يعيش اليمن على وقع تصعيد غير مسبوق مع تكثيف التحالف السعودي الإماراتي قصفه العنيف على العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات اليمنية وتسببه بقتل مدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية للاتصالات.
وفي الوقت الذي دخلت فيه البلاد في عزلة تامة جراء انقطاع تامٍّ للإنترنت بسبب غارة جوية استهدفت منشأة رئيسية للاتصالات في محافظة الحديدة (ما يعرف بالبوابة الإلكترونية للإنترنت)- تعرضت مرافق تُستخدم للاحتجاز في محافظة صعدة (شمال اليمن) لهجمات جوية من قبل طيران التحالف السعودي الإماراتي، أسفر عن سقوط أكثر من مئة محتجز بين قتيل وجريح، في حين لا يزال حتى اليوم عمال الإنقاذ يواصلون البحث عن ضحايا تحت الأنقاض.
وعبرت منظمات مدنية وحقوقية عن قلقها البالغ من تصاعد العنف واستهداف المدنيين في اليمن منذ بداية العام الجاري 2022، ودعت إلى حماية اليمنيين من الانتهاكات المرتكبة ضدهم عبر آليات مساءلة مستقلة وفاعلة، والذي يتطلب سرعة التحرك لإنشاء آلية تحقيق لجمع وحفظ الأدلة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب في البلاد التي تعيش على وقع صراع طاحن منذ نحو سبع سنوات.
وقال أسامة الفقيه، مدير المناصرة في مواطنة لحقوق الإنسان: "بدلًا من أن تضع أطراف النزاع في اليمن حدًّا للحرب المدمرة التي تعصف باليمن منذ سبع سنوات، ها هي تخوض جولة جديدة من التصعيد العسكري الذي لا يضع اعتبارًا لأرواح المدنيين والمدنيات والبنية التحتية للبلاد. وهو مؤشر واضح لسلوك الأطراف وعدم احترامها للقانون الدولي".
وأكد بأن منظمة مواطنة وثّقت هجمات للتحالف بقيادة السعودية والإمارات منذ التصعيد الأخير في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، أدت إلى مقتل 124 مدنيًّا وجرح 190 آخرين، كما استهدفت مناطق مكتظة بالسكان ومنشآت خدمية حيوية.
حماية المدنيين
وثّقت "مواطنة" خلال شهر يناير/ كانون الثاني 2022، (9) هجمات جوية شنتها مقاتلات التحالف بقيادة السعودية والإمارات وألحقت أضرارًا وخسائر بحق مدنيين و/أو أعيان مدنية في خمس محافظات يمنية؛ هي: العاصمة صنعاء، وصعدة، وشبوة، والحديدة، ومأرب. راح ضحية هذه الهجمات ما لا يقل عن 110 قتلى مدنيين، بينهم 8 أطفال و3 نساء، وجرح ما لا يقل عن 93 مدنيًّا، بينهم 6 أطفال و3 نساء.
حصلت "خيوط" على معلومات وثّقتها منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان، تؤكد أن ما لا يقل عن 50 آخرين من السجناء في السجن الاحتياطي بصعدة أصيبوا برصاص قوات أنصار الله (الحوثيين)، وذلك أثناء محاولة فرارهم عند وقوع الغارات الجوية
وقد استهدفت هذه الهجمات ودمرت أهدافًا مدنية محمية، من بينها: أحياء سكنية، وخزان مياه، ومنشأة لمركز احتجاز، ومركبة مدنية، ومبنى للاتصالات.
من جانبها، أعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن قلقها العميق جراء احتدام الأعمال العدائية خلال الأيام القليلة الماضية، وعبرت عن أسفها لوقوع خسائر في الأرواح جراء موجة العنف المتصاعدة في اليمن.
