في وقت تسود فيه وسائل النقل الحديثة، حيث اختُزلت المسافات إلى ساعات أو دقائق، ظهر أحمد القاسمي، الرحّالة اليمني الملقب بـ"ابن بطوطة اليمن"، ليقرر قبل 30 عامًا أن يعيد إحياء تراث الرحّالة القدماء، مستعيدًا معها روح المغامرة والاتصال المباشر بالطبيعة والناس على ظهور الجِمال، وبعين فاحصة لتفاصيل الأمكنة وتنوعها المناخي والثقافي.
شغف يتحول إلى نمط حياة
انطلقت مغامرة القاسمي الأولى عام 1992 سيرًا على الأقدام من اليمن إلى سلطنة عمان، وكانت هذه الرحلة الأولى بمثابة الشرارة التي أوقدت شغفه بالترحال على الجِمال، وهو الشغف الذي واصل معه رحلاته طوال عقود، متنقلًا بين قارات آسيا وإفريقيا، متنفسًا عبق الأرض والهواء، ومعانقًا تحديات السفر بوسيلة تقليدية تعود إلى قرون ماضية.
يقول عن رحلته الأولى إنها كانت متعبِة بسبب بُعد المناطق عن بعضها ونقص الغذاء والإصابة بالأمراض والأوبئة.
وعن رحلته الأولى على ظهر الجِمال، كانت في العام 1994، من صنعاء وعبور البحر الأحمر إلى إريتريا ثم السودان فمصر، ثم ليبيا، والجزائر، واستغرقت منه سبعة أشهر، ثم جاءت الرحلة الثانية على الجمال في العام 1995، وشملت بلاد الشام والخليج العربي من لبنان، سوريا، العراق، الأردن، السعودية، البحرين، قطر، الإمارات، سلطنة عمان، العودة لليمن، قطع فيها كما يقول 9 آلاف كم.
أما الرحلة الثالثة فقد كانت إلى آسيا، وتحديدًا إلى شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا، وطاف فيها 11 دولة في سنة كاملة، قاطعًا مسافة 12 ألف كم، واعتبر هذه الرحلة هي الأصعب في حياته والأكثر خطورة؛ بسبب الظروف المناخية الصعبة والأحراش والغابات الموبوءة وانتشار الحيوانات المفترسة.
43 ألف كيلومتر و17 جملًا
قطع القاسمي مسافة 43,000 كيلومتر في القارتين، واستخدم 17 جملًا في رحلاته التي امتدت على مدى 30 عامًا. لم تكن هذه الرحلات مجرد استكشاف جغرافي، بل كانت تجربة حياة، خاض فيها مغامراته بين الصحاري والجبال والوديان، مكتشفًا ثقافات جديدة ومتعددة في 46 بلدًا متنوعًا جغرافيًّا وثقافيًّا.
ورغم كل الصعاب التي واجهها، من ظروف الطبيعة القاسية إلى قطّاع الطرق، بقي القاسمي متمسكًا برحلاته، مؤمنًا أن كل خطوة على ظهر الجمل تحمل في طياتها رسالة أعمق من مجرد التنقل.
صعود كليمنجارو على جمل
من بين مغامراته العديدة، يبقى صعوده جبل كليمنجارو في دولة تنزانيا بشرق إفريقيا على ظهر الجمل، واحدة من أبرز المحطات التي لا تُنسى في حياته، كما يقول.
وعُدت تلك الرحلة سابقة فريدة من نوعها، سجّل من خلالها القاسمي اسمه في تاريخ الترحال، ليس فقط بجرأته على مواجهة التحدي الجغرافي، بل أيضًا برمزية إصراره على تحقيق المستحيل.
الماضي يروي حكايات المستقبل
لم تقتصر إنجازات القاسمي على الترحال فقط، بل دوّن تجاربه وأفكاره في كتب عديدة، ليقدم للعالم نافذة على رحلاته ومعايشاته. وقد حظي بتكريمات من عدة دول، تقديرًا لجهوده في إحياء تراث الترحال البدوي.
ورغم توقفه فترةً بسبب الأوضاع العالمية والاتجاه إلى أنشطة رياضية أخرى، كونه في الأصل مدرب رياضة، لم يخمد شغفه بعد. وها هو اليوم يستعد للانطلاق مجددًا في رحلة جديدة إلى الصين، واضعًا نصب عينيه تحقيق حلم دخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية بكونه أول رحّالة يجوب العالم على ظهر جمل.
يذكر أن الرحالة أحمد عبده القاسمي من مواليد مديرية القفر بمحافظة إب، وهو رياضي يمارس ألعاب القوى للمسافات الطويلة، وشارك في بطولات عديدة داخلية وخارجية، وله اهتمامات مختلفة في قضايا التراث والتاريخ.