قارب "عايش" يختصر معاناة صيّادِي المخا

كفاحٌ مُضنٍ لمواجهة مشاقّ الحياة
أحمد مكيبر
April 22, 2024

قارب "عايش" يختصر معاناة صيّادِي المخا

كفاحٌ مُضنٍ لمواجهة مشاقّ الحياة
أحمد مكيبر
April 22, 2024
الصورة لـ: أحمد باشا - خيوط

مع ساعات الفجر الأولى، ينطلق الستينيّ محمد عايش، بقاربه البدائي من ساحل مدينة المخا في اتجاه البحر، معتمدًا على عصا طويلة يستخدمها كمجداف لتحريك القارب على الأمواج، من أجل الوصول إلى نقطة محددة في العمق يتوقع فيها صيدًا وفيرًا.

حالما أن يصل إلى الموقع، الذي حدّده سلفًا، يوقف قاربه ويرمي شباكه التي يتركها هناك، ثم يعود إلى البر، للالتحاق بعمله اليومي حارسًا في مخزن إحدى الشركات التجارية الخاصة، وفي وقت الظهيرة يعود مرة أخرى بقاربه صوب شبكته التي تركها ملقاة في عمق البحر، لجمع ما جاد به البحر على شبكته. 

يكافح هذا الصياد لإعالة أسرة مكونة من 9 أفراد، وتوفير احتياجاتها المعيشية، في ظلّ ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة.

يقول محمد عياش لـ"خيوط"، إنه يعمل بهذه الطريقة البدائية منذ فترة طويلة، وهي على الدوام محفوفة بالمخاطر، لا سيما أثناء مواسم الرياح القوية، إذ يشير عايش إلى تعرض قاربه للانقلاب أكثر من مرة، يقول: "كنت سأفقد حياتي، لولا لطف الله ومصادفتي في تلك الأوقات الصعبة مرورَ قوارب صيد تعمل بـ"المكائن" (المولِّدات) وقيامهم بنجدتي".

غياب الجمعيات السمكية في المخا وعموم مناطق الساحل الغربي، ضاعَفَ من معاناة الصيادين، إذ تقوم مثل هذه الجمعيات في العادة، بدورٍ فاعل في مساعدة الصيّادين، وتوفير ما يحتاجونه من معدات ووقود، والوقوف معهم في الأزمات الطارئة وتخفيف تبعاتها عنهم.

سعر ماكينة خيالي

لم يكن عايش يملك 500 دولار حين تم استبعاد اسمه من الكشف الخاص بالصيّادين الذين تحصّلوا على "مكائن" تشغيل القوارب، حين قامت إحدى المنظمات قبل نحو ثلاث سنوات، بتقديم منحة مساعدات للصيّادين في المخا، تتمثل بتوزيع مكائن لتشغيل القوارب.

يقول عايش إنّه شعر بالصدمة عندما تم استثناؤه من قائمة المستفيدين، إذ علم بعد ذلك أنّ على كل صيّاد يريد الحصول على هذه الماكينة التي قيل لهم إنها مساعدة؛ أن يدفع هذا المبلغ الكبير مساهمةً من أجل الحصول عليها، معبرًا عن دهشته من فرض هذا المبلغ الخيالي، ولا يعرف من كان وراء وضعه كشرط مفروض على الصيادين؛ المنظمة أو الوسطاء.

يتابع عايش: "أعيل 9 أبناء، منهم طفل يحتاج كل شهر عودة لأحد المستشفيات في مدينة تعز لتلقي العلاج لعينيه"، مضيفًا أنه كان على هذه المنظمات أن تُلغي هذه المساهمات إذا كانت من ابتكار الوسطاء، حيث كانت ستساهم في مساعدة الأُسَر الأشدّ احتياجًا، مضيفًا: "نحن -الصيادين القدامى وكبار السن- لا نملك أي دخل إضافي لنعيل به أسرنا". غلاء البترول وارتفاع الدولار وعسكرة البحر الأحمر، وعدم وجود مرسى يحوي قوارب "رباعية" كبيرة؛ أمور تثقل كاهل الصيّادين بالمخا، خصوصًا مع اقتراب موسم الصيد في شهر مايو القادم. 

