سنوات ما بعد الربيع، تداعيات صادمة:
ومن الأفلام التي وقفت عند تراجيديا أحداث الثورة، الوثائقي اليمني (ليس للعدالة جدران) للمخرجة اليمنية سارة إسحاق، (ترشح الفيلم للأوسكار)، ويتضمن شهادات ضحايا وأهالي ضحايا حادثة جمعة الكرامة، عندما أُطلِقت النيران على المعتصمين في ساحة الثورة في صنعاء، فقُتل ما يزيد عن الستين شهيدًا، في الفيلم تحدث بعض أهالي الشهداء عن ذلك اليوم بكافة تفاصيله، كما تحدث ناجون من ضحايا المجزرة أصبحوا معاقين؛ فمنهم من فقد ساقيه، أو إحدى ذراعيه، لكن مشاركة طفل فقد عينيه الاثنتين بطلق ناري، وبرغم صغر عمره ومأساوية فَقْدِ بصره، إلا أنه بقيَ مؤمنًا بضرورة الثورة، مشاركة هذا الطفل، كانت بمثابة بيانٍ صارخ على همجية النظام في التعاطي مع ثورة شعبية زلزلت عرشه في النهاية، وأجبرت صالح الرئيس السابق على التنحي. الجدير ذكره أنّ الفيلم دخل في قائمة الترشيحات لجوائز أوسكار عن فئة الأفلام الوثائقية.
في اليمن ذاع صيت العمل المسرحي (معك نازل) لمجموعة من المسرحيين الشباب، وهو عمل كوميدي نقدي، تمتع بالجرأة واعتمد على توجيه خطاب ساخر إلى المؤسسات الرسمية، ويتبنّى هموم المواطن وطموحاته البسيطة المشروعة والمأمولة من السلطة.
وفي اليمن أيضًا، صوّر المخرج البريطاني شون ماكليستر فيلمه (الثوريّ غير المرغوب فيه)، جاء هذا المخرج والمصور إلى اليمن أثناء اندلاع ثورتها في 2011م، وبصورة سرية اشتغل على الفيلم، حيث إنّ السلطة ما كانت لتسمح له بالتصوير، قام ماكليستر بالحوار مع مواطن يناهض الثورة، وظل يتابعه لفترة زمنية، ويسجل رأيه حول مستجدات الأحداث، وشيئًا فشيئًا يركز المخرج على تعاطف المواطن، بطل الفيلم، مع الثورة إلى أنّ يتحول هذا التعاطف إلى مناصرة للثورة وإيمانٍ بها.
لم يقتصر تأثير المدّ الثوري على دول الربيع العربي، بل وصل صداه إلى فنانين في دول أخرى، فالمغربي هشام العسري أنجز فيلمه (هم الكلاب)، والذي حمله بنفس ثوري، واستند فيه على مقاربة بين ثورة الخبز في المغرب وثورات الربيع العربي.
المسرح العربيّ في أعوام ما بعد الربيع، جنح إلى كسر الأنطقة التي فرضت عليه لسنوات طويلة، وساهم المسرح التجاري الذي لاقى رواجًا في الإجهاز على ما تبقى منه، وإن بطرق غير مباشرة؛ أهمها السيطرة على قاعات العرض الرئيسية، لتقتصر مناشط المسرح الجاد على قاعات صغيرة هامشية يحضرها جمهور قليلون من المثقفين.
بعد الانتفاضات تعزَّز حضور المسرح الجاد والمسرح المستقل، وإن بدرجة محدودة جدًّا، وتحمّس المسرحيون الشباب بوجه خاص، والذين لجَؤُوا إلى مؤسسات ثقافية كي تكون حاضنًا لفاعليات مسرحية مستقلة عن المؤسسة الرسمية، هؤلاء الفنانين الشباب أفادوا من نتاج المسرح الحداثوي، وكذا تجارب المسرح التفاعلي ومسرح الممثل الواحد، والاتجاهات الارتجالية؛ وذلك لإضفاء أُطُر أكثر حيوية لعلاقة الفنان بالمتلقي وانسحاب العمل المسرحي إلى حيز المعيشي والنفسي والاجتماعي والفكري لدى المشاهد، بحيث يستدرج ليصير جزءًا من تجربة العرض المسرحي، من هذه التجارب مسرح (الحكي) الذي نظمته مؤسسة المورد الثقافي وتناول العديد من قضايا الثورة ورؤى الشباب، وأثار جدلًا إيجابيًّا مع الجمهور.
