفترض أن تقوم به المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالرقابة على السلع الاستهلاكية، كالأدوية والمواد الغذائية ومنتجات التنظيف والتجميل، وكيف أثر دخول تلك السلع إلى الأسواق، على صحة المواطن الذي يواجه أمراضًا وأوبئة يعجز القطاع الصحي المنهار عن مواجهتها. 

مجهولة المصدر

تتنقل الأربعينية ليلى، بين سوق وآخر للبحث عن عصائر ومواد غذائية خاصة بمائدتي الإفطار والسحور خلال شهر رمضان، لكنها تتفاجأ بوجود أصناف لبعض المواد لم تعرفها في السابق، كما تقول.

تضيف ليلى لـ"خيوط": "هذا العام اختفت بعض البضائع التي اعتدنا على شرائها في كل عام، وظهرت بدلها بضائع مجهولة المصدر، وهذا الأمر سبب لي قلقًا بالغًا، لأني أحرص، كغيري من ربات البيوت، على شراء مواد غذائية نعرف مكان تصنيعها وتاريخ انتهائها". 

مثلها تشكو الحجّة سميرة من أن الشامبو الذي كانت تشتريه في السابق وتعرف بأن مصدره إحدى الشركات التجارية السورية، أصبح اليوم مقلدًا، ومع ذلك يُكتب على عبوته أنه صناعة سورية، على الرغم من أن سميرة وعائلتها تعرف أنه ليس كذلك من خلال الفرق في الجودة. 

 وتحكي سميرة لـ"خيوط"، عن معاناتها مع البضائع المقلدة في اليمن، قائلة: 

"كنت أحتفظ بأكياس الشامبو الذي كنت أستخدمه وقمت بمقارنتها مع التي أشتريها اليوم، واكتشفت أنها مختلفة تمامًا، حتى نوعية الشامبو ليست هي التي أستخدمها. لقد تسبب الشامبو المزور بتلف في شعري ولم أعد أعرف كيف أتصرف ولمن أشتكي، ومن الذي سوف يأخذ بحقي؟ ذهبت لطبيب جلد حتى أتعالج، وما زلت أتردد على الطبيب حتى الوقت الراهن". 

وبحرقة تتسرب من صوتها تقول سميرة: "لقد سئمنا الوضع ونحن نتعرض للغش التجاري كل يوم دون وجود حسيب ورقيب". 

هناك أنواع كثيرة من المنظفات والمعقمات المغشوشة في أسواق اليمن، يتفنن التجار والباعة في ترويجها وبيعها للمواطنين. هذا ما يؤكده المواطن عبدالفتاح القدسي خلال حديثه لـ"خيوط"، إذ يقول أنه شاهد بأم عينيه وجود إحدى المعامل المصنعة للمعقمات في حي شملان، شمال غرب العاصمة صنعاء. ويضيف أن العاملين في هذا المعمل يقومون بنقل وتوزيع المواد المصنعة بسرية تامة، وأنه حينما سأل بعضهم لماذا كل هذا التعتيم على عملهم، كان الرد بأن المواد المستخدمة في تصنيع تلك المعقمات ليست مطابقة لمواصفات الجودة في اليمن. 

لا تنكر وزارة الصناعة في حكومة صنعاء وجود بضائع مغشوشة ومزورة في أسواق المناطق الواقعة تحت سيطرتها، لكنها تلقي بالمسؤولية عن ذلك على تدفق هذه البضائع عبر مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا وعلى التحالف العربي 

اعترافات على مضض 

لا تخفي وزارة الصناعة والتجارة في حكومة صنعاء، وجود بضائع مزورة وأخرى تالفة تغزو الأسواق في صنعاء ومختلف المناطق اليمنية، لكنها توضح على لسان مدير العمليات بوزارة الصناعة والتجارة، محمد الهيلاني، عدم مقدرتها على ضبط المواد المتدفقة من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا. لكن هل ذلك كافٍ لإخلاء الوزارة مسؤوليتها عن دخول البضائع المزورة وغير المطابقة لمواصفات الجودة، إلى أسواق المناطق الواقعة تحت سيطرتها؟

وفي حديثه لـ"خيوط"، يتهم الهيلاني دول "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، بـ"إغراق اليمن بمنتجات تالفة ومزورة، تزيد من معاناة اليمنيين الصحية وفق خطة ممنهجة" حسب تعبيره. ويضيف أن "هذا الأمر لم يعُد خافيًا على أحد"، وأن وزارة الصناعة في حكومة صنعاء "تواجه هذه المشكلة بحزم من خلال حملات تفتيش دورية على الأسواق والمولات تقوم بها فرق تابعة لوزارة الصناعة والتجارة بين الفنية والأخرى". 

من جانبه يقول عبدالكريم الشميري، مدير الأفران والمخابز في مكتب الصناعة والتجارة بأمانة العاصمة، أن مكتبه استطاع أن يضبط عددًا من مالكي وعمال بعض الأفران في صنعاء، لارتكابهم "مخالفات غش في الدقيق المستخدم لصناعة المخبوزات في تلك الأفران". 

ويضيف الشميري لـ"خيوط": "يستغل بعض ملاك الأفران انشغالات الناس في رمضان، وهم يعتقدون أنهم لن يكونوا في دائرة الحساب والعقاب، حينما يقومون بخلط العجين مع دقيق منتهي الصلاحية، وقد اكتشفنا ذلك وأحلنا بعضهم للنيابة العامة، لكن ثمة نافذين تدخلوا ودافعوا عن أولئك المخالفين". 

 في أبريل/ نيسان 2021، وجهت وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء مكاتبها في أمانة العاصمة وفي المحافظات الواقعة في نطاق سيطرتها، بسحب أي مواد منتهية الصلاحية تباع في الأسواق، بحسب وكالة "سبأ" نسخة صنعاء. 