مرسى وكاسر أمواج

يقول مدير الإنزال السمكي بالمخا، عبدالحكيم مهدي، لـ"خيوط": "منذ ثلاثة أعوام تمت سرقة أربع "مكائن" قوارب صيد من مركز الإنزال السمكي؛ لذا عملنا على تشديد إجراءات المراقبة؛ للحدّ من السرقات الحاصلة لممتلكات المركز"، داعيًا الجهات الحكومية والمنظمات الدولية بإنشاء مرسى يجمع قوارب الصيّادين لكي يحمي ممتلكاتهم ومعداتهم من السرقة، ويسهل عمل الصيادين.

يشير مهدي إلى أنّ الهواية في الجزر تتسبب في انسحاب مياه البحر إلى ما يقارب 70 مترًا، ومن ثَمّ صعوبة وصول القوارب إلى مركز الإنزال السمكي لتفريغ ونقل الأسماك، إذ إنّ العمل على إنشاء مرسى بجانب مركز الإنزال السمكي، سيخفف معاناة الصيّادين وما يتعرضون له من مخاطر أثناء ذهابهم لأماكن بعيدة عن المياه اليمنية.

كما يؤكّد أنّ سفن الصيد الأجنبية تسبّبت في جرف العديد من الأسماك البحرية "وبيضها"، الأمر الذي جعلها تضع بيضها في أماكن أخرى آمنة للتكاثر خارج المياه والمناطق المحددة للاصطياد، في حين ضاعف ذلك من معاناة الصيادين الذين أصبحوا مضطرين للذهاب إلى أماكن بعيدة، فيتعرضون خلالها للمخاطر والاعتقال ومصادرة معداتهم وقواربهم وسجنهم عدة أشهر، إضافة إلى فقدان بعض الصيّادين، خصوصًا الذين يصادفون رياحًا شديدة أثناء إبحارهم للصيد. 

تقتضي الضرورة تخفيف معاناة الصيادين في المخا، وتوفير جميع احتياجاتهم، وتسهيل مهامهم في صيد الأسماك، حيث لا يمتلك كثيرٌ منهم مصادرَ دخل أخرى لإعالة أسرهم.

يشير مسؤولون في قطاع الصيد بالمخا، إلى ضرورة توفير "شعب صناعية"؛ لمساعدة الصيّادين وتحسين عملية صيد الأسماك، وحماية السواحل من التلوث، إذ إنّ "الشعب الصناعية" المكونة من الحديد والخرسانة لا تلوث البيئة البحرية، بينما ما يستخدمه الآن الصيّادون (إطارات السيارات، والأشجار)، مضرٌّ بالبيئة البحرية، إضافة إلى وجود تحديات أخرى، مثل ارتفاع تكاليف المعدات وغلاء الوقود، وغياب دور الجمعيات السمكية لتخفيف معاناة الصيادين في الساحل الغربي. 

غياب الجمعيات السمكية في المخا وعموم مناطق الساحل الغربي، ضاعفَ من معاناة الصيّادين؛ إذ تقوم مثل هذه الجمعيات في العادة بدورٍ فاعل في مساعدة الصيادين، وتوفير ما يحتاجونه من معدات ووقود، والوقوف معهم في الأزمات الطارئة وتخفيف تبعاتها عنهم.

نتائج عسكرة البحر

أدّت عسكرة البحر إلى مضاعفة معاناة الصيّادين، حيث يؤكّدون أنّ وجود البوارج البحرية لعدة دول في البحر الأحمر وتبادل الهجمات، قيَّد تحركاتهم ووصولهم إلى أماكن ومناطق الاصطياد، حيث أثّر ذلك على عملهم وقوت أُسَرهم. في حين يلفت أحد الصيّادين، في حديث لـ"خيوط"، إلى أنّ الرياح الشمالية التي تهب هذه الأيام بشدّة، وتسمى "الأزيب"، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود مع تدهور سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، فاقمت جميعها من معاناة العاملين في مجال الاصطياد السمكي في المخا ومناطق الساحل الغربي لليمن، كما أثقلت كل هذه الأزمات كاهلهم، حيث يُعدّ البحر مصدر رزقهم الوحيد.

•••
أحمد مكيبر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English