تتركز المفاوضات الخاصة بالأزمة في اليمن والدائرة في الكواليس وتحت الطاولة، في اتجاهات وسياقات محددة، بعيدًا عن إيقاف الحرب والاقتتال الدائر وتقديم خطة حل سياسي شامل لإحلال السلام في البلاد المنهك بالصراعات والمؤامرات ومشاريع التجزئة والتقسيم والنهب والفقر والبطالة.
ويدفع المبعوث الأممي مارتن غريفيثس، الذي سيترك منصبه كمبعوث أممي إلى اليمن بعد تعيينه نائبًا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، بقوة لتحقيق اختراق، ولو طفيف، في الجدار السميك المحاط بالحرب في اليمن وأطراف الصراع التي تتوسع الفجوة بينهما بشكل كبير.
وذلك بعد محاولات مكثفة طوال فترة تعيينه كمبعوث أممي كان اتفاق ستوكهولم في 2018، والذي أوقف الاقتتال الذي كان دائرًا في الساحل الغربي لليمن، واتفاق تبادل المحتجزين في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، والذي تم اعتباره أكبر عملية تبادل بين طرفي الحرب، أهم ما حققته هذه الجهود والمحاولات، قبل أن يسود الجمود ويتوسع الجدار السميك المحاط بالحرب اليمنية والذي استعصى على مختلف محاولات اختراقه.
إذ لم يعْدُ ما تم تحقيقه على أكثر من ثقوب بسيطة في زحزحة ملف أصبح مؤخرًا يتصدر مشهد التنافس الدولي في المنطقة، بعد تعيين الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثًا جديدًا للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى اليمن، والذي يعمل على كسر السيطرة البريطانية المستحوذة على الملف اليمني منذ نحو ثلاث سنوات.
وتدفع المملكة المتحدة بقوة لتعيين وزير الدولة السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أليستر بيرت، كمبعوث أممي جديد إلى اليمن ليخلف مواطنة مارتن غريفيثس، والذي سيكون في حال تعيينه المبعوث الرابع لحلحلة أزمة طال أمدها، وليس هناك أي أفق لخروج اليمن من هذا المأزق الذي وضعته فيها الحرب.
بحسب غريفيث، ليس هناك أي عدل في حرمان اليمنيين من الأمل في أن تكون هناك نهاية لمعاناتهم تلوح في الأفق. وليس من العدل إطلاقًا حرمانهم الفرصة لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا
إلى ذلك، دعت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها سلطات الأمر الواقع أنصار الله (الحوثيين) في اليمن إلى عدم استخدام السجناء المعتقلين تعسفيًّا كقطع الشطرنج في المفاوضات السياسية الدائرة حاليًّا.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة لعفو الدولية: "إن هذا التقرير يبرز كيف استخدمت سلطات أنصار الله (الحوثيين) هؤلاء السجناء كقطع شطرنج سياسية، حيث تمخضت الصفقات الخاصة بالسجناء التي تفاوضت عليها، عن نفيهم وإبعادهم قسريًّا.
فبعد سنوات من المعاناة تحت وطأة الانتهاك المروع والاعتقال غير القانوني وفق هبة مرايف، لم يأتِ الإفراج نفسه بالفرج للمعتقلين الذين تناولهم التقرير، إذ لم يتمكن أيٌّ منهم من العودة لدياره والتئام الشمل بالأهل بعد سنوات من الانفصال عنهم قسرًا".
وجهات نظر متباعدة
تصر صنعاء على مطالبها وشروطها المعلنة في التجاوب مع أي محاولات ومفاوضات لبحث إنهاء الأزمة في اليمن، والمتمثلة بإنهاء ما يصفه فريقها التفاوضي المتواجد في سلطنة عمان بالحصار، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي وبقية المنافذ البحرية والبرية والسماح بدخول المشتقات النفطية والمواد التموينية والمساعدات بسهولة ويسر، إذ ترى أن لا مساومة فيها ويجب تنفيذها بسرعة حتى يلمس الناس جدية الاتجاه نحو السلام.
