مخاطر عودة المغتربين عبر طريق "الرويك" الصحراوي

قتل وتقطعات ونهب..
أسامة البركاني
September 8, 2022

مخاطر عودة المغتربين عبر طريق "الرويك" الصحراوي

قتل وتقطعات ونهب..
أسامة البركاني
September 8, 2022
Photo by: Shohdi Alsofi - © Khuyut

في العاشر من يوليو/ تموز الماضي، الذي وافق ثاني أيام عيد الأضحى، كان موسى التميمي (35 سنة)، العائد من المملكة العربية السعودية على موعد مع حادثة تقطع، كادت تُوْدِي بحياته في طريق "الرويك"، الذي يصل منطقة "العبر" في حضرموت (شرق اليمن) بمحافظتي مأرب والجوف (شمال اليمن).

قَدِمَ التميمي من مدينة الرياض بسيارته الـ"برادو" ذات الإصدار الحديث؛ قاصدًا العودة إلى قريته (جنوبَ محافظة تعز)، لحضور حفل زفاف شقيقه وزيارة الأسرة بعد أربع سنوات من الاغتراب، ليُفاجأ بحادث تقطع، تعرّض له في طريق العودة على خط "الرويك" بالجوف.

عودة محفوفة بالمخاطر

يعود إلى اليمن بشكل سنوي عشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين في السعودية، سبعة آلاف منهم عادوا فقط خلال مارس/ آذار الماضي، بحسب بيانات منظمة الهجرة الدولية. وتتزايد أعداد العائدين بشكل خاص خلال عيدي الفطر والأضحى، وذلك بسبب زيارة المغتربين لأسرهم وقضاء الإجازات العيدية في بلدهم اليمن.

في المقابل، يخوض هؤلاء المغتربون رحلات عودة شاقة تمتد لأيام في طريق ترابية وعرة ومحفوفة بالمخاطر، تدعى "الرويك"، تمتد -ضمن نطاق صحراء الربع الخالي- من منطقة "العبر" في حضرموت وحتى منطقة "الحزم" في الجوف لأكثر من 250 كم، وتمتد تفرعاتها حتى منطقة "نهم" في صنعاء، إذ غدت هذه الطريق وجهة العودة الوحيدة أمام المغتربين، في ظل استمرار الصراع القائم في البلد منذ أكثر من سبع سنوات، والذي صاحبه إغلاق منافذ وخطوط العبور القديمة الآمنة بين اليمن والسعودية.

تم سلب التميمي مقتنياته كلها، حتى السيارة كان المتقطعون قد طلبوا منه الترجل عنها، لكنه استغل لحظة هبوب عاصفة رملية ولاذ بالفرار مذعورًا، أطلق المتقطعون الرصاص على سيارته، غير أنّ التميمي نجا بأعجوبة من الحادثة التي كادت تودي بحياته

عصابات تنهب المسافرين

يقول التميمي الذي كان عائدًا إلى اليمن بمفرده، في حديث لـ"خيوط"، إنّ شخصًا مسلحًا أوقفه على الطريق الحدودي بين حضرموت والجوف، ناشدًا إيصاله إلى مدينة "الحزم" في محافظة الجوف، لقاء أجر مالي سيُدفع له، لكن الأخير فوجئ بعد مُضيّه مسافة 50 كم، بمتقطعين اعترضوا طريقه مُشْهِرين الأسلحة في وجهه، طالبين منه تسليم كل ما بحوزته من مال، بما في ذلك السيارة، ليترجل المسلح الذي كان يرافقه من السيارة، ويكتشف التميمي أنه اقتيد لفخ في الصحراء.

تم سلب التميمي مقتنياته كلها، حتى السيارة كان المتقطعون قد طلبوا منه الترجل عنها، لكنه استغلّ لحظة هبوب عاصفة رملية ولاذ بالفرار مذعورًا، أطلق المتقطعون الرصاص على سيارته، غير أنّ التميمي نجا بأعجوبة من الحادثة التي كادت تودي بحياته، بعد أن فرّ بسيارته التي لحقت بها أضرارٌ كبيرة، ولجأ إلى أحد الأسر البدوية التي كانت تقطن خيمة وسط الصحراء، عثر عليها التميمي أثناء فراره، لينجح أخيرًا في الإفلات من تلك العصابة بعد عناء ورعب لم يكن يتوقعه، عاد التميمي سالمًا في النهاية إلى مأرب ثم إلى قريته الواقعة في الريف الجنوبي لتعز (جنوب غرب اليمن).

قصة موسى التميمي ليست الحادثة الوحيدة من نوعها، إذ تحدث العشرات من جرائم التقطع للمسافرين في تلك الطريق وبشكل متواصل، لكن لا تتوفر أي إحصائيات رسمية حول أعدادها ونتائجها.

ولهذا أجرى مُعِدّ التقرير عملية رصدٍ تتبعي على المواقع الإخبارية اليمنية لإحصاء عدد الحوادث التي تناولتها تلك المواقع حول تعرُّض المسافرين للتقطع والابتزاز في طريق الرويك، ليعثر على نحو 34 حالة ما بين حوادث قتل وتقطع وتيه في الصحراء، خلال سنة 2022 فقط.

