لم تزل ردود أفعال المتشددين تجاه أغنية (مش غلط) تتصاعد، فبعد إنتاج جهات تابعة لهم لأغنية مضادّة (مش غلط إنك تحب بحلال)، عمل فريق منهم على رفع دعوة قضائية ضد فريق الأغنية المجرَّمة في خطابهم، وعمدوا إلى الترويج لمحمودات أغنيتهم الحلال، بوصفها مجابهة للخطاب الإباحي الذي تقدمه أغنية (مش غلط)، كما يصفون.
كذلك التحريض وتأجيج المجتمع الذي قاده البرلماني الإصلاحي عبدالله العديني، ودعوته كافة قيادات الأحزاب الإسلامية والسياسية بالوقوف ضد ما وصفه بالانحلال الأخلاقي، محذرًا ومناديًا، كما جاء في خطبته بمسجد النور وسط مدينة تعز، بالوقوف العاجل ضد ما أسماه بالفسق والفجور وتشجيع المجتمع المسلم على نشر الرذيلة، واصفًا الأغنية بالكافرة.
خلال أقلّ من ثلاثة أيام من إطلاق مؤسسة (ميون) للإنتاج، عملَها الفنيّ، قامت الدنيا ولم تقعد ضد طاقم الأغنية الذي صار تحت ضغط كبير، ليغادر الشاعر منتصر منصر باتجاه إسطنبول بسبب التهديدات والبلاغات التي توعدته بالنار والجحيم؛ وفقًا لحديثه على صفحته الشخصية بالفيسبوك، مناشدًا جميع المنظمات الحقوقية بردع التميمي، مالك مؤسسة فجر الأمل، الذي قاد حملة التحريض المباشر.
من جانبه، أطلق سام البحيري، مالك مؤسسة ميون، مناشدته لنقابة الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني بالتعامل المناسب ضد ما يتعرض له من تهديدات، والتي تضمنت رسائل تهديد تصل إلى التصفية الجسدية، وتحثّ على اقتحام مقر عمله، بالإضافة إلى تحريض مستمر في وسائل التواصل الاجتماعي ومنابر المساجد، وهو ما استدعى فريق مركز الإعلام الحر (فري ميديا) للصحافة الاستقصائية أن يعلن تضامنه مع البحيري ومع فريق عمله، مطلقًا النداء لكافة الناشطين إلى المشاركة بالتضامن والوقوف ضد الإرهاب الفكري واستخدام الخطاب الديني لتقييد الحريات، داعيًا السلطات الأمنية والمحلية في المحافظة، لتوفير الحماية للبحيري ولفريقه مع ضمان حرية الرأي والتعبير.
الحملة التي تبنّاها المتشدّدون في تعز، وجد من يسندها في صنعاء من قبل قيادات حوثية معروفة، ونعني هنا ما قاله حسين العزي، أحد قادة الجماعة ويشغل موقع نائب وزير خارجية سلطة صنعاء الذي أعلن تأييده لكافة الجهود المانعة للأغنية، لتفضح الأغنية المشارب الواحدة والتوجهات المتطابقة للاتجاهين المتشددين، رغم الزعم باختلافهما.
برز صوت في الوسط الثقافي والسياسي ضدًّا على صوت التشدّد في البنيتين الدينيتين، وأعلن تضامنه مع طاقم الأغنية، ويقول الناشط والكاتب المعروف حسين الوادعي في حديث خاص لـ"خيوط"، عن حالة تحالف الطرفين ضدّ الفن:
"تحالف الجماعات الدينية ضدّ الفنّ هو تحالف قديم، فمهما اختلفت واشتدت شعلة الصراع المذهبي مع بعضها، فإنّها تتفق في تحريم الفن والوقوف ضده، وبتركيز كلّ خطابها ضد الفن مهما كان جميلًا، وأحد أسباب ذلك هو رؤيتها للفن كمنافس خطير لمذاهبها ولدعوتها وقدرتها الدينية ولقدرتها على حشد الأفراد؛ لأنّ المجتمع إذا أحب الفن فسينصرف عن خطابها الديني المتشدد.
