على مدى أسبوع ومزرعة الذرة الشامية التي يمتلكها المزارع يوسف الحكيم، في مديرية السدة التابعة إداريًّا لمحافظة إب، تمتلئ بالماء إثر الأمطار الموسمية المتواصلة على سائر محافظات البلاد. المزرعة الواقعة على ضفاف سيل وادي بنا، لا تحتاج هذه الأيام إلى مياه السيل، حد قول المزارع؛ فالأمطار تكفيها الحاجة.
يراقب المزارع الحكيم جريان المياه المتدفق بغزارة في سيل وادي بنا، ويعلق بالقول: "يمشي بدون فائدة". وككل المزارعين يعبر عن أسفه جراء ذهاب المياه دون الانتفاع منها في فصل الشتاء القاحل وبقية الأشهر التي يتخللها الجفاف، إذ يضيف لـ"خيوط"، قائلًا: "في بعض المواسم الزراعية، تموت الأشجار والثمار في المزارع بسبب قلة الماء، وما ترونه من سيل وفير في الوادي حاليًّا سيجف بعد توقف الأمطار بفترة بسيطة".
سيول لا يستفاد منها
وفقًا للمركز الوطني للمعلومات، فإنّ مياه سيل وادي بنا تنبع من يريم وقاع الحقل والجبال المحيطة به، وتتجمع في السدة ووديانها، كوادي المسقاة والأغبري، ثم تمر من دمت فتلتقي بها مياه أودية خبان ومنطقة الذاري، فتتجه جنوبًا إلى دمت ثم تلتقي بها أودية يريم الشرقية ومياه غرب جبن والحبيشية، فتمرّ كلُّ هذه الأودية من شرق مريس وجبال الشعيب في الضالع ثم تنضمّ إليها أودية السوادية من جهة البيضاء ثم أودية يافع وجبال حالمين، وتصل في النهاية إلى وادي حسان بأبين حتى تصب في البحر العربي جنوبًا على بعد حوالي 40 كليومترًا شرق مدينة عدن.
تجاهلت الحكومات المتعاقبة لحكم اليمن، فكرةَ إنشاء سدود وحواجز مائية على سيل وادي بَنَا، الأمر الذي يُفقده الأهمية الاستراتيجية، وينعكس على مصلحة المُزارع بالدرجة الرئيسية، والمنطقة والبلاد بشكل عام، إذ تكاد منفعته تكون محدودة، على عكس ما يفترض أن يكون، ففي أوقات توقُّف هطول الأمطار يكون قد جفّ، فيجد المزارع نفسه أمام شبح الجفاف.
يربط الدكتور عصام المدحجي، اختصاصي الفاكهة بكلية الزراعة- جامعة صنعاء، مستقبل البلد بإنشاء الحواجز المائية، إذ يفيد لـ"خيوط" بقوله: "الزراعة في اليمن كافة، وفي وادي بنا، زراعة موسمية وتعتمد على الأمطار، وفي حال إنشاء حواجز مائية، فسيُمكن الزراعة في كل المواسم، وهذا يعني استغلال الأرض وزيادة الإنتاج ورفع الدخل للمُزارع وللبلد".
ويوضح الدكتور المدحجي أنّ المحاصيل الحقلية كالقمح والذرة موعد زراعتها يعتمد على درجة الحرارة وطول النهار وموسم الأمطار، لكن زراعة الخضروات موعد زراعتها يعتمد على درجة الحرارة وطول النهار فقط؛ لأنّها مروية. وهنا، إذا تم إنشاء الحواجز فإنّ إدارة المناخ والتوسع بالزراعة المروية ستحقق نهضة زراعية كبيرة، كما أنّ إنشاء الحواجز المائية أمر سيحقق الاستدامة الزراعية، وسيقلل من استنزاف المياه الجوفية.
فترة جريان سيل وادي بَنَا محدودة جدًّا، ولا تبلغ الأربعة أشهر؛ بينما في بقية أشهر العام يفتقر الوادي إلى المياه، ويدخل المزارعون في ضائقة البحث عنها.
نقل المياه من آبار بعيدة
يضطر طه عبده، وهو مزارع في وادي ثريد الواقع بجانب سيل وادي بنا، بمديرية دمت التابعة لمحافظة الضالع، إلى نقل المياه من آبار بعيدة؛ لري مزارع الخضار التابعة له، ما يتسبّب في دفع تكلفة باهظة، جعلته مؤخرًا يقلص من نشاطه الزراعي؛ لأنه لم يعد يحقّق الربح المنشود؛ حد قوله.
