تتفاقم معاناة المواطنين في محافظة أبين (جنوب اليمن)، إثر تفشي وباء الكوليرا مجدّدًا، وفي ظل الانهيار شبه التام للمنظومة الصحية، إذ سُجّل مؤخرًا تزايدٌ واسع للحالات المشتبه إصابتها بالكوليرا في مناطق عدة من مديريات المحافظة.
ففي مطلع يناير من العام الجاري، سُجّلت أولى حالات الإصابة بالكوليرا في منطقة شقرة (شرقي محافظة أبين)، حيثُ بلغت -حينها- أربع حالات، لمهاجرين من الأورومو؛ ما تسبّب في انتشار الوباء في أوساط المواطنين بصورةٍ لافتةٍ، فيما بعد.
وفي الخامس عشر من مارس/ آذار، افتتحت السلطات الصحية أولَ مركز عزل لوباء الكوليرا بمنطقة الكود في مديرية خنفر، كبرى مديريات محافظة أبين، التي تفشى الوباء في الكثير من مناطقها بسرعة قصوى، تلا ذلك افتتاح ثلاثة مراكز عزل أخرى في كلٍّ من زنجبار ولودر والمحفد.
وعلى الرغم من افتتاح مكتب الصحة أربعةَ مراكز عزل في المحافظة، فإنّها لا تزال غير كافية مقارنةً بالأعداد الكبيرة التي تتوافد إليها، كما أنها لا تزال تفتقر لأبسط الإمكانيات التي تمكّنهم من مجابهة الوباء بشكلٍ جيد، حيثُ اضطرت بعض المراكز إلى استغلال صالات الانتظار وتحويلها إلى غرف رقودٍ للمرضى، كما اضطروا إلى استخدام ساحات المشافي لاستقبال المرضى؛ نتيجة تزايد أعداد الحالات الوافدة يوميًّا.
في السِّياق، عبَّرت أريدا حيدرة، مديرة مركز العزل الصحي في الكود، لـ"خيوط"، عن قلقها إزاء تفاقم الوضع في مركز عزل مديرية خنفر، الذي يحوي أربع حجرات عزل فقط، لا تغطي الأعداد الكبيرة التي تتوافد إليه من عموم مناطق مديرية خنفر، وهي المعاناة ذاتها في بقية محاجر المحافظة.
يشكو مواطنو مديريات أبين الأخرى -جيشان، مودية، أحور، وغيرها- من عدم افتتاح مراكز عزلٍ خاصة بمناطقهم، على الرغم من الانتشار الكبير للإسهالات الحادّة في تلك المناطق الريفية، حيثُ يعاني سكّانها من بُعد المسافة بينهم وأقرب مركز عَزلٍ لمنطقتهم. وناشدوا مكتب الصحة بالمحافظة وضعَ حلولٍ تخفِّف من وطأة الأزمة الصحية، والالتفات لمعاناتهم.
يغلب ُ على مناطق محافظة أبين الطابع الريفي؛ نظرًا لافتقارها لمقومات المدنيّة، ولضعف البنية التحتية فيها؛ ما جعلها أكثر عرضةً وتأثرًا بسرعة انتشار الأوبئة؛ حيثُ يعيش المواطنون حالة غير مسبوقة من القلق، الناتج عن تفشي الإسهالات المائية الحادة، على امتداد المناطق الريفية والمدن، في ظل تدهور البنية الصحية للمحافظة، وإدراكهم حجم الخطر المترتب على ذلك.
في السِّياق، أكّد مدير مكتب الصحة في مديرية زنجبار، عبدالقادر باجميل، بذلَ السلطات الصحية في المحافظة قصارى جهدها لمكافحة المرض والحدّ من انتشاره، كما أكّد أنّ مراكز العزل في المحافظة -عمومًا- لا تزال بحاجة إلى تكثيف الدعم الصحي لتدارك الأزمة؛ نتيجة تزايد الحالات اليومية بشكلٍ كبير، وبصورة تفوق قدرة مراكز العزل على استيعا
أرقام تؤكد حجم المأساة
بحسب إحصائيات رسمية، حصلت عليها "خيوط" من مكاتب الصحة بالمحافظة، فإن حالات الإصابة بالإسهالات المائية في مديرية خنفر، بلغت 388 حالة، منها 60 حالةَ إصابة مؤكدة بالكوليرا، 6 حالات منها تعرضت للوفاة. وفي مديرية زنجبار، بلغت الحالات المشتبه إصابتها بالكوليرا 364 حالة، بينها 10 حالات مؤكَّد أصابتها بالكوليرا، و6 حالات وفاة، فيما تؤكد بقية مديريات المحافظة انتشار الوباء فيها بشكل كبير، إلّا أنه -حتى الآن- لا تتوفر إحصائياتٌ دقيقةٌ بعدد الحالات.
وفي مديرية لودر (شرقي محافظة أبين)، الوجهة الرئيسية لمدن وقرى المنطقة الوسطى، يبدو الوضع كارثيًّا وخارجَ السيطرة، حيثُ تعاني معظم مناطق لودر من تفشٍّ للوباءِ بصورة لافتة وكارثية، يرافقه نقصٌ حادٌّ في الإمكانات الطبية المساعِدة على مجابهته؛ ما جعل الأمر يبدو أكثر تأزمًا، ومقلِقًا للسلطات الصحية والمواطنين على حد سواء.