وضاح بدير، سائق طرق طويلة ينقل المسافرين من السعودية إلى اليمن؛ هو الآخر تعرّض للملاحقة من قبل متقطعين في الطريق ذاتها نهاية يوليو/ تموز الماضي.

مخاطر الألغام في الصحراء

يقول بدير في حديث لـ"خيوط"، إنَّ عددًا من المتقطعين اعترضوا سيارته -التي كانت تُقِل مغتربين عائدين إلى اليمن؛ بينما كان في طريقه من الجوف إلى صنعاء، لكنه رفض التوقف وواصل السير، وبسبب هروبه قامت تلك العناصر بملاحقة سيارته؛ الأمر الذي اضطره لتغيير اتجاهه صوب الصحراء لتضليل اللصوص الذين كانوا يلاحقونه.

تمكّنَ السائق من الإفلات، لكنه وقع ضحية لغم أرضي انفجر في مقدمة سيارته نوع (فورتشنر-تويوتا) في مكان مهجور وسط الصحراء، متسببًا في إصابته وثلاثة من الثمانية المسافرين الذين كانوا معه، بجروح متوسطة دون وقوع حالات وفاة. 

يؤكّد بدير أنه كان قد يَئس من النجاة، وكاد الأمر أن يتحول إلى كارثة تحيق بهم جميعًا لولا أنهم عثروا بعد ثماني ساعات من البحث على بعض العابرين من أبناء المناطق المجاورة لمكان الحادثة، قاموا بإنجادهم إلى مدينة "الحزم" بالجوف وتطبيبهم ليتسنى لهم بعد أيام مواصلة السفر صوب العاصمة صنعاء.

تداعيات الصراع

انقطع الطريق الرابط بين الجوف ومأرب بعد سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على محافظة الجوف مطلع سنة 2020، ليتحول إلى منطقة عسكرية؛ الأمر الذي دفع المسافرين إلى العبور من طريق ترابي بديل يمتد عبر منطقة "الرويك"، بحسب حمدان بن صالح، أحد سكان محافظة الجوف، إذ يقول صالح في حديث لـ"خيوط"، إنّ طريق "الرويك" خطير جدًّا على المسافرين ويكثر فيه اللصوص والمتقطعون، بسبب أنه لا مسار ثابت له، فالطريق يشمل عدة تفرعات ترابية مرتجلة، أغلبها يقع خارج نطاق أي سيطرة رسمية.

نعمد -ما أن نصل إلى مناطق الجوف، وفي مقدمتها طريق الرويك- إلى الاستعانة بمهربين على دراية بالطريق أو ببعض المتقطعين أنفسهم لحراسة الموكب الذي قد يتألف من أربع إلى سبع سيارات مقابل مبلغ من المال قد يصل إلى عشرين ألف ريال سعودي؛ الأمر الذي يتيح لنا إمكانية العبور دون التعرض للأذى

ويذكر صالح العشرات من حوادث النهب والتقطعات والقتل التي يتعرض لها المسافرون في هذا الطريق، لافتًا إلى أنّ العصابات تقوم بسلب المسافرين مبالغ مالية كبيرة أحيانًا وتسمح لهم بالعبور، وفي أحايين أخرى تقدم تلك العصابات على قتل المسافرين ونهب ممتلكاتهم وسياراتهم.

استعانة اضطرارية بالمجرمين

في السياق، يشير عبدالرحمن المُسقف (48 سنة)، سائق يعمل في نقل المسافرين من المحافظات الجنوبية للمملكة إلى محافظة المحويت اليمنية (شمال غرب اليمن)، راحلًا بشكل دوري عبر طريق "الرويك"؛ إلى أنه يستعين ببعض هؤلاء المُتقطعين لحراسة سيارته لقاء بعض المال.

يقول في حديث لـ"خيوط": "نتفق أحيانًا مع بعض السائقين في منفذ الوديعة على السفر ضمن موكب". مؤكدًا أنّ تلك الكثرة توفر لهم الأمان في الطريق.

وقال المُسقف: "نعمد -ما أن نصل إلى مناطق الجوف، وفي مقدمتها طريق الرويك- إلى الاستعانة بمهربين على دراية بالطريق أو ببعض المتقطعين أنفسهم لحراسة الموكب الذي قد يتألف من أربع إلى سبع سيارات مقابل مبلغ من المال قد يصل إلى عشرين ألف ريال سعودي؛ الأمر الذي يتيح لنا إمكانية العبور دون التعرض للأذى".

غياب الرقابة

لكنها حيلة يقول إنها لا تتوفر لكافة المسافرين، مشيرًا إلى أنّ أكثر من يتعرضون لحوادث التقطع أو يضلون الطريق في الصحراء هم من المسافرين الذين يعبرون الطريق لأول مرة، وَفقَ حديثه، إضافة إلى المسافرين الذين يسافرون ليلًا ولا يملكون خبرة كافية في تلك الدروب.

الكثير من حوادث التقطع والقتل تحدث للمغتربين اليمنيين العائدين من السعودية عبر طريق "الرويك" الصحراوي وبشكل متواصل، في ظل استمرار أزمة الصراع في البلد وغياب الدور الرقابي لجهات الضبط التابعة للحكومة اليمنية أو تلك التي تتبع لجماعة أنصار الله (الحوثيين).

•••
أسامة البركاني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English