اختطاف وتغييب "عشَّال"

فساد الأجهزة وتجاوزاتها هل ستقود إلى كارثة في عدن؟
خيوط
July 13, 2024

اختطاف وتغييب "عشَّال"

فساد الأجهزة وتجاوزاتها هل ستقود إلى كارثة في عدن؟
خيوط
July 13, 2024
.

اختُطف في 12 يونيو الماضي، العقيد علي عشال الجعدني، من أحد شوارع منطقة التقنية، ومثل كثير من حوادث الاختطاف والاعتداء والتغييب التي تشهدها مدينة عدن -العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها- لم يُعرف، حتى اليوم، مكان له، ولم تعرف جوانب مخفية من عملية الاختطاف ومدبريها. المعلومات الأولية التي رافقت اختطافه عرّفت بالرجل، أنه ضابط في القوات المسلحة اليمنية برتبة مقدم (يعمل قائد كتيبة في الدفاع الجوي).

بعد شهر بالتمام والكمال، لم يُستدل على دوافع الخاطفين، الذين رصدتهم الكاميرات وهم ملثمون وبألبسة مدنية، واستخدموا في عملية الاختطاف (باص فوكسي)، يقال إنه ظهر في عمليات مشابهة تعود ملكيته لضابط أمني كبير. بعد أيام من عملية الاختطاف، تسربت أخبار عن مقتل المُختطف ورمي جثته بمقبرة الحسوة، وهو أمرٌ سارعت أسرة عشال إلى نفيه.

بعد الحادثة بأيام، بدأت قبيلة الجعادنة بمحافظة أبين، التي ينتمي إليها عشال، بالتحرك والمطالبة بالإفراج عن ابنها المختطف، أو إيضاح الحالة التي هو عليها، ومحاسبة المتورطين بالعملية ودوافعهم، ثم صعّدت بمنع مرور القاطرات المحملة بالمشتقات النفطية والبضائع في الطريق الدولي، ثم هدّدت بقطع الطريق الرابط بين أبين وعدن وحضرموت نهائيًّا، في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأمنية بمحافظة عدن، بتتبع المتهمين بعملية الاختطاف وحدّدت هُويتهم والأجهزة الأمنية التي ينتمون إليها، وهم: سميح النورجي، تمام محمد (البطة)، بكيل مختار، محمود الهندي. وبعد توقيف النورجي في أمن عدن، تم إطلاق سراحه بضمانة قائد قوات مكافحة الإرهاب، يسران المقطري، بعد يوم واحد من اعتقاله لدى شرطة الممدارة، وتسليمه لمديرية أمن عدن.

أقرت اللجنة الأمنية العليا التي انعقدت برئاسة وزير الدفاع، محسن الداعري، يوم الخميس 11 يوليو، جملةً من القرارات لاحتواء الأزمة التي فجرتها عملية الاختطاف، بعد إعلان قبائل أبين مجتمعة تسيير مليونية إلى عدن، وساندتها بذلك السلطات الأمنية والعسكرية بالمحافظة إلى جانب مجلس شبوة الوطني العام وبعض المكونات السياسية، ومن ضمن القرارات التي اتخذتها اللجنة، إيقاف يسران المقطري وإحالته للتحقيق، وتشكيل لجنة تقصي حقائق مشتركة من جهات عديدة هي أمن عدن وأمن أبين وجهاز مكافحة الإرهاب والبحث الجنائي والحزام الأمني للوصول إلى المختطف والمتورطين. وبعد يومين من قرارات اللجنة الأمنية، لم يستجد جديد في القضية التي شغلت الرأي العام، وأتاحت لأطراف متعددة الاشتغال عليها لحسابات سياسية مختلفة.

(**)

تداعيات قضية الاختطاف والإخفاء للعقيد عشال، كشفت جملة من التشوهات التي تعيشها مدينة عدن الغارقة في الفوضى والانفلات، والمستباحة من مراكز نفوذ تتقوى يومًا بعد آخر لحسابات جهوية أفرزتها حالة الميوعة المؤسسية التي تعتاش عليها المكونات الأمنية المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بفك الارتباط والعودة إلى شكل الدولتين وحدود ما قبل 22 مايو 1990. فالحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي، والمؤلفة من خليط متناقض من الأطراف السياسية المحسوبة على التحالف ومراكز النفوذ الفاعلة على الأرض، ومنها المجلس الانتقالي، صارت نهبًا لهذه الأطراف التي تنتفع من حالة الفوضى والانفلات، ومن التناقضات البينية بينها، وهو ما انعكس سلبًا على الحالة المعيشية للسكان في عدن وبقية المحافظات التي تديرها، اسمًا، هذه الحكومة التي يعيش معظم أعضائها وموظفيها القياديين خارج الأراضي اليمنية، تحت مبررات الضغوط الأمنية. 