فمنذُ مارس/ آذار من العام الجاري، استقبل مستشفى لودر عددًا كبيرًا من المرضى الذين يعانون إسهالات مائية حادّة، بلغت ألفًا وثلاث مئة حالة تقريبًا، منها ثلاث مئة وثلاثين حالة اشتباه بالكوليرا، في مؤشر على تفاقم الأزمة الصحية في لودر وبلوغها الذروة؛ الأمر الذي جعل الإدارة الصحية فيها تكرر مناشداتها للجهات المختصة والمنظمات الدولية بضرورة دعم المستشفى؛ لتجاوز الأزمة والحدّ من انتشارها.
وفي مطلع يوليو/ تموز الجاري، أعلنت سلطات المحافظة حالة الطوارئ القصوى، بعد عجز مراكز العزل عن استيعاب الأعداد المتزايدة للمصابين بالإسهالات الحادّة، وقلة العلاجات اللازمة فيها للتخفيف من حدة الوباء، حيث اضطُرت مراكز العزل في أبين إلى نقل بعض الحالات المعرضة للخطر إلى مركز عزل مستشفى الصداقة بمحافظة عدن؛ نتيجة عجز المراكز عن استيعابها.
في وقتٍ سابق، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود الدولية، في تقريرٍ لها، رَصْدَها أكثر من 63000 إصابة بمرض الكوليرا في 20 محافظة يمنية، منذُ مطلع العام الجاري، 2700 حالة منها إصابات مؤكدة بالكوليرا.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، في الثاني عشر من مايو/ أيار الماضي، أنه يتم رصد نحو ألف حالة كوليرا -يوميًّا- في اليمن.
مناطق معزولة بالكوليرا
يغلبُ على مناطق محافظة أبين الطابعُ الريفي؛ نظرًا لافتقارها لمقومات المدَنيّة، ولضعف البنية التحتية فيها؛ ما جعلها أكثر عرضةً وتأثرًا بسرعة انتشار الأوبئة؛ حيثُ يعيش المواطنون حالة غير مسبوقة من القلق، الناتج عن تفشي الإسهالات المائية الحادّة، على امتداد المناطق الريفية والمدن، في ظل تدهور البنية الصحية للمحافظة، وإدراكهم حجم الخطر المترتب على ذلك.
اعتماد المواطنين -في الكثير من المناطق الريفية- على الاستسقاء بالطرق التقليدية، جعل احتمالية تفشي وباء الكوليرا كبيرًا في تلك المناطق؛ نتيجة تعرض المياه فيها للتلوث في الكثير من الأحيان، وهذا يُعدّ من أبرز أسباب انتشار الكوليرا.
كما تعاني مدن المحافظة من انتشار للقمامة، وطَفْح المجاري في الأماكن الحيوية منها، حيثُ ناشد المواطنون صندوقَ النظافة والطرق القيامَ بمهامه بشكل أوسع، في ظل انتشار الوباء، وطالبوهم بإزالة المخلفات من الشوارع الرئيسية وأسواق بيع الخضار والأسماك، للحد من تفاقم الأزمة وانتشار الوباء.
المجتمعات الفقيرة ومخيمات النازحين في محافظة أبين هي المناطق الأكثر انتشارًا لوباء الكوليرا، حيثُ تفتقر تلك التجمعات لوسائل السلامة، والوعي الصحي، إضافة إلى افتقارها لمقومات الحياة الضرورية، التي إن توافرت فستقلل احتمالية إصابتهم بالأوبئة والأمراض الأخرى، كافتقارهم لمياه الشرب النقية، ونظافة المناطق بشكل عام.
من جانبه، أشار صلاح بالليل، مدير مكتب الصحة في مديرية خنفر، إلى تزايد حالات اشتباه الإصابة بالكوليرا لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، من سكان المناطق الفقيرة ومخيمات النزوح في المحافظة، كما أكّد عجز الكثير منهم عن الوصول إلى مركز عزل المديرية؛ نتيجة الظروف المادية الصعبة التي يعانونها.
في ذات السِّياق، أكّدت النازحة (س. م)، لـ"خيوط"، أنّ بُعد مركز العزل الواقع في منطقة الكود عن مخيم نزوح القاطنين فيه، كان أحد الأسباب التي جعلتها تفقد شقيقتها، التي عانت من إسهالٍ مائيّ حادّ مدة يومين فقط، وعلى إثره فقدت حياتها، وأعربت عن أسفها لعدم امتلاكها ثمن المواصلات -حينها- ما حال دون إنقاذ حياة شقيقتها، فيما أكّدت انتشار حالات الإسهالات الحادّة في مخيمهم، لدى الأطفال وكبار السن بشكلٍ كبير.
مناشدات صحية عاجلة
يأتي انتشار وباء الكوليرا في أبين وسط حالة من الإرباك والقلق لدى المواطنين والسلطات الصحية على حد سواء، خاصة أنه يعد معاناةً كبيرة تُضاف إلى جملة المعاناة التي يعيشها سكان المحافظة، حيثُ تتوالى المناشدات من مكاتب الصحة والمواطنين؛ لتجاوز الأزمة والحد من انتشارها، فيما تشير المؤشرات إلى عجز وزارة الصحة عن مجابهة الوباء، الذي يتزايد انتشاره منذُ مطلع مارس من العام الجاري.