أماني؛ الإعلامية الكفيفة

فقدت بصرها بسبب خطأ طبي، لكنها تحدت العتمة
نجيب الكمالي
September 5, 2024

أماني؛ الإعلامية الكفيفة

فقدت بصرها بسبب خطأ طبي، لكنها تحدت العتمة
نجيب الكمالي
September 5, 2024

أن تفقد بصرك، وضوء عينيك، دفعة واحدة أو على دفعات، خَلقيًّا، أو بحادث عرضي، أو نتيجة لخطأ طبي أرعن، ليس مبررًا لأن تحكم على نفسك بالموت، وأن تستسلم لطوفان الظلام القاتل، الذي باستطاعتك أن تقف في وجهه وتنتصر لذاتك وأحلامك، لتشعل من أعماق الظلمة شمعة أَمَلِكَ لتواصل المشوار وتمضي قُدُمًا لتكون ما تريد.

لم تفقد ضوء عينيها

منتصف يوليو الماضي، كانت أماني عبدالكريم العزاني تسطر قصة ملهمة وفريدة وهي تطوع محنتها إلى منحة، وتعتلي منصة التتويج متزينة بقبعة تخرجها الجامعي اللافت من كلية إعلام صنعاء- قسم العلاقات العامة، ضمن الدفعة الـ(30)، لتروي قصة ملهمة واستثنائية خطفت أنظار وإعجاب الجميع، واستطاعت أن تقبض نجوم أمانيها وأول حلم كبير، وتقهر الظلام الذي يغلف عينيها منذ سنوات. 

لم تفقد أماني العزاني، ضوء عينيها دفعةً واحدة، بل تسرب نور عينها على دفعات، كان آخرها في العام 2016، بفعل خطأ طبي أرعن اقترفه جراح عيون مشهور في إحدى مشافي العاصمة صنعاء الحكومية، لتدخل بعدها في ظلام دامس عقب فشل العملية الجراحية.

يقول والد أماني عبدالكريم العزاني، في حديث خاص مع "خيوط": "هرعت بابنتي صوب صنعاء لإنقاذها من ضررٍ أصاب إحدى عينيها، فكانت النتيجة بحتمية إجراء عملية جراحية، قلّل الجرّاح في أحد مشافي العاصمة الحكومية من خطورة إجرائها، ودفعَه غرورُه للجزم بقدرته على جعلها تستعيد ضوء عينيها".

يواصل العزاني حديثه بحسرة وألم: "كنّا كالغريق نتعلق بقشة الأمل، ومشينا بعد كلام الطبيب المغرور، وكانت النتيجة صادمة ومخيبة للآمال، وفشلت عملية أماني؛ ما استدعى سفرها إلى القاهرة لمعالجة الضرر، وهناك تم تفريغ عينها وعمل عين مرجانية صناعية؛ بسبب الخطأ الطبي وفشل العملية باليمن".

لحظة صرخة ميلادها في الحادي عشر من فبراير، من العام ألف وتسع مئة وتسعة وتسعين، في إحدى قرى ريف جبل صبر بمحافظة تعز، أسماها والدها أماني، تيمّنًا بأمانيه المنشودة والأمان المفقود الذي ظنّه سيولد بمقدم ابنته الصغيرة وثالث أبنائه، وانتقلت الأسرة للعيش في مدينة الحديدة الساحلية (غرب اليمن)، وهناك سطّرت أماني أولى تفاصيل حياتها. 

أول صدمة تعرضت لها في طفولتها الأولى في مدينة الحديدة حين نعتتها إحدى رفيقاتها في الحارة بأنها "عوراء" حين رأتها تلبس نظارة طبية، كان للكلمة وقعٌ جارح خدش قلب الفتاة الصغيرة التي سرعان ما هرعت نحو المنزل لتخبر أبيها بما سمعته: "هل أنا عوراء؟".

"مرحبًا اسمي عوراء" 

تتذكر أماني في حديثها لـ"خيوط"، أول صدمة تعرّضت لها في طفولتها الأولى في مدينة الحديدة، حين نعتتها إحدى رفيقاتها في الحارة بأنها "عوراء" حين رأتها تلبس نظارة طبية، كان للكلمة وقع جارح خدش قلب الفتاة الصغيرة التي سرعان ما هرعت نحو المنزل لتخبر أبيها بما سمعته: "هل أنا عوراء؟". 