أعادت قضية الاختطاف إلى الواجهة الحساسيةَ المرتفعة التي أفضت إلى تناحرات دامية على أساس فرز مناطقي وقبَلي، كان التتويج لها أحداث يناير المشؤومة، التي تتغذى اليوم وتتضخم من حالة الفوضى والانفلات، وقبل ذلك الإقصاء لكثير من المكونات في المحافظات الجنوبية على خلفية حمولات دورات الصراع السابقة.

هناك أكثر من جهاز أمني في المدينة، وعدد من تشكيلات عسكرية وأذرع ميليشاوية تتنافس فيما بينها على تملك المجال العام لعدن، وفضاءاتها ومواردها المتنوعة (الجمارك والميناء والضرائب والإتاوات)، وتبقى الأراضي هي المطمع الأكبر الذي يُسيل لعاب الجميع، كون عائدات المضاربة بها كبيرة جدًّا قياسًا بعوائد الإتاوات، والسبب أنّ كتلة كبيرة من النقود التي أنتجها اقتصاد الحرب أمكن تدويرها بواسطة قادة هذه الأجهزة لصالح نافذين كبار مرتبطين برجال أعمال وجهات مستترة يريدون ابتلاع فضاء المكان والتأثير في ديموغرافيته على حساب إرث المدينة وثقافتها. وقد يكون عشَّال ضحية لهذا اللهاث المحموم؛ كونه أحد المستنفعين من أراضي الدفاع الجوي في منطقة بير أحمد إلى جانب أنه وكيل لآخرين ومشترٍ أيضًا من بعضهم؛ كما تقول مصادر "خيوط". وحينما أراد وكلاء مرتبطون بنافذين في المجلس الاستحواذَ على الأرض بالشراء أو التحايل اختلف معهم، وكان يريد تحويلها إلى مقبرة تضاف إلى مساحة مقبرة أبو حربة؛ كما تقول مصادر أخرى، وهو ما ترتب عليه عملية الاختطاف والإخفاء، بتواطؤ الطامعين باستملاك الأرض التي قدّرتها بعض التقارير بأكثر من 15 مليون ريال سعودي. 

قبل أشهر قليلة، وتحديدًا أواخر مارس الماضي، تم اختطاف مدير فرع مصلحة الأراضي وعقارات الدولة بعد عامر عثمان، وهو من أبناء مدينة عدن، من قبل جهات أمنية تتبع المجلس، بعد أن رفض أوامر بتمليك نافذين لأراضٍ شاسعة داخلة ضمن مخططات سكنية للمواطنين في منطقة بئر فضل، ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد توقيعه بتمليك عددٍ من القطع لهؤلاء المرتبطين بقيادة المجلس.

أعادت قضية الاختطاف إلى الواجهة، الحساسيةَ المرتفعة التي أفضت إلى تناحرات دامية على أساس فرز مناطقي وقبَلي، كان التتويج لها أحداث يناير المشؤومة، التي تتغذى اليوم وتتضخم من حالة الفوضى والانفلات، وقبل ذلك الإقصاء لكثيرٍ من المكونات في المحافظات الجنوبية على خلفية حمولات دورات الصراع السابقة التي كانت تتخذ من عدن المدينة ساحاتٍ لتصفية الحسابات بين الأطراف المتقاتلة.

الأخطر في القضية أنّها تُعيد من جديد إحياء دور القبيلة في الانتصار لأبنائها على حساب الدولة ومؤسساتها التي لم تعُد حاضرة ككيان معنوي في ثقافة السكان ووعيهم في هذه المناطق، التي سبق أن قدّمت نماذج ملهمة لحضور الدولة ومؤسساتها في سنوات التشطير التي سبقت قيام الدولة الواحدة.

الاستحواذ على القرار والوظيفة العامة والموارد بواسطة الدائرة القريبة من رئيس المجلس الانتقالي، الذي يشغل في الوقت ذاته عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي، خلق حالةً من عدم الارتياح عند مكونات جنوبية أخرى، من طرائق المجلس في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية والمالية التي تمس حياة المواطنين بوصفه شريكًا في إدارة السلطة في مناطق سيطرته الفعلية في محافظات عدن ولحج والضالع وسقطرى وأجزاء من أبين وشبوة.

قضية اختطاف المقدم علي عشال، كشفت خللًا جسيمًا في عمل المنظومة الأمنية، وخللًا حتى في عمل وتركيبة المجلس الانتقالي، وفي طريقة عمله؛ كما قال أحد الناشطين.

معرفة مصير علي عشال ومحاسبة المسؤولين عن اختطافه وإخفائه، هي الخطوة الأولى لمعالجة المشكلة، التي في حال تضخمها قد تعمّق من حالة الانقسام في المحافظات الجنوبية، وتقود -هي والمتراكمات السابقة- إلى كوارث حقيقية سيدفع ثمنها السكان الذين يعانون من صعوبات معيشية جمة؛ مثل الانهيارات المتسارعة في أسعار العملة المحلية، وارتفاع أكلاف المعيشة، وتردي الخدمات. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English