علياء غالب (اسم مستعار بناءً على طلبها)، فتاة عشرينية تقضي معظم أوقاتها في التسوق.
تقول علياء لـ"خيوط"، إن التسوق هُوايتها المفضلة، حيث تجد فيه متعة وتعتبره ملجأ للتنفيس عن غضبها أو مللها، إلا أنها مؤخرًا أصبحت مهووسة بالتسوق فلا تهتم بما ستشتري أو هل ستحتاج ما تشتريه من أغراض بقدر ما يهمها أن تذهب إلى السوق.
تضيف أنها عند العودة إلى المنزل تكتشف أن معظم الأغراض التي اشترتها ليست بحاجتها، وتقرر أنها ستلتزم بشراء أشياء محددة في المرة القادمة، إلا أن ذلك لا يحدث، إذ يبدو أنها أصبحت مدمنة تسوق! فعلماء النفس والأخصائيون النفسيون، يؤكدون أن قضاء وقت أكثر من المعتاد في ممارسة أمر معين وبصورة ملحوظة وعدم القدرة على الاستغناء عنه، يعد نوعًا من أنواع الإدمان ويطلق عليه "الإدمان السلوكي".
إدمان بِلا رقابة
من الطبيعي وأنت تقرأ كلمة الإدمان أن يخطر في ذهنك الكوكايين والهيروين وغيرها من المخدرات والكحوليات، إلا أن هناك سلوكيات في إطارها العام قد تبدو سلوكيات عادية، مثل: التسوق، العمل، النظافة، الإنترنت... وغيرها، ومن الممكن أن يعتاد الشخص على ممارستها بقدر يصل إلى حد الإدمان.
تعرّف ريم العبسي، وهي أخصائية إرشاد نفسي، الإدمان السلوكي بأنه سلوك قهري ينخرط فيه الفرد بصورة متكررة، حيث يفقد السيطرة والقدرة على التوقف عن ممارسة السلوك، ويسعى إليه بالرغم من كل عواقبه السلبية، وعادة لا تكون له أعراض جسدية ظاهرة، رغم أنه يتّسم برغبة ملحة وفقدان السيطرة والتحكم، كحالات الإدمان المرتبطة بالمواد المخدرة أو المشروبات الكحولية.
وللإدمان السلوكي أشكال عديدة، أوضحتها الأخصائية ريم العبسي في حديثها لـ"خيوط"، تتمثل بالإدمان على القمار، الإدمان على الطعام، الإدمان على الجنس، الإدمان على مشاهدة الأفلام الإباحية، الإدمان على الجراحات التجميلية، بالإضافة إلى الإدمان على أفعال المخاطر، كالقفز من المرتفعات وتسلق الجبال والخوض في المغامرات، وتشير إلى أنه كلما حقق الشخص سلوكًا فيه مستوى من الخطورة، يسعى إلى مستوى أكبر من المغامرات التي تشعره بنفس المستوى من الإثارة.
مبررات ودوافع
أشارت بعض الدراسات إلى أنه إذا كان لديك أحد الأقارب يعاني من أي شكلٍ من أشكال الإدمان السلوكي، فهذا يشير إلى أن نسبة احتمال تعرضك للإدمان وارد للغاية، ما يجعل الجينات الوراثية أحد أسباب الإدمان السلوكي.
وتضيف الأخصائية ريم العبسي، أن هناك أسبابًا أخرى للإدمان السلوكي، منها الفراغ والملل الذي يدفع الأشخاص للبحث عن ملاذ يلجؤون إليه والتخلص من أوقات الفراغ، بالإضافة إلى غياب الدعم والجو العاطفي داخل الأسرة، ما يدفع الفرد للجوء إلى عدد من السلوكيات لسد هذه الحاجة، ناهيك عن الصدمات النفسية التي يتعرض لها الأفراد، والتي تدفعهم إلى سلوكيات معينة للخروج من دائرة الضغط الواقع عليهم.