كذلك أقيمت عدة أمسيات بعنوان (سمر مع الثورة)، في المركز المصري للثقافة والفنون (مكان)، وشارك في هذه الأمسيات التي مثّلت خليطًا من العمل المسرحي ودور الحكاء تسعة أشخاص من دول الربيع العربي من اليمن ومصر وتونس وليبيا، سردوا فيها حكاياتهم وتجاربهم مع الثورة.
وفي اليمن ذاع صيت العمل المسرحي (معك نازل) لمجموعة من المسرحيين الشباب، وهو عمل كوميدي نقدي، تمتع بالجرأة، واعتمد على توجيه خطاب ساخر إلى المؤسسات الرسمية، ويتبنى هموم المواطن وطموحاته البسيطة المشروعة والمأمولة من السلطة؛ ونظرًا لأن التجربة اتسمت بالبناء المتماسك والنص الجيد وفنية الأداء لمجموعة الشباب الموهوبين، فقد تمت دعوتهم إلى عدة دول أوربية لتقديم العرض، علاوة على عرضه في عدة مدن يمنية.
وفي صنعاء على مسرح المركز الثقافي، قُدِّمت مسرحية (سارية عبر الأزمان) في العام 2012م؛ أي بعد الثورة بعام، أخرجتها المخرجة اليمنية إنصاف علوي، وتضمنت قضايا وهموم الأجيال الشابة، ورؤاهم حول شكل الدولة والمجتمع في المستقبل، أشارت المسرحية أيضًا إلى ضرورة الحفاظ على مطالب الثورة وعلى حرية الرأي، والعدالة الاجتماعية. اتَّسم هذا العرض المسرحي ببعض التفكك إلى جانب وقوعه في مأزق الرتابة.
إرهاصات الربيع العربي لم تقتصر على العروض المشار إليها في دول الربيع العربي؛ ففي السودان عرضت مسرحية (النظام يريد) في العام 2013م، تضمن العرض طرحًا سياسيًّا يلوح بالتغيير وفيه إشارات للنظام ورموزه المستبدة.
وفي العراق قُدِّم العرض المسرحي (بوابة رقم 7)، وتطرق للوضع التراجيدي في العراق، وحالة التشظي السياسي والصراع المذهبي، منتقدًا جميع القوى التي لعبت دورًا في مآلات الصراع، والملفت في العرض أنه اشتمل على مواقف متباينة من الثورات الحاصلة بين التبشير بها ومناهضتها، وهو ما يعكس فوبيا التغيير التي يعانيها كثير من العراقيين؛ كون التدخل الأمريكي وعزل صدام حسين كان له تداعياته المدمرة.
وفي الكتابة الروائية كانت الثورة حافزة لإنتاج سردي ثريّ، بعضه استند على المضمر والضمني في متون الروايات متوخيًّا الإفلات من مزالق المباشرة أو فعل التورَخة، والبعض الآخر انطوى على سردية سيسوتاريخية تسعى لتفكيك الأحداث الأكثر حضورًا في المجتمع العربي عبر توظيف السياقات الحياتية للأبطال، وإظهار مدى الانشباك بين العلائق الخاصة مع العام، والبنى الدلالية لكل ذلك، وفي كلا الحالتين نزع الروائيون إلى الاشتغال على ثيمات القهر والخوف والاستبداد والاستلاب وأساليب القمع التي اعتمدتها الأنظمة الديكتاتورية، بالإضافة إلى صور باذخة للفساد والتردي والسقوط السياسي.
من بين هذه الأعمال: (فرسان الأحلام القتيلة) إبراهيم الكوني (ليبيا)، (ثورة العرايا) محمود أحمد علي (مصر)، (الطلياني) شكري مبخوت ( تونس)، (ورقات من دفتر الخوف) أبو بكر العيادي (تونس)، (انقلاب) مصطفى عبيد (مصر)، (كان الرئيس صديقي) عدنان فرزات (سوريا)، (عدو الشمس... البهلوان الذي صار وحشًا) محمد سعيد الريحاني (المغرب).