يُعدّ عيد الأضحى موسمًا سنويًّا لذبح المواشي في البلدان الإسلامية بما فيها اليمن، التي انخفض فيها اهتمام الناس بشراء الأضحية إلى أدنى مستوى هذا العام؛ بسبب تداعيات الأزمات الاقتصادية التي أفرزتها الحرب وتبعات الصراع المتصاعد خلال الفترة الماضية.
لكن بالمقابل، يفضل مواطنون ذبح المواشي بأنفسهم لاعتقاد ديني بأنه من المستحسن شرعًا ذبح المضحي أضحيته بنفسه إذا كان قادرًا على الذبح، بينما تفضّل نسبة كبيرة منهم ذبح مواشيهم في المسالخ التابعة للمؤسسات العامة الرسمية، أو لدى محال الجزارة الخاصة بتجار بيع اللحوم.
أضرار مهدِّدة للبيئة
ويؤكّد مواطنون أنّ المسالخ هي المكان الأفضل لذبح اللحوم، بدلًا من حظائر المواشي والشوارع والطرقات التي تتجمع فيها الدماء وتُترك فيها مخلفات المواشي، الأمر الذي يتسبب بوقوع أضرار مهدِّدة للبيئة، في حين تعاني صنعاء من مشكلة كبيرة، تتمثل في انتشار العشرات من المسالخ بصورة عشوائية، حيث تفتقر للمقومات والمعايير التي تتم بموجبها مزاولة مثل هذه المنشآت عملها؛ فلا نظافة، ولا مُعدّات وأدوات مناسبة للذبح، الأمر الذي يجعلها أماكن موبوءة بصورة تثير القلق.
في السياق، يشعر المواطن الأربعيني، محمد الروني، وفق حديثه لـ"خيوط"، بالاستياء وغيره من المواطنين؛ لأنهم لم يجدوا مسالخ نظيفة في صنعاء، يذبحون فيها مواشيهم من الأغنام والأبقار، على الرغم أنه دفع ستة آلاف ريال مقابل ذبح أُضحيته في مسلخ القاع (وسط صنعاء).
يضيف الروني: "ما أجبرني على ذبح أضحيتي في ذلك المسلخ، هو عدم وجود مكان للذبح في الشقة التي أسكنها. فور وصولي، قام الجزار بذبح رأس الغنم حتى يضمن أنني لن أتراجع عن قرار ذبح أضحيتي في ذلك المسلخ الذي تفوح منه الروائح الكريهة نتيجة انتشار القمامات والأوساخ وبقايا البهائم المذبوحة من حوله".
معظم مسالخ العاصمة صنعاء العشوائية، يلاحظ الزائر لها -كما ترصد "خيوط"- عدم وجود نظافة في السكاكين ومناشير وآلات تقطيع اللحوم الكهربائية التي تعلق فيها بقايا اللحوم، وكيف أنّ الدماء تغطي أرضيتها، إضافة إلى ازدحام الناس مع المواشي من الأبقار والعجول والجِمال والأغنام، في مشهد فوضوي يلخص واقع هذه المسالخ البعيدة عن الرقابة.
المواطن الخمسيني، محمد الجنداري، يقول لـ"خيوط": "غالبية الجزارين في مسالخ صنعاء، لا يهتمون بنظافة أيديهم، وهم غير مهتمين أيضًا بنظافة المواشي عند الذبح، فتراهم يخلطون الشعر مع الدماء".
تبعات فرض الجبايات
تنتشر في العاصمة صنعاء، مئاتُ المسالخ الصغيرة ومتوسطة المساحة، التابعة لجزّارين ولتجار بائعي اللحوم، بعض تلك المسالخ مرخصٌ لها من مؤسسة المسالخ الحكومية، وبعضها غير مرخص لها.
في عيد الأضحى هذا العام، ترك الجزارون وبائعو اللحوم محلاتهم ومسالخهم الرسمية لذبح الأضاحي فيها، واتجهوا إلى أحواش منازلهم وأحواش تم استئجارها مؤقتًا، بعيدة عن أعين مندوبي مؤسسة المسالخ، والسبب كما يتحدث محمد عبدالباري- بائع لحوم، لـ"خيوط"، هو للهروب من الجبايات المالية المضاعفة التي فُرضت عليهم في الآونة الأخيرة.
من جانبه، ينتقد مستشار نقابة بائعي اللحوم والمواشي، محمد النوم، في حديث لـ"خيوط"، ما يقوم به بعض الجزارين من ذبحٍ للمواشي في أحواش منازلهم، وفي أماكن لا تتوافر فيها مقومات المسالخ الصحية؛ لأنه يرى بأن هذا السلوك يُفقد ثقة الناس بالجزار. كما يؤكّد النوم أهمية أن يكون هناك تنسيق في العمل الرقابي بين المؤسسات الحكومية والخاصة، بما يضمن مصالح بائعي اللحوم والمستهلكين والدولة.
في السياق، ينفي محمد الذاري، الموظف في المؤسسة العامة للمسالخ وأسواق اللحوم بأمانة العاصمة صنعاء، قيام المؤسسة بتحصيل جبايات مالية من الجزارين، مبينًا خلال حديثه لـ"خيوط"، بأن ما يتم فرضه على الجزارين من مؤسسة المسالخ هي رسوم مالية قانونية تأتي في إطار عملها الرقابي.
هروب من الرقابة
تم إنشاء المؤسسة العامة للمسالخ وأسواق اللحوم في العام 1992، بقرار جمهوري، ويتبع المؤسسة أكثر من 12مسلخًا رسميًّا داخل العاصمة صنعاء. ففي هذا العام، عملت المؤسسة على تجهيز تسعة مسالخ، منها مسلخان مركزيان في دار سَلْم، ونُقُم، للذبائح الكبيرة بشكل رئيسي إلى جانب بقية المواشي، كما عملت على تجهيز سبعة مسالخ فرعية بالمديريات لاستقبال الأضاحي.
يضيف الذاري أنّ المؤسسة العامة للمسالخ تمارس الرقابة على المسالخ من خلال الكشف الصحي على اللحوم والمواشي قبل وأثناء وبعد "الذباحة"، وختمها بالختم الرسمي الذي يؤكّد خلوها من الأمراض المعدية وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي ومصادرة المخالفات ومراقبة النظافة وضبط المخالفين من الجزارين الذين يقومون بذبح إناث المواشي أو يغشون بالأوزان، لكن ملاك المسالخ غير المرخصة يتهربون من هذه الالتزامات التي عادة ما تصب في مصلحة المواطن، ومن ثم مصلحة الجميع، وفق حديثه.
وكانت المؤسسة العامة للمسالخ بأمانة العاصمة صنعاء، قد دعت المواطنين قبل حلول عيد الأضحى إلى الاستفادة من هذه المسالخ، وعدم ذبح الأضاحي في الشوارع والأحياء؛ حفاظًا على النظافة العامة، ومنع ما تسبّبه المخلفات من أمراض.
وفي الوقت الذي تم فيه التأكيد على تنفيذ حملات ميدانية لضبط أي مخالفات، ترصد "خيوط"، شكاوى عديدة لمواطنين من سكان صنعاء؛ أنهم لم يلمسوا أي خطوات رقابية لصالحهم من مؤسسة المسالخ، ولا حتى من نقابة بائعي اللحوم والمواشي في صنعاء، إذ يقول المواطن الثلاثيني عمار الزبيري، إنّ مصلحة المواطن هو آخر ما تفكر فيه تلك المؤسسات.