ومن ناحية أخرى، هناك نوعٌ من التنافس بين الدين والفن؛ لأنهما يقدّمان إشباعًا لاحتياجات النفس الإنسانية عند أيّ إنسان يبحث عن أي شيء يتجاوز وجوده البسيط والمحدود، شيء يتجاوز حياته اليومية، شيء يشبع رغباته الروحية بالمعنى الواسع للروح، وهذا الإشباع لا يمكن أن يتم عن طريق العلم أو عن طريق الماديات وحدها، لكن لا بد من وجود شيء آخر مفارق للواقع، مفارق للمادة، وهو الفن، الدين، السحر؛ ولهذا ترى الجماعات الدينية الفنَّ منافسًا خطيرًا على الروح؛ لأنها تريد لأرواح الناس أن تبقى أسيرة خطابها الديني المتشدد، فاتفاق الحوثيين مع العديني، رغم الاختلاف السياسي والمذهبي، هو اتفاق متوقع جدًّا؛ لأن المنطلقات الفقهية التي ينطلقان منها هي نفس المنطلقات، وخطاب التحريم هو نفسه الأول".
ويواصل الوادعي حديثه عن اختفاء الهامش عند التيار المعتدل للإسلاميين، قائلًا لـ"خيوط":
"الحوثيون بدَؤُوا بتحريم الغناء في صعدة في مرحلة صعودهم قبل العام 2012م، فأصبح من المستحيل أن تسمع فيها فقرة موسيقية أو حتى نغمة تلفون موبايل موسيقية، حتى وصلت بعملها هذا إلى حد التطابق مع توجهات (داعش) و(طالبان)، وهذا التحريم ليس جديدًا عليها، والنقطة الأخرى في التحريم تكمن في الهاجس الجنسي، فهم يرون في الفنّ شيئًا مثيرًا للغرائز ومثيرًا للجنس، ويظنون، بل ومتيقنون بأن الجنس يمكن أن يثار بسبب قصيدة أو أغنية أو بيت غزل، هذا الهوس الموجود عند الحركات الدينية يجعلهم يتوجسون ويخافون وينطلقون من أفعال عدائية جدًّا تجاه أي أغنية أو قصيدة قد تتناول الجوانب الرومانسية أو جانب العلاقة بين الرجل والمرأة، اللافت للنظر جدًّا أنهم كانوا يطرحون أنفسهم على أساس أنهم معتدلون دينيًّا، ووقفوا نفس موقف المتشددين، وهذا دليل إضافي آخر على أنّ الفارق بين المعتدل الإسلامي والمتطرف هو ليس فارقًا في النوع بل هو فارق بالدرجة فقط يختفي في لحظات الأزمة ولحظات التوتر الشديد".
فالأغنية "مش غلط" بصوت الفنان مروان شمسان، لحن سنان التبعي، وإخراج سام البحيري، مثّلَت خطوة انتقال جديدة في مسار الأغنية اليمنية لجهة اللحن. يقول الفنان والباحث الموسيقي جابر علي أحمد، في حديث لـ"خيوط":
"أول ما سمعت اللحن جذبني كثيرًا، الذي اعتمد على الأورج والعود، وقد كان التنسيق بينهما بشكل جيد، فكانت الجمل اللحنية خفيفة وعذبة، وأما عن الإيقاع فقد أضاف للأغنية الكثير من الجمال ليأتي التسجيل الذي خرجت فيه بشكل جيد".
من جهته، يقول الروائي المعروف علي المقري رأيًا جماليًّا مختلفًا عن الأغنية:
"لا تبدو أغنية: "مُشْ غلط نشرب سوا شاهي ونتمشى شويّة" مختلفة في فكرتها وبساطتها عن الأغنية السودانية الشهيرة: "الليلة بالليل/ نمشي شارع النيل/ أنا وانتَ سوا/ قهوة بمزاج"، لكنّها في المقابل لا تصل إلى جرأة تاريخ الأغنية اليمنية، حيث هناك العشرات، إن لم نقل المئات، من الأغاني التي تذهب بعيدًا في التغزل بالحبيب والحبيبة وتتولّه بالجسد ومفاتنه. واليمنيون يسمعون يوميًّا أغاني أحمد قاسم وأيّوب طارش والحارثي ومحمد سعد عبدالله وفيصل علوي وعبدالباسط عبسي وحسين محب، وجميعها لا تخلو من الولع بكل ما هو حسّي ومثير". كما جاء في مقال متداول له.