وسط ذلك، اختتم المبعوث الأممي مارتن غريفيثس زيارته الحالية إلى صنعاء بعد انقطاع نحو عام عن زيارتها.
في محاولته الأخيرة لتقريب وجهات النظر بين طرفي الحرب في اليمن؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، يسعى مارتن غريفيث بين الأطراف من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ورفع القيود المفروضة على حرية حركة الأشخاص والسلع الأساسية من اليمن وإليها، وإعادة إطلاق العملية السياسية. ظلت هذه العناصر قيد التفاوض منذ أكثر من سنة، إذ أكد المبعوث الأممي قبل مغادرته صنعاء أمس 31 مايو/ أيار أنه طوال هذه المدة تم اقتراح العديد من السبل لتجسير الفجوة بين مواقف جميع الأطراف.
وأشار إلى أن هناك قدرًا كبيرًا من الدعم الإقليمي والدولي لخطة الأمم المتحدة ولجهود مبعوث الأمين العام، لكن الأمر الأكثر أهمية من ذلك هو حقيقة رغبة ودعم اليمنيين لإنهاء الحرب ولاستعادة حرياتهم.
محاور الأهداف
حصلت "خيوط" خطة المبعوث الأممي ورؤيته في تحقيق هذه الأهداف التي ناقشها مع المسؤولين المعنيين في زيارته الحالية إلى صنعاء والتي قدم إليها من العاصمة العمانية مسقط، وسبقها زيارة أخرى إلى الرياض، والتي تتضمن النقاط التالية:
أولًا: ضرورة إزالة كل العقبات التي تحول دون حصول اليمنيين على الغذاء والسلع الأساسية، بما في ذلك الوقود. ويجب ضمان تدفق السلع، بما في ذلك الوقود، بغرض الاستخدام المدني إلى اليمن وداخله كمسألة مبدأ وبصرف النظر عن الاعتبارات السياسية والعسكرية. حيث تضمنت جميع المقترحات التي تم التفاوض عليها في العام الماضي رفع القيود المفروضة على موانئ الحديدة، خاصة فيما يتعلق بدخول سفن الوقود.
ثانيًا: الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد لتخفيف وطأة الوضع الإنساني على اليمنيين بشكل فوري، ولفتح الطرق أمام حركة الأشخاص والسلع بحرية، ولإعادة الحياة الطبيعية إلى الملايين. ثالثًا: إعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية كأمر أساسي بالنسبة لحرية الحركة
رابعًا: العمل على إيجاد تسوية تفاوضية تؤدي إلى مستقبل من الحوار السياسي اليمني-اليمني المستدام، والحكم الخاضع للمساءلة، والعدالة الاقتصادية، والمواطنة المتساوية للجميع.
بحسب غريفيث، ليس هناك أي عدل في حرمان اليمنيين من الأمل في أن تكون هناك نهاية لمعاناتهم تلوح في الأفق. وليس من العدل إطلاقًا حرمانهم الفرصة لتحقيق مستقبل أكثر إشراقًا. مؤكدًا أنه لا يمكن حكم اليمن بشكل مستدام، استنادًا على الهيمنة العسكرية. كما لا يمكن حكمه بشكل مستدام مع التدخل الخارجي.
لكن قرار الانتقال من الحرب إلى السلام يتطلب تنازلات وتضحيات كبيرة من قيادات الأطراف، كما يتطلب الأمر شجاعة لإيقاف الحرب، والتوجه نحو الاحتمالات غير المؤكدة التي تحقق السلام.
وقال غريفيث: "لا أحد يمكن أن يكون أكثر إحباطًا مني، لقد أمضينا عامًا ونصف، نعمل على أمور يسهل وصفها نسبيًّا؛ وقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء، وفتح موانئ الحديدة، واستئناف العملية السياسية التي تشهد تأخيرًا كبيرًا". داعيًا جميع الأطراف: "أوقفوا الحرب، وأوقفوا احتمالات المكاسب العسكرية، وأنهوا النزاع، وابنوا سلامًا لليمن، واجعلوا اليمن مكانًا للشعب اليمني".