يتطلع المُزارِع طه إلى التفاتة، سواء أكانت حكومية أو مجتمعية، تفضي إلى إنشاء سدود وحواجز مائية تُبقِي على كميات من المياه، ليضمن استمرار نشاطه الزراعي الذي يمثل له ولأسرته الرافد الأوحد للدخل والمعيشة، ويؤكد أن فترة نزول سيل وادي بنا محدودة جدًّا، ولا تبلغ الأربعة الأشهر، بينما في بقية أشهر العام يفتقر الوادي إلى المياه، ويدخل المُزارع في ضائقة البحث عنها.
يرى المهندس الزراعي، خليل الصيادي، أنّ واقع الفقر المائي على ضفاف وادي بنا في أيام الجفاف، وما يترتب عليه من خسائر بالمزروعات وقلة بالإنتاج وارتفاع تكاليف شراء الماء للاستخدام الزراعي والمنزلي- يحتم على الدولة إنشاء سدود تخزينية وسدود تحويلية، وتشجيع المجتمع على بناء المدرجات وعمل الكرفانات والحفر لتخزين مياه سيل وادي بنا التي تذهب إلى البحر ولا يستفاد منها رغم الحاجة الشديدة إليها.
ويقدّر المهندس الصيادي في تصريحه لـ"خيوط"، أنّ البداية تنطلق من عمل دراسات جدوى متخصصة لإنشاء سدود كهذه، تمثل صمام أمان لتعزيز واقع الأمن المائي في ضفاف ودلتا وادي بنا، الذي يمر بعدد من المحافظات اليمنية، ومِن ثَمّ على الدولة اعتبار تلك المسألة جزءًا من الأمن القومي اليمني، إذ سيشكّل ذلك رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا للإنتاج الزراعي والصناعي، وهو ما يفضي بالضرورة إلى مجتمع مستقر.
إنشاء السدود في ضفاف وادي بنا أمرٌ سيُحدِث ثورة زراعية ونقلة نوعية تفضي إلى تعدّد صنوف المحاصيل الزراعية، ويمكن أن يصبح الوادي على امتداده بين محافظات عدة نقطةَ جذبٍ سياحي.
يمكن أن يصير مزارًا
تتنوع المحاصيل الزراعية في وادي بنا، فمنها: الحبوب كالشعير والذرة الشامية والذرة الرفيعة، والبقوليات كالعدس والفاصوليا والبازلاء، والخضار كالبصل والكراث والبطاطا والفجل والجرجير والطماطم والكوسة وغيرها، وترفد هذه المحاصيل الأسواقَ المحلية في المدن والقرى الواقعة على مقربة من سيل وادي بنا بشكل ملحوظ، كما أنّ بعضها يتم تصديره لمحافظات يمنية مختلفة.
من جهته، يؤكّد الدكتور أحمد خالد الهدواني، أستاذ ومحاضر في كلية الزراعة بجامعة صنعاء، أن إنشاء السدود في ضفاف وادي بنا أمرٌ سيُحدث ثورة زراعية ونقلة نوعية تفضي إلى تعدّد صنوف المحاصيل الزراعية، ويمكن أن يصبح الوادي على امتداده بين محافظات عدة نقطةَ جذبٍ سياحيّ، وهو ما يعني انتعاش على أكثر من صعيد، ولكنه يأسف لعدم حدوث ذلك، ولعدم وجود نوايا حقيقية من قبل المعنيين على فعل ما يمكن أن يرتقي بالبلاد وينتشلها من مخاطر الفقر المائي والجفاف المحدق بها.
تبقى آمال المزارعين على ضفاف سيل وادي بنا، قائمة في إنشاء السدود والحواجز المائية، ويستمر الماء في تسربه باتجاه البحر دون انتظار لآمال المزارعين، ودون انتظار كذلك لتسويف وتراخي الدولة، ودون انتظار بالطبع، لري المزروعات من الحبوب والخضار، التي تتعثر في معظم أشهر العام الجافة، بينما تهدر مياه السيل الكافية لاستزراع عشرات الأضعاف منها في حال بقي بعض الماء.