لا تكاد تذكر منطقة باتيس، الواقعة شمال محافظة أبين، إلا ويتبادر إلى ذهن العارفين بها معلمُها الأبرز (سد باتيس)، الذي جعل منها منطقة ذات شهرة زراعية واسعة في دلتا أبين.
سد باتيس، الحاجز التحويلي للمياه القادمة من محافظة إب عبر وادي بنا إلى أبين، يقع في منطقة باتيس بمديرية خنفر، بُنِي في ثمانينيات القرن الماضي بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي؛ للاستفادة من مياه السيول وتوزيعها لري الأراضي الزراعية التي تقدر بـ: قرابة 100 ألف فدان من إجمالي أراضي الدلتا.
السنوات الطويلة التي مرت على بناء السد، كان من شأنها أن تُحدث اختلالات في بنيته، خصوصًا بعد الفيضانات التي تحدثها المنخفضات الجوية في مواسم الأمطار؛ الأمرُ الذي يتطلب صيانة مستمرة للحواجز؛ تفاديًا للانهيار على حين غفلة.
خسائر فادحة
يقول عبده العنبي، مالك أرض زراعية في منطقة باتيس، لـ"خيوط": "مواسم الأمطار بالنسبة لنا نحن –المزارعين- مواسم فرح وخير، ننتظرها بشوقٍ لري أراضينا، لكننا في الفترة الأخيرة لم نلقَ من السيول الفائدة المعتادة، حيثُ تذهب مياهها سدى إلى بحر العرب دون استغلالها بصورة مُثلى، نظرًا لانهيار الحواجز المائية في سد باتيس".
يسترسلُ العنبي: "كان المزارعون في بداية الموسم الفائت في صراع مع التردي الاقتصادي، الذي أثّر بصورة مباشرة عليهم، وأدّى إلى ارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاعٍ في أسعار الأسمدة والبذور، حيثُ جعل الكثير منَ المزارعين يقلصون المساحات المزروعة من أراضيهم، فيما عزف البعض منهم عن الزراعة بشكل كلي؛ إذ تتخطى الخسائر المادية حدود إمكانياتهم".
يُناشد أبناء باتيس سلطات المحافظة، ووزارة الزراعة، والمنظمات الداعمة، بضرورة التدخل وترميم السد بسرعة قصوى؛ لتفادي الخطر المرتقب، والحيلولة دون حدوث خسائر جسيمة.
التحديات التي فرضها الوضع الاقتصادي، وعدم تدخل مكتب الزراعة في تسهيل أمور المزارعين، أدّت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي في منطقة باتيس بصورة لافتة.
إذ ينتظر المزارعون تدخل وحدة الري لمساعدتهم في الاستفادة من مياه السيول للوصول إلى إنتاج زراعي ضخم، كما يُتوقع من منطقة باتيس في هذه المواسم، إلا أن دور هذه المكاتب يكاد يكون غائبًا تمامًا، حيثُ يُترك المواطن وحيدًا أمام هذه التحديات التي تفوق قدراته.
مؤخرًا، تنتهي المواسم الزراعية دون أن يستفيد منها المزارعون شيئًا، بل على العكس يتعرضون لخسائر فادحة، نتيجة جرف أراضيهم ومحاصيلهم وماشيتهم من الأغنام والأبقار؛ بسبب السيول القادمة مع نهاية المواسم الزراعية.
هلع الانهيار
يُطلّ سد باتيس، بشكل مباشر، على منطقة باتيس التي يقطنُها قرابة ستين ألف نسمة، يعيشون وسط جملة من المخاوف -خاصة في الفترات الأخيرة- لأنهم يتوقعون حدوث الكارثة في أي لحظة؛ في حال انهار هذا السد، جراء التدفق المهول لمياه السيول التي ارتفع منسوبها بصورة مثيرة للذُّعر في الموسم الأخير، ما يعني أن المياه قد تكتسح المدينة وتنهيها كليًّا. "انهيار السد هاجس أرّق سكان منطقة باتيس في الموسم الفائت؛ عاشوا أيامًا مرعبة، فكلما اشتدت السيول على المنطقة تعاظم الخوف في نفوس الأهالي"؛ يقول عبدالله مريقش، صحفي من منطقة باتيس، لـ"خيوط". يُضيف مريقش: "في الموسم الأخير، تجاوز خوف الناس جرف السيول للأراضي الزراعية وحسب، بل باتوا يخافون من انهيار السد الذي سيُنهي معه منطقة باتيس ببشرها إذا ما حدثت الفاجعة".
"يُناشد أبناء باتيس سلطات المحافظة، ووزارة الزراعة، والمنظمات الداعمة، بضرورة التدخل وترميم السد بسرعة قصوى؛ لتفادي الخطر المرتقب، والحيلولة دون حدوث خسائر جسيمة"؛ يُنهي مريقش.
على صعيد متصل، كانت سلطات المحافظة، قد زارت السد في فترة فيضان السيول، وأعربت عن قلقها إزاء ما حدث للسد من تشققات في بنيته، وتعطل عمل الكثير من القنوات التحويلية، إضافة إلى وجود أشجار في الجهة الغربية من وادي بنا، أدّت إلى تضييق مساحة الوادي، وارتفاع منسوب المياه إلى المستوى الذي يُنذر بخطر وشيك؛ ما اضطرها إلى إعلان عجزها عن القيام بترميم السد بمفردها، في ظل الوضع الراهن الذي تشهده البلاد، مطالِبة وزارة الزراعة والري بالنظر إلى هذه المشكلة ومد يد العون لهم لإنهائها.
يقول عبدالله محول طبيق، مدير وحدة الري في محافظة أبين، لـ"خيوط": "في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تدفقت سيول كبيرة في وادي بنا، نتيجة لتعرض المحافظة لمنخفضٍ جوي، كان ارتفاع منسوبها في سد باتيس حوالي سبعة أمتار". ويضيف طبيق: "عملنا بكل جهدنا لتوزيع المياه بشكلٍ نسبي لري الأراضي الزراعية عبر شبكة القنوات، ومع ذلك أدّى ارتفاع منسوب المياه إلى أضرار كبيرة في سدود وقنوات وادي بنا، حيث جُرفت العقم الترابية التحويلية، و تضرر السد الرئيسي في باتيس إلى جانب خمسة سدود أخرى في وادي بنا والكثير من الحواجز والقنوات المائية التي كانت بحاجة إلى الصيانة؛ الأمر الذي أدّى إلى جرف مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية -تقدر بقرابة ثلاث مئة فدانًا- ابتداء من باتيس ووصلًا إلى زنجبار".
"تعد دلتا أبين منطقة منكوبة، إذ لم يتم إصلاح بنية سد باتيس وقنواته حتى اللحظة، علاوة على تجاهل إصلاح بقية المنشآت المائية لوادي بنا، استعدادًا لموسم الصيف القادم، عدا تكليف من محافظ المحافظة باستصلاح بعض العقم الترابية، وتصفية بعض قنوات الري، وذلك لا يفي بالغرض مطلقًا"؛ يُنهي طبيق.
بروز التشققات الكبيرة في بنية سد باتيس، أثار هلع أهالي باتيس، ودفع البعض من سكانها إلى ترك المدينة والانتقال إلى مناطق أخرى بعيدة عن مجاري السيول؛ خشية انهيار السد والحواجز التي ظلت على حالها دون صيانة وترميم منذ قرابة ثلاثة عقود، فيما تمسَّك البعض الآخر من أهالي المنطقة بأرضهم، رغم حالة القلق التي ترافقهم، خاصة أنهم على أعتاب موسم أمطار جديد.