فجأة أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مشحونةً بالغضب؛ بسبب النشيد الوطني! وصُوّبت السهام نحو الفنان الكبير أيوب طارش، صاحب اللحن الأثير والأيقوني في الذاكرة الوطنية، واختلفت ردود الفعل، سواء في حدتها، أو تلك المُدافعة عنه.
لكن لفترة من الوقت، بدا الأمر كما لو أنّ اليمنيين وجدوا أنفسهم بدون نشيدهم الوطني، محرومين من تداوله على وسائل التواصل الاجتماعية والسوشيال ميديا.
ونال مدير أعمال الفنان أيوب، معظمَ السخط من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. وأصبح الفنان -وبدرجة أكبر مديرُ أعماله- محل وصم بكونهما آلة طمع. كما لو أن الفنان ينبغي أن يتعالى ويُفرّط بحقوق ملكيته الفكرية. وذلك باستثناء ما أثارته قضية تقييد استخدام النشيد الوطني.
البيان أشار إلى الجانب المثير للجدل، فيما يتعلق بحقوقه المحمية، وعلى وجه التحديد الأناشيد الوطنية الخاصة به، وتشمل نشيد "ردّدي أيتها الدنيا نشيدي"، كما قدّمه بصوته وعزفه، ويدخل في النطاق المحمي لحقوقه. وهذا حقٌّ لا غبار فيه، ولا يمكن أن يُسلب منه أو عائلته.
حقوق ملكية النشيد الوطني
وكان ذلك موضع التباس، ومثيرًا للتساؤلات والاقتراحات، حتى ظهر الفنان أيوب طارش ببيان أوضح فيه اللغط الدائر حول أعماله. مؤكدًا أن مؤسسة أيوب طارش لا تمتلك أي حقوق ملكية للنشيد الوطني الرسمي للجمهورية اليمنية. وتحديدًا اللحن الذي تم أداؤه وتوزيعه رسميًّا من الفرقة الموسيقية للدولة، موضحًا أنه ملك للدولة بحسب القانون.
لكن البيان أشار إلى الجانب المثير للجدل، فيما يتعلق بحقوقه المحمية، وعلى وجه التحديد الأناشيد الوطنية الخاصة به، وتشمل نشيد "ردّدي أيتها الدنيا نشيدي"، كما قدّمه بصوته وعزفه، حيث يدخل في النطاق المحمي لحقوقه. وهذا حقٌّ لا غبار فيه، ولا يمكن أن يُسلب منه أو عائلته.
في الوقت نفسه، بيَّنَ طارش أنّ تلك الأعمال مُتاحة لمُشاركتها وتداولها على منصات التواصل الاجتماعية. مشيرًا إلى بعض الجوانب أو الإجراءات المُتخذة من تلك المنصات، بأنها إجراءات لا علاقة لها بمؤسسته.
واللافت في بيانه، إشارتُه إلى أن أعماله مُتاحة للفنّانين من أجل غنائها، دون إحداث تغيير على ألحانها. وحدد البيان كافة الحقوق التي يتمتع بها الفنان الكبير أيوب طارش.
وبصرف النظر عن هذا التوضيح، يتمتع الفنان بحقوقه وفقًا لقوانين الملكية الفكرية المُعتمدة على المنصات الاجتماعية. وهذه مزية تسمح للفنانين بأن يتمتعوا بكافة حقوقهم، وتساعدهم على إنتاج المزيد من الأعمال. ولا يمكن مُحاسبتهم على ما هو حقٌّ تحت أي مُسمى، سواء وطني أو اجتماعي.
وفي حالة الفنان أيوب طارش، فإنه بالاعتماد على ما يجنيه من المنصات الاجتماعية، يحوز القليل مما سبق أن انتُزع منه بشكل غير مباشر. فأعماله على مدى عقود، تعرضت للقرصنة والاستخدام على نطاق واسع في اليمن، دون أن يحقّق منها مداخيله الفعلية.
بل إنّ كثيرًا من حقوقه أُهدرت في ذروة نشاطه الفني وتوهجه؛ أي خلال الفترة التي شهدت صدور ألبوماته. وجرى تداولها على نطاق واسع في اليمن، وفقًا لشعبيته الطاغية، التي جعلته مسموعًا بين كثير من اليمنيين، ومن مختلف المناطق والأطياف.
ولا ننسى أن فترة صعوده وتوهجه تزامنت مع ازدهار صناعة الكاسيت، إذ كان له دورٌ في زيادة مداخيل المُغنِّين حول العالم، لكنها في اليمن انعكست بشكل سلبي، ودمّرت صناعة الموسيقى؛ بسبب انتشار عمليات القرصنة على المُصنفات الفنية.
