جاء في تقديم دانيال مارتن فارسكو لكتاب ابن المجاور المسمى (صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز- المسماة تاريخ المستبصر) في طبعته اليمنية الجديدة، التي قام بتصويبها والتعليق عليها وفهرستها الباحث محمد عبدالرحيم جازم:
"صفة بلاد اليمن ومكة وبعض الحجاز- المسماة تاريخ المستبصر، كتابٌ اهتمّ به العديد من الباحثين، فمؤلفه ابن المجاور الذي عاش ومات في القرون الوسطى، يقدّم لنا عبر كتابه الممتع العديد من الأفكار، أبرزها رحلته التي غطّى بها بلاد اليمن وأجزاء من الجزيرة العربية. وقد اهتمّ بنسخ الكتب المخطوطة وحقّقها المستشرق السويدي (أوسكر لوفغرين)، 1898-1992، فأخرج كتابًا طُبع في بريطانيا في خمسينيات القرن الماضي، ولكن هذا الكتاب عانى من الأخطاء والنواقص، وكان لا بدّ من إعادة النظر فيه وإخراجه بصورة أفضل ممّا هو عليه. وقد اهتمّ بالكتاب منذ زمن طويل محمد عبدالرحيم جازم الذي عرفته كمهتم بتاريخ اليمن ومخطوطاته في القرون الوسطى، وقد التقيته وعملنا معًا في ثمانينيات القرن الماضي عندما كنت أحضّر رسالة دكتوراة في منطقة (الأهجُر) باليمن".
وجاء في تقديم جازم: لقد حظِي كتاب ابن المجاور [هذا] منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر باهتمام العديد من الباحثين، فقد كان شرف السبق إلى لفت الأنظار إلى الكتاب يعود للمستشرق النمساوي (سبرنجر)، الذي نبّه في عام 1846م إلى أهمية الكتاب، ورفع من قدر مؤلفه وساوى بينه وبين الجغرافيين المسلمين.
ثلاث من مخطوطات الكتاب شقت طريقها إلى أوروبا، واحدة على يد المستشرق الفرنسي شارل شيفر، أمّا الأخريان فقد نقلهما إلى هناك كلٌّ من المستشرق الهولندي (دي خويه)، والمستشرق السويدي (كارلو لاندبرج)، وقد حاول كلٌّ منهما أن يحقّق الكتاب وينشره، إلَّا أنّ التوفيق لم يحالف أيًّا منهم، إلى أن عُنِيَ بمخطوطات الكتاب بعدهما (أوسكر لوفغرين).
وابن المجاور هو جغرافي ورحالة ومؤرخ، اسمه جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب ابن محمد المعروف بابن المجاور الشيباني؛ تضاربت الآراء في مكان مولده بين الشام وبغداد ونيسابور، لكنها تتفق في أنّه كان تاجرًا وفقيهًا على صلات بالهند، وأقام بعض الوقت في بلاد ملتان (بباكستان)، وعبر البحر إلى عدن وتجوّل فيما بينها وبين حضرموت وعمان والخليج والحجاز.
أما ما يميّز ابن المجاور، حسب جازم، عمّن سواه من الجغرافيين والرحالة، فهو مصادره وأسلوبه في صياغة كتابه، إذ إنّ التجربة الشخصية والمشاهدة، هما أول وأهم مصادره، فهو تاجر شأنه شأن الحسن بن أحمد الهمداني طوّف بمختلف البلاد اليمنية، وكانت دراسته واهتمامه بهذه المناطق متفاوتة بسبب شغفه بالتجارة ونشاط الأسواق، وهو ما انعكس في تناوله لعدن كميناء مزدهر في عصره، فالمشاهدة والتجربة الشخصية هما دون شك أول مصادر المؤلف، فاحترافه للتجارة دفعه إلى معاناة الرحلة والسفر في البر والبحر، تعرّف خلالها على عددٍ من الأمم والبلاد تختلف في طبيعتها وطبائعها.
الكتاب بطبعته الأولى المصوّبة والمفهرسة والمُعلّق عليها، صدر عن المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية بصنعاء، ضمن منشورات جائزة الدكتور عبدالعزيز المقالح لطباعة الكتاب في التراث والثقافة اليمنية 2022، بـ494 صفحة من القطع الكبير.