في الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول، يشهد العالم احتفالًا خاصًّا باليوم العالمي للغة العربية، حيث تتحد الدول العربية في تقدير هذه اللغة العريقة التي يتحدث بها نحو 450 مليون شخص. تُعتبر العربية لغة رسمية في حوالي 25 دولة، وفقًا للبيانات الصادرة من الأمم المتحدة، مما يعكس مكانتها المرموقة في الساحة الدولية.
إن اللغة العربية لا تُعد مجرد وسيلة للتواصل، بل هي تجسيد للهُوية الثقافية والتراث الغني للعرب، ومع تقدم التكنولوجيا السريع، تواجه العربية تحديات جديدة تثير العديد من التساؤلات حول سُبل الحفاظ عليها وتعزيز استخدامها في العصر الحديث، إن هذا اليوم يُمثل فرصة للتأمل في مستقبل اللغة العربية ودورها الحيوي في العالم.
اللغة في ظل التحديات
تحدث الدكتور عبدالله اليوسفي، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة تعز سابقًا، عن أن اللغة تمر بمنعطف تاريخي خطير، وهذا المنعطف لا يعكس فقط أزمة عابرة، بل يعبر عن حالة الأمة العربية التي تعاني من الاندثار وفقدان الديناميكية والتطور لهذه اللغة، ويؤكد اليوسفي أن الأنظمة العربية، بما فيها اليمن، تتحمل جزءًا من المسؤولية، ويقول لموقع "خيوط": "اللغة العربية تواجه تحديات داخلية كثيرة، من بينها هيمنة اللغات المحكية، التي أدّت إلى ذوبان اللغة العربية، وهي لغة القرآن والأدب والجمال"، كما يشير إلى دخول اللغة الإنجليزية في العديد من التخصصات الجامعية، مما يساهم في تراجع استخدام اللغة العربية.
نبه اليوسفي على أهمية التعليم المبكر، بالقول: "يجب أن نعمل على تشجيع الدراسات الصوتية السهلة؛ لأن هذه المرحلة تعتبر حاسمة". وتطرق إلى الأخطاء الشائعة في النظام التعليمي، مشيرًا إلى أن قلة الخبرة لدى المدرسين تلعب دورًا كبيرًا في تفشي هذه الأخطاء، ويضيف: "التعليم يجب ألا يقتصر على الكتابة فقط، بل يجب أن تشمل المناهج مهارات التحدث واللغة النفسية والجسدية والتركيز على اللغة الصوتية".
ويمثل تحذير الدكتور اليوسفي بضرورة معالجة الأخطاء اللغوية في مراحل مُبكرة دعوة ملحة، حيث قال: "إذا تخرج الطالب من الثانوية دون القدرة على تصحيح الأخطاء، فإن تلك الأخطاء ستلاحقه في كل مراحل حياته"، هذه الرؤية تتطلب إعادة تقييم دور اللغة العربية في المجتمع، من أجل تعزيز استخدامها كأداة فعالة للتعبير والإبداع.
اللغة العربية لا تُعد مجرد وسيلة للتواصل، بل هي تجسيد للهُوية الثقافية والتراث الغني للعرب، ومع تقدم التكنولوجيا السريع، وتواجه العربية تحديات جديدة تثير العديد من التساؤلات حول سُبل الحفاظ عليها وتعزيز استخدامها في العصر الحديث، إن هذا اليوم يُمثل فرصة للتأمل في مستقبل اللغة العربية ودورها الحيوي في العالم.
تبرز أهمية دعوة الدكتور اليوسفي في سياق تعزيز التعاون بين مؤسسات التعليم والإعلام في ضرورة ترسيخ اللغة العربية في الفنون المختلفة، مثل المسرحيات والمسلسلات، وأكد اليوسفي ضرورة تركيز جامعة تعز على مجالات، مثل الخطابة والإنشاد وكتابة القصص والمقالات، مشيرًا إلى أن هذه المجالات تلعب دورًا مهمًّا في تطوير مهارات الطلاب وتعزيز ارتباطهم بلغتهم.