ضعف المهارات الاجتماعية لدى بعض الأفراد، تعتبر أيضًا -بحسب العبسي- ضمن الدوافع إلى السلوكيات الإدمانية، بعيدًا عن متطلبات العلاقات الاجتماعية، كما أن إهمال الوالدين للأبناء وضعف التواصل معهم يدفعهم إلى الانغلاق والدخول في دائرة الإدمان الإلكتروني. وتنوّه أخصائية الإرشاد النفسي، إلى أن إدمان الوالدين أنفسهم على سلوك معين، يولّد الشغف لدى أطفالهم لممارسة السلوك نفسه.
ويضيف الدكتور سعيد القدسي، طبيب أمراض نفسية، إلى مجمل الأسباب السابقة، أن الإدمان السلوكي قد يكون سببه عوامل نفسية، مثل "الوسواس القهري"، أو عوامل ذاتية متمثلة بـ"إرضاء الذات".
ملاحظات قبل فوات الأوان
الإدمان السلوكي حالة كحال العديد من الاضطرابات النفسية التي لا بد أن تتوفر فيها مجموعة من الأعراض التي تمكّن المختصين من وصفها بالمرض النفسي. وتتمثل تلك الأعراض، بحسب الأخصائية ريم العبسي، بممارسة السلوك بشكل متكرر ومستمر لمدة ستة أشهر على الأقل، وضعف في مستوى الأداء (سواء الأداء التحصيلي أو الوظيفي أو الزواجي أو الأسري)، والرغبة المستمرة أو الجهود غير الناجحة لضبط ممارسة السلوك الإدماني، وقضاء الكثير من الوقت في الأنشطة المتعلقة بالسلوك الإدماني، والاستمرار في ممارسته، رغم معرفة الشخص بوجود مشكلة نفسية مستمرة متكررة لديه، بالإضافة إلى التخلي عن أنشطة اجتماعية أو مهنية أو ترفيهية مهمّة جدًّا أو الإنقاص منها.
هناك نوع آخر من العلاج يتمثل بالإرشاد النفسي، والذي يُعرف -بحسب الأخصائية ريم العبسي- بـ"العلاج المعرفي السلوكي" أو ما يسمى بـ"العلاج الإدراكي (CBT) "الذي يهدف إلى تغيير السلوك من خلال تغيير محتوى التفكير وإعادة بناء القناعات من خلال الإجراءات المعرفية.
آثار ملموسة
ويشير الدكتور سعيد القدسي في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن للإدمان السلوكي آثار بدنية واقتصادية وصحية على المدمن؛ فالآثار الصحية تتمثل بالتوتر العصبي وتقلب مزاج الشخص إذا لم يستطع ممارسة الأشياء التي أدمن عليها، فيما تظهر الآثار البدنية من خلال الجهد البدني الكبير الذي يقوم به الشخص المدمن في ممارسة سلوك معين، ما يسبب إرهاقًا للجسم والإصابة بالأرق.
أما عن الآثار الاقتصادية، فيؤكد الدكتور سعيد أن الإدمان السلوكي يسبب تدهورًا في الحالة المادية؛ وذلك لإفراط الشخص المدمن في ممارسة هذه السلوكيات وما يترتب عليها من نفقات مالية. ويضيف أن الآثار النفسية للإدمان السلوكي وأكثرها خطرًا، تكمن في انطواء الشخص المدمن وانعزاله عن المجتمع، ما يولد لديه تجمّدًا في المشاعر.
ويستشهد القدسي في سياق حديثه، بثماني حالات، قال إنه استقبلها في عيادته منذ شهر رمضان المنصرم/ أبريل/ نيسان 2021، حتى يوم كتابة هذا التقرير (يوليو/ تموز 2021)، منها ست حالات وسواس قهري بسبب إدمان النظافة، وحالتان بسبب إدمان الإنترنت.
