هناء من مواليد السعودية، من أب يمني وأمّ مصرية، وتعيش حياتها الآن في محافظة عمران بعد أن تزوجت وأنجبت أربعة أبناء؛ ولدين وبنتين.
مضت السنون والأيام على هناء جمال (اسم مستعار) -موظفة في مكتب أحد الوزارات بمحافظة عمران- وهي تمارس حياتها بكل سعادة في كنف بيتها مع زوجها وأبنائه.
فرضت الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد بشكل عام، العديدَ من الالتزامات الأسرية على الأزواج من حيث تأمين المأكل والمشرب والمسكن لأبنائهم، وكانت تلك الأوضاع سببًا في نشوب بعض الخلافات الأسرية بين الأزواج؛ فالزوجة في الغالب تطالب بالأشياء المهمة التي تراها من الأساسيات التي يجب أن يقوم بها الزوج نحو بيته وذريته. كانت هناء تلح كثيرًا على زوجها في هذه الجزئية التي كانت محور خلافهم المتكرر، حتى استفحل الخلاف بينهما، وبدت بوادر الطلاق تطفو على السطح العائلي.
قامت هناء برفع دعوة قضائية ضد زوجها في المحكمة، وظلت القضية منظورة أمام القضاء بشكل مستمر حتى نطق القاضي في شهر أبريل/ نيسان من العام المنصرم 2021، حكمه في النزاع القائم بينهما بالطلاق، لكن الزوج اشترط عند الطلاق أنها إذا أرادت الزواج من أي شخص آخر فإن أبناءه يعودون إلى كنفه، فوقع الطلاق وسلك كلٌّ منهما سبيله في الحياة.
عاشت هذه المرأة حياتها من جديد مع أبنائها بشكل طبيعي، ومع مرور الزمن تقدم لخطبتها رجل تراه مناسبًا لها، لكنها خافت من الشرط الذي وضعه زوجها بأخذ أبنائه فخافت عليهم على الرغم من أن ابنها صار كبيرًا يدرس في مستواه الأول الجامعي، لكنها كانت تعرف أن زوجها عديم المسؤولية، وأن أبناءها سيكونون في شتات وضياع وإهمال، فلم يتم الزواج الجديد وصرفت النظر عنه.
الانهيار المظلم
السادس من سبتمبر/ أيلول 2021، كان اليوم الأسوأ في حياة هناء، وقد اكتمل سنها الخامس والأربعين، إذ قامت بطريقة خاطئة بإرسال صورة لها في برنامج التواصل الاجتماعي (الواتسآب) في خانة الحالات اليومية، كانت في كامل زينتها وأناقتها بلبسها الجميل وتسريحتها الفاتنة وابتسامتها العذبة، وتفاجأت بعد لحظات باتصال من صديقتها أن صورتها في حالة الواتسآب وقد انتشرت. أصيبت بالذهول وجن جنونها وأظلمت الدنيا أمامها وانهارت حتى أصابها الهلع والخوف مما هي فيه.
ازدادت -مع الأيام- حالتها سوءًا وساورتها هواجس عديدة جعلتها تفكر في إنهاء حياتها والانتحار بطريقة أو بأخرى حتى تطمس عن نفسها وأبنائها وأهلها ومجتمعها ما اعتقدته عارًا، أتى على حياتها تمامًا.
لجأت هناء للاستعانة بكل من له علاقة بالأمور التقنية والفنية في مجال الاتصالات والبرمجيات، لكن الجميع كان يخبرها بأن من الصعوبة بمكان حذف الصورة ممن لديه بعض نسخ تطبيق الواتساب المطورة التي تُحفظ بها، حتى وإن تم حذفها من قبل الناشر لها.
وهكذا عاشت أسوأ أيامها وأقسى لياليها، وهامت في بحر من التيه والتخبط، وباتت تنازعها العديد من الأفكار والأوهام تجاه أهلها وأبنائها وزملاء عملها، وكل من كانت تتواصل معهم عبر الواتسآب.
ولم تهتدِ إلى سبيل نجاة يخلصها من هذه المعضلة العويصة، فقامت بحذف البرنامج، وأغلقت شريحتها وانزوت في حجرتها معتزلة لكل الواقع المحيط بها.
ازدادت -مع الأيام- حالتها سوءًا وساورتها هواجس عديدة جعلتها تفكر في إنهاء حياتها والانتحار بطريقة أو بأخرى حتى تطمس عن نفسها وأبنائها وأهلها ومجتمعها ما اعتقدته عارًا، أتى على حياتها تمامًا.
مواجهة واقع بائس
في ظهيرة أحد الأيام، توجهت هناء إلى مطبخ بيتها وقامت بجلب سم الفئران وخلطته مع قليل من الماء في كأس كبير وقامت بشربه. توغل السم في جسدها فأغمي عليها، وما هي إلا فترة وجيزة حتى أتت إليها إحدى بنتيها فوجدتها على ذلك الحال، فصرخت، وعلى إثر ذلك تم إسعاف الأمّ إلى مستشفى المدينة، لعمل غسيل كامل لمعدتها واستخراج السم منها، حتى استقرت حالتها من جديد.
عادت الحياة إلى هناء مجددًا، لكنها ما زالت تعاني من تأثير الشعور بالذنب على لحظة خطأ. وتستمر حبيسة أوهامها بأن ذنب هذا الفعل لا يغتفر، ولا يمكن نسيانه، لا سيما أنها تعيش في بيئة تقليدية لا ترحم، وواقع حياة بائس.