قلّل الأب من وقع الكلمة، طالبًا منها عدم الاكتراث بما سمعت، مخاطبًا إياها: "أنتِ لستِ عمياء، بل نحن العميان للأسف".

تواصل أماني حديثها لـ"خيوط"، في الصف الأول الثانوي: "كنت أفقد بقية نظري عقب فشل العملية الجراحية، لكنّي عنيدة بطبعي، صلبة لا أنكسر بسهولة، اكتسبت صلابتي من صلابة وشموخ جبل صبر، مسقط رأسي، وموطني الأم، وتشربت من ينابيع المحبة الصافية في مدينة الحديدة موطني الثاني". 

وبين شغف التمثيل ودراسة الإعلام، كانت تتأرجح أمانيها في مستهل حياة جديدة بين حلمها وشغفها، بعد فقدان نظرها، لكنها كانت قادرة على اتخاذ قرارها وعدم التفريط فيهما، فكان أن التحقت بدراسة الإعلام في جامعة صنعاء، لنبدأ تجربة جديدة وفريدة في آن. 

تقول أماني: "صحيح أني فقدت بصري كليًّا في زهرة شبابي ونضوجي، لكن كنت أتخطى الصدمة بصبر وثبات ويقين كبير لخوض مشوار حياة قادمة، كما ينبغي أن أكون وأتمنى". 

لم يكن طريقًا سهلًا

وهي تعتلي منصة التخرج، كانت أماني تستند على أختها الصغيرة، التي كانت تلبس نفس عباءة تخرج أختها الكفيفة، وتزين كتفيها يافطة قماشية كُتب عليها عبارة "أختي خريجة"، في مشهد مؤثر مفعم بالدفء والأمل، تناقلته العديد من وسائل الإعلام داخل اليمن وخارجها، وضجت به مختلف قنوات التواصل الاجتماعي في اليمن. 

تقول أماني: "إنّ وصولي إلى منصة التتويج والتخرج لم يكن وصولًا سهلًا أو اعتياديًّا، ولم يكن طريقًا مفروشًا بالورود، بقدر ما كان سوداويًّا مليئًا بالوجع والخيبات المتلاحقة، انتهت بظلام حالك حرمني من رؤية الحياة والأحباب وممارسة الأشياء التي كنت أحبها".

تستعيد أماني بشغف وحزن بعضًا من ذكريات طفولتها: "كنت أكثر ميلًا إلى سلوك الأولاد، فأنا لا أحبذ لبس ملابس الفتيات، ويعجبني أن ألبس ملابس الأولاد، وأقص شعري كالأولاد، وغالبًا ما كنت أصر على والدي ليصطحبني معه في مشاويره الخارجية".

طيلة سنوات دراستها الجامعية في جامعة صنعاء، اضطرت إلى الابتعاد عن أسرتها التي تسكن في مدينة الحديدة، وكانت هناك تستند على متانة أحلامها لتواصل السير نحو تحقيق الهدف والغاية التي تغذيها أسرة متفهمة وأب واعٍ مؤمن بقدرات أبنائه في اختيار طريق حياتهم، لتثمر تلك الثقة المستحقة في هذا المشهد الدافئ الذي صنعته أماني يوم تخرجها من كلية الإعلام بجامعة صنعاء. 

يبوح عبدالكريم العزاني في حديثه لـ"خيوط"، ببعض ما يختلج في نفسه: "اليوم أنا أقطف فرحة عمري، هذا ليس آخر المشوار إذا بقي في العمر بقية، إنه يومها العظيم، ويومٌ عظيم بالنسبة لي وأسرتي، وأنا أرى فلذة كبدي تقطف أولى ثمار نجاحها وتثبت أنّها أقوى من ظروف واقعها وحياتها الجديدة، وتتحدى إعاقتها البصرية كما كنتُ أراهن عليها".

اليوم ما زالت أماني متمسكة بتحقيق بقية أحلامها وأمانيها، وهي تخطو نحو تحقيق شغفها في التمثيل.

 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English