أنواع متعددة وتأثير واحد
زُبير محمد (21 سنة)، يقضي أغلب يومه في ألعاب الإنترنت، ومؤخرًا أصبح يفضل البقاء في المنزل أمام شاشة هاتفه، ملغيًا كل مواعيده مع أصدقائه، لكنه لم يكن يعلم أن ما يقوم به هو نوع من الإدمان السلوكي، وله آثار سلبية قد تدمر حياته.
يقول زبير، في حديثه لـ"خيوط": "أصبحت تقريبًا أقضي معظم وقتي مع هاتفي وألعاب الإنترنت، مثل لعبة البوبجي وغيرها من الألعاب عبر الإنترنت، ووصل بي إدمان ألعاب الإنترنت إلى السهر مع شاشة هاتفي إلى قبيل الفجر، ولولا نفاد البطارية لواصلت اللعب حتى الظهيرة" !
حسب الأخصائية النفسانية ريم العبسي، أظهرت نتائج دراسات عصبية وحيوية في السنوات الأخيرة، أن إدمان الألعاب وغيرها من أنواع الإدمان السلوكي، يؤثر بالسلب على نظام المكافأة في الدماغ، مثل تعاطي المواد المخدرة تمامًا.
وتوضح العبسي أن الإدمان له وجود فيسيولوجي في الدماغ، حيث إن نظام المكافأة في الدماغ موجود بشكل طبيعي في أجسامنا جميعًا، وهو عبارة عن عدة مناطق داخل الدماغ تتعاون مع بعضها، وعند رفع مستوى الدوبامين بالأخص، يتولد شعور مكافأة لطيف يحفز الشخص تجاه الأفعال التي تساعده على البقاء، مثل الأكل والشرب والجنس والتواصل الاجتماعي.
وتضيف أن السلوكيات الإدمانية تؤدي الغرض نفسه، وتحفز الدوبامين والمتعة داخل الجسم، وكلما اعتاد الشخص المدمن على سلوك معين وعلى مستوى معين منه، اعتاد الدماغ عليه وأصبح يرغب في مستوى أعلى من السلوك نفسه.
ذروة الإدمان وممكنات العلاج
تصل خطورة هذا النوع من الإدمان إلى الانتحار أو الانعزال الشخصي عن المجتمع بشكل كامل، ويمكن أن تتطور الحالة إلى انفصام في الشخصية.
ويُعالج الإدمان السلوكي بالذهاب للمختصين في العلاج والإرشاد النفسي، حيث يتوجب على الشخص المدمن القيام بعدة خطوات إذا قرر الإقلاع عن السلوكيات التي أدمن عليها. وبحسب الدكتور سعيد القدسي، هناك خطوتان لذلك: الأولى عبر جلسات مع أخصائي نفسي يحصل من خلالها المدمن على علاج سلوكي من خلال جلسات الدعم النفسي والإرشاد والتوجيه، أما الخطوة الثانية فتتمثل بالتدخل العلاجي في حال لم يستفِد أو لم يستجِب الشخص المدمن لجلسات الدعم النفسي.
وهناك نوع آخر من العلاج يتمثل بالإرشاد النفسي، والذي يُعرف -بحسب الأخصائية ريم العبسي- بـ"العلاج المعرفي السلوكي" أو ما يسمى بـ"العلاج الإدراكي (CBT) "الذي يهدف إلى تغيير السلوك من خلال تغيير محتوى التفكير وإعادة بناء القناعات من خلال الإجراءات المعرفية، وتغيير السلوكيات المضطربة من خلال اكتساب المهارات الحياتية والاجتماعية التي تساعده على بناء ذاته.
كما أن جلسات العلاج الجماعي ومجموعات مساعدة الفرد من قبل أشخاص يعانون من المشكلة نفسها، لها أثر كبير في التخفيف من المشكلات الإدمانية، بالإضافة إلى جلسات الاستشارات الفردية المتخصصة.