وأشار نجيب العذري، أحد المسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة في حكومة صنعاء، إلى أن "غرفة العمليات المركزية بالوزارة تلقت بلاغات تتضمن شكاوى عن وجود بضائع ومواد غذائية منتهية الصلاحية تُباع في الأسواق ولدى محلات التجزئة يتم إخراجها في شهر رمضان". وقال في الخبر نفسه أنه "تم تكليف مكاتب الوزارة بالأمانة والمحافظات بتكثيف النزول الميداني إلى الأسواق وعلى تجار الجملة ومحلات التجزئة والسوبرات، ومصادرة أي كميات منتهية واتخاذ الإجراءات القانونية" بحق المخالفين. 

ومع ذلك، لا تزال أسواق المناطق الواقعة في نطاق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، تكتظ بالبضائع المزورة والمغشوشة، ولا تزال شكاوى المواطنين مستمرة.

وكشف آخر تقرير صادر عن مكتب الصناعة بمحافظة صنعاء، عن قيام اللجان الميدانية المكلفة بالرقابة على الأسعار وجودة المنتجات ومواد البيع بضبط العديد من المخالفات، وأنه تم تحرير 165 محضر ضبط، واتخاذ الإجراءات القانونية والبت في 30 مخالفة، وتوقيف أربعة مخالفين، وإحالة ثلاث مخالفات للنيابة، فيما لا تزال بقية المخالفات قيد المتابعة والإجراءات، بحسب وكالة "سبأ" نسخة صنعاء. 

رئيس جمعية حماية المستهلك: مسؤولية حماية المستهلك اليمني تقع على عاتق الدولة بدرجة رئيسية تمامًا، مثل مسؤولية حماية الأمن القومي، كما تقع على القطاع الخاص، والجمعية لا تجد إيجار مقرها منذ منتصف العام 2014

حماية المستهلك 

يشكك المواطن محمد الدبيس، بالبيانات والإيضاحات التي تنشرها وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء ومكاتبها في المحافظات التابعة لها، عبر وسائل الإعلام.

وفي حديثه لـ"خيوط"، يصف الدبيس تلك الإيضاحات والإجراءات بالدعائية والترويجية، وبأنها غير مطابقة للوقع. 

ويقول الدبيس: "نتحدث عن وزارة الصناعة في صنعاء؛ لأننا نلمس منها بعض الأعمال، أما وزارة الصناعة والتجارة الواقعة تحت سيطرة الرئيس هادي، فقد نسينا أنها موجودة أصلًا؛ لأنه لا تواجد ملموس لها في الميدان". 

ويعترف رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل منصور، بعدم وجود إحصائيات تبين الكميات والقيم للسلع المزورة والمقلدة والمنتهية الصلاحية، على مستوى كافة المحافظات اليمنية. 

ويؤكد منصور في حديثه لـ"خيوط"، على أن الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحماية المستهلك، تعتمد على أرقام تقديرية من بعض الاقتصاديين حول تلك الإحصائيات، حتى إن الجهات الرسمية التي تقوم بإتلاف المواد الغذائية المنتهية والتي تصل إلى ما نسبته واحد في المليون من إجمالي التالف، لا تحدد تكلفة الكميات التي تم إتلافها.

وبحسب منصور فإن هذه ظاهرة غير طبيعية، لأن "كل دول العالم تحدد نسبة وقيمة السلع المغشوشة أو المقلدة أو المنتهية، وكم نسبتها من حجم التجارة والناتج القومي، لتبني عليها خططها وبرامجها ومحاربتها والحد منها". 

ويشير منصور إلى أن "حجم تجارة السلع المغشوشة والمقلدة والمنتهية في كافة السلع الغذائية والدوائية وغيرها، يقدر بحوالي 60% من حجم التجارة في الجمهورية اليمنية". كما يلفت إلى أن "تدفق البضائع المنتهية والمزورة إلى اليمن، تُعد مشكلة متأصلة في المجتمع اليمني منذ فترة، ولكنها زادت منذ بدء الحرب الحالية مع غياب الدولة وفقدان أجهزة الرقابة لدورها الأساسي، وانتشار الفساد وانقطاع المرتبات، وأصبحت وسيلة للابتزاز". ويؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك أن هذه البضائع "منتشرة في كافة الأسواق والمحالات والمولات والأرياف التي لا تصلها أي رقابة أو دور للسلطة فيها". 

وعن مستوى التعاون بين الجمعية اليمنية لحماية المستهلك ومكاتب الصناعة والتجارة في المحافظات وبقية الجهات الرسمية المعنية بالرقابة على السلع، يقول منصور إن الجمعية التي يرأسها "تربطها علاقة قوية مع وزارة الصناعة والتجارة، ومع الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، ومع الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعة، ومع الهيئة العليا للأدوية، ومع هيئة البيئة والاتصالات، ووزارة الصحة، باعتبارها الآن مناطًا بها تنفيذ قانون الرقابة على الأغذية". 

يختتم فضل منصور حديثه لـ"خيوط"، بالتأكيد على أن مسؤولية حماية المستهلك اليمني "تقع على عاتق الدولة كحماية الأمن القومي، وعلى كل الجهات والأجهزة المعنية بذلك". ويستدرك بأن مسؤولية حماية المستهلك هي "مسؤولية جماعية" ولا تقع فقط على جمعية حماية المستهلك التي قال إنها "لا تجد إيجار مقرها منذ منتصف العام 2014، ولا مصاريف تشغيلية"، ولذلك فإن حماية المستهلك كما يقول "مسؤولية الدولة بصورة رئيسية، والقطاع الخاص". 


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English