ودَعت اللجنة الدولية، كما ورد في البيان الذي اطلعت عليه خيوط، جميع أطراف النزاع في اليمن إلى حقن دماء المدنيين، والحفاظ على المرافق والبنية التحتية الضرورية لبقاء السكان على قيد الحياة. وتشمل هذه المرافق المستشفيات والمدارس والمباني السكنية والمحطات التي تمد السكان بالمياه والكهرباء، والبنية التحتية للنقل، وكذلك السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى.
هجمات مروعة
في تفاصيل ما حدث في السجن الاحتياطي في صعدة، أكدت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان قيام التحالف بقيادة السعودية والإمارات في فجر يوم الجمعة 21 يناير/ كانون الثاني 2022، شن سلسلة من الهجمات الجوية أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا ما بين قتيل وجريح.
عند حوالي الساعة 02:40 صباحًا، ألقت مقاتلات التحالف ثلاث قنابل على مجمع السجن الاحتياطي في مدينة صعدة بمحافظة صعدة. سقطت القنبلة الأولى في العنبر رقم (5)، وبعد دقيقتين تقريبًا سقطت القذيفة الثانية في العنبر رقم (2)، كما سقطت القنبلة الثالثة في فناء السجن من الجهة الغربية. ونتج عن الهجمة الجوية، ت بحسب المعلومات الأولية، مقتل 82 سجينًا، بينهم طفلان كانا في عنبر الأحداث. وجرح قرابة 75 سجينًا، بينهم ما لا يقل عن ثلاثة أطفال.
وحصلت "خيوط" على معلومات وثّقتها منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان، تؤكد أن ما لا يقل عن 50 آخرين من السجناء في السجن الاحتياطي بصعدة أصيبوا برصاص قوات أنصار الله (الحوثيين)، وذلك أثناء محاولة فرارهم عند وقوع الغارات الجوية.
كان مجمع السجن الاحتياطي معسكرًا سابقًا لقوات الأمن المركزي 2021 (قوات الأمن الخاصة)، وتم تحويله قبل خمسة أشهر تقريبًا إلى سجن احتياطي.
وسارعت جمعية الهلال الأحمر اليمني، بدعم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية)، إلى توفير خدمات الإسعاف لإجلاء الجرحى والقتلى، كما يستقبل مستشفيان تدعمهما اللجنة الدولية بإمدادات طوارئ طبية، أعدادًا كبيرة من المصابين، ولا تزال الأعداد المتدفقة في تزايد على مدار اليوم.
وقبل واقعة الهجوم الجوي على مركز الاحتجاز في صعدة، عند حوالي الساعة 10:15 مساءً، شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات هجومًا جويًّا على مبنى الاتصالات (السنترال) في الحديدة، والذي يربط اليمن بالبوابة الدولية لخدمة الإنترنت (الكابل البحري)، ما ألحق أضرارًا أدت إلى انقطاع خدمة الإنترنت كليًّا عن معظم أنحاء البلاد.
وقال فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر: "من الضروري حماية أرواح السكان الذين يعيشون في أتون النزاعات المسلحة، فلا يمكن قبول هذه الخسائر البشرية التي نشهدها في اليمن".
وأردف موضحًا: "تتزايد احتمالات تعرض المدنيين الذين يعيشون في مناطق مكتظة بالسكان لهجمات، ما يوقع قتلى وجرحى في صفوف السكان، ويعمق الصدمة النفسية التي لحقت بالمجتمعات المحلية المتضررة جراء سبع سنوات من الحرب".
يحظى المحتجزون كالمدنيين بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، ولا بد من بذل كل الجهود الممكنة حتى لا يصبحوا ضحايا للأعمال العدائية الجارية.
وأضاف السيد "فابريزيو كاربوني": "إن انعدام وجود عملية سلام ذات مصداقية يزيد فرص وقوع مآسٍ مماثلة مجددًا، فلا سبيل لمستقبل أفضل سوى بإجراء مفاوضات مدفوعة بحسن النية، والتعهد بالضمانات المناسبة لحماية الشعب اليمني".