اللغة وعقوق أبنائها
تُعتبر اللغة العربية لغة شريفة ومُكرَّمة، تحمل مكانة عظيمة في الثقافة الإسلامية، فهي لغة القرآن الكريم ولغة النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، مما يعكس دورها كأداة أساسية للتواصل الثقافي والديني، تعكس ثراءها وتنوعها بالجوانب الروحية والفكرية للأمة الإسلامية، مما يجعلها رمزًا للفخر والهوية.
في هذا السياق، أكد الدكتور جميل سلطان، أحد الدكاترة في جامعة تعز، أهمية اللغة العربية، مشيرًا إلى أنها تمتلك تراثًا عربيًّا إسلاميًّا زاخرًا بالعلوم والمعارف، وأنها تمثل "الحبل المتين الذي يجمع الأمة وعماد هويتها"، وأوضح أن أعداء الأمة يدركون هذه المكانة، ويعملون على محاربتها؛ لأن انهيار اللغة العربية يعني تقطيع الأمة إلى أجزاء متباعدة.
وأشار الدكتور سلطان لـ"خيوط"، إلى العقوق الذي يتعرض له أبناؤها من بعض العرب الذين لا يقدرون لغتهم حق قدرها، مؤكدًا: "الأمم الحية تعتز بلغتها، ولا تقبل بوجود لغة أخرى تنافسها في التعليم أو الإعلام". ولفت إلى أن العديد من الدول لا تستخدم لغة أخرى في التعليم، مما يعكس مدى أهمية اللغة القومية في بناء الهوية.
كما استشهد بتجربة اليهود الصهاينة في إحياء اللغة العبرية، حيث أدركوا أنه لا يمكن بناء دولتهم دون إعادة إحياء لغتهم. وفي المقابل، نجد بعض العرب يسخرون من لغتهم الأصلية ويفضلون التعليم بلغة أجنبية، متفاخرين بذلك.
في السياق، دعا الدكتور سلطان إلى ضرورة الاهتمام باللغة العربية، مؤكدًا أنها "ليست مجرد مقرر دراسي، بل هي ممثل الهوية الوطنية وحافظ كيان الأمة". وأشار إلى تجربة سوريا كنموذج يحتذى به، حيث تولت الدولة رعاية اللغة العربية، مما يبرز أهمية الحفاظ على اللغة ودعمها في مختلف المجالات.
ليست مجرد كلمات
في ظل الثورة التكنولوجية التي نشهدها اليوم، يبرز رمزي نصر كأحد المهتمين والمحبين للغة العربية، يقول نصر: "عندما أتحدث عن اللغة العربية، أشعر وكأنني أتحدث عن جزء من روحي، هذه اللغة ليست مجرد مجموعة من الكلمات، بل هي وعاء ثقافي يحتوي على تاريخ عظيم وتراث متجذر، كل كلمة تحمل في طياتها ذكريات كثيرة".
وأشار نصر إلى أنه يشعر بالحماس عند استخدام التكنولوجيا لتعلم اللغة، لكنه يعبر عن قلقه من تآكل استخدامها، يقول: "على الرغم من أن التطبيقات والمواقع الإلكترونية قد تسهل عملية التعلم، إلا أنها لا تعوض عن التجارب الحياتية التي تعزز فهم اللغة. من الضروري أن نعيد الاعتبار للغة العربية في المدارس والجامعات، لأن ذلك سيساهم في بناء جيل يعرف قيمة لغته ويرتبط بها عاطفيًّا".
من جانب آخر، يعبّر هيثم العبسي، أحد الطلاب في كلية الآداب، عن مشاعره تجاه استخدام اللغة العربية في عصر التكنولوجيا، موضحًا لـ"خيوط": "عندما أفتح هاتفي وأقرأ منشورات أصدقائي، أُلاحظ أن معظمهم يستخدمون لغة مختصرة ولهجات محلية، يبدو أن الاتجاه يسير نحو استخدام اللهجات الحديثة، مما يجعلني أشعر بأن الفصحى تُهمل".
يتحدث العبسي عن تجربته مع اللغة العربية، حيث يستخدمها في دراسته ويشعر بالفخر عند كتابة مقالات، ومشاركة أفكاره، لكنه يشعر أحيانًا بتحديات بسبب استخدامه للإنجليزية أيضًا، ويضيف: "أصبحت اللغة الإنجليزية مطلوبة أكثر في سوق العمل، وكثير من المصطلحات أصبحت في أذهاننا وهي كلمات إنجليزية".