قرصنة واستنساخ الألبومات
ويمكننا القول إنه لم تكن هُناك مُصنفات فنية محفوظة الحقوق، وعملية الإنتاج ظلت بسيطة، وتتعرض ألبومات الفنانين للاستنساخ المُستمر لدى الباعة، دون أن يجني منها المُقابل المادي. ويعود ذلك إلى افتقار اليمن إلى تشريعات وقوانين تحمي الحقوق والملكية الفكرية، وحين ظهر قانون الملكية الفكرية في اليمن، ظلت آليات الرقابة ضعيفة.
وهذه أمور أسهمت في ضعف تطور صناعة الغناء. ويكفينا ذلك لمعرفة أنّ أيوب وغيره من فناني جيله، عملوا في أوضاع غير مُشجعة، وأن حقوقهم أُهدرت ولم يحصلوا عليها من بيع أغانيهم وانتشارها.
وربما كان من المتوقع أن يجني أيوب أعلى الإيرادات بين فناني جيله اليمنيين، في حال كانت حقوقهم محمية. ولا شك أن حصوله مؤخرًا، ومنذ فترة بسيطة، على حماية لحقوقه، يمثّل انتصارًا كبيرًا بكونه استعاد حقًّا له كان مهدورًا. ومن حقه أيضًا أن يجني الأرباح بشكل مستمر عن حقوقه الفكرية، وحصيلة عمله وجهوده على ما خلّفه من تراث غنائي عاطفي ووطني.
وهذا ما ينبغي لأي فنان؛ مكافأةً له على إنجازاته، بحيث تؤمن له حياة كريمة. ولا يمكن أن نستكثرها عليه بأي حالٍ من الأحوال.
ما هو ملك للجمهورية اليمنية، أي النشيد الوطني فسياقه معروف. أما نشيد أيوب "رددي أيتها الدنيا نشيدي" فهو على مقام الراست، وقد خضع لتعديل على سلم الماجور، في اللحن الرسمي، ليصبح مُتاحًا للفرق العسكرية والرسمية التي تؤديه ويمكن تقديمه في المحافل الرسمية والمناسبات وفقًا للطابع المعروف.
الدفاع عن حقوق الفنان
صحيح أنّ هناك قدرًا من الالتباس والحساسية شابت الكثيرَ بسبب تفاجئهم بتقييد مصنفاته الفنية تحت ذريعة حق الملكية، لكن المسألة ليست كما تصورها لنا الحساسية المفرطة تحت ذريعة المناسبات الوطنية، وما إلى ذلك من رغبة في الاحتفال، وتأجيج الروح الوطنية من مخزن وجداني شكلته أغاني أيوب، إنما ينبغي أن نتقبل هذا الجانب ونتعاطى معه وفقًا للقنوات المناسبة، خصوصًا أنها لم تعُد تكلف المُستمعين مُقابلًا ماديًّا مُباشرًا، وفقًا لقوانين المنصات التي تدفع وفقًا لخصائص؛ منها عددُ المشاهدات وبعض التفاصيل الأخرى.
وحريٌّ بنا أن نتعاطى مع ذلك، بكونها مكافأة بسيطة لهذا الفنان الكبير؛ نظرًا لما قدّمه، بعد أن بخلت عليه تلك الأزمان. حتى لو حاز مقابلًا ماديًّا في وقت من الأوقات، من جهات رسمية مكافأة لغناء أعمالٍ وطنية أو تسجيلها على القنوات التلفزيونية أو الإذاعات المحلية.
وبالطبع، لم يكن المقابل المادي مُجزٍ بالقدر الذي يستحقه. والأغاني، وفقًا لشعبيتها، تظل مُستخدمة بصورة مستمرة ومتفاوتة، وتحقق من ورائها المنصات عوائد مادية، فمن حق أصحابها أن ينالوا حقوقهم من هذا الوسيط.
إذن، لم يفعل أيوب طارش أو مدير أعماله ما يستحق منا كل هذا اللغط. بل على العكس، دافعوا عن ملكية تعود للفنان أيوب طارش وعائلته. وما هو ملك للجمهورية اليمنية، أي النشيد الوطني، فسياقه معروف. أما نشيد أيوب "ردّدي أيتها الدنيا نشيدي" فهو على مقام الرست، وقد خضع لتعديل على سلم الماجور، في اللحن الرسمي، ليصبح مُتاحًا للفرق العسكرية والرسمية التي تؤديه، ويمكن تقديمه في المحافل الرسمية والمناسبات وفقًا للطابع المعروف.
وأظن الجميع كان بحاجة لمعرفة ذلك، وإزالة اللبس واللغط حول فناننا الكبير أيوب طارش الذي استعاد حقًّا بسيطًا من حقوقه بصفته فنانًا. وعلينا تعزيز مفاهيم حقوق الملكية حتى يتسنى للمبدعين إنجاز أعمالهم وجني عوائد تُساهم في تطوير الغناء وجميع الصناعات الإبداعية، وبصورة تسمح بتطوير تلك الصناعة، لما تحققه من مداخيل سيكون لها أثر على الاقتصاد وعلى الواقع الاجتماعي، بخلاف أثرها غير المادي الذي لا يُقدر بثمن.