بشرى المحفدي

إرادة تتحدى الإعاقة وحضور اجتماعي فاعل
نبيهة محضور
January 23, 2025

بشرى المحفدي

إرادة تتحدى الإعاقة وحضور اجتماعي فاعل
نبيهة محضور
January 23, 2025
.

فقدت بشرى المحفدي (48 عامًا)، بصرَها في مرحلة مبكرة، لكنها لم تفقد بصيرتها في الحياة، إذ حوّلت المحنة إلى منحة، وشقت طريقها نحو التحصيل العلمي والتأثير الاجتماعي حتى أصبحت نموذجًا في التحدي وقهر الإعاقة.

في 2004، أصيبت بشرى بضمور في العصب البصري، لم تفلح العمليات الجراحية حينها في استعادته. وعلى الرغم من الصدمة الكبيرة التي أصابتها وأسرتها، فإن إيمانها القوي وعزيمتها الصلبة، بالإضافة إلى الدعم الكبير من أسرتها، ساعدها على تخطي أصعب اختبار مرت به في حياتها، وحفّزها على القتال والتحدي لتكون لاحقًا شخصية مؤثرة اجتماعيًّا ومثالًا يحتذى به.

كانت بداية بشرى ككل البدايات الهادئة المستقرة؛ مدرسة في ظل أجواء أسرية مشجعة وداعمة، ومن ثم زواج وتكوين أسرة وخطوات مثالية واعتيادية مثل كل الفتيات اللواتي يعشن مراحل حياتهن بمنتهى السلاسة والهدوء، لم يدُر بخلدها ألبتة أن المرحلة التالية ستكون صعبة وقاسية، فبعد سنة ونصف من زواجها، فقدت المحفدي بصرها لتنقلب حياتها رأسًا على عقب. الانتقال من حياة النور إلى الظلمة، ومن الألوان المتعددة إلى لون واحد لم يكن سهلًا، تقول بشرى: "كانت تلك المرحلة بمثابة قيامة بالنسبة لي ولأسرتي، كانت كل أيامها من أصعب أيام  حياتي، لأنها كانت صادمة وقاسية ويصعب أن يستوعبها بشر، لكن بفضل الله ثم بدعم أسرتي وزوجي وأختي سلوى، تمكّنت من تجاوز هذه الصدمة بأقل الأضرار".

يد بيضاء

وفي إطار هذه المرحلة الصعبة، كانت فاطمة العاقل، رئيسة جمعية الأمان لرعاية الكفيفات، أول شمعة تضيء عالمها المظلم، وذلك من خلال مساندتها لإكمال تعليمها الجامعي رغم التحديات العديدة التي واجهتها في ظل عدم وجود الدعم الكافي من النظام التعليمي لذوي الإعاقة.

اتسعت آمال بشرى وتوسعت أهدافها في تقديم خدمات اجتماعية، شملت كافة فئات المجتمع، خاصة المرأة والطفل، فجاءت فكرة إنشاء مؤسسة رمز للتنمية في العام 2016 بعد سنوات من الصبر والكفاح والتعلم، لتبدأ مشوارًا جديدًا في العمل الاجتماعي، بصفتها قائدة مفعمة بالعزيمة وحب العمل والعطاء.

تقول المحفدي: "لن أنسى أبدًا الأم الروحية واليد الحانية التي امتدت لي في مشواري الجديد، الأستاذة الفاضلة فاطمة العاقل -رحمة الله تغشاها- رئيسة جمعية الأمان لرعاية الكفيفات، التي كانت بمثابة شمعة أنارت عالمي المظلم بعد أن فقدت البصر، فقد ساندت مشواري الجامعي في مرحلة بالغة الصعوبة، بسبب عدم دعم النظام التعليمي في اليمن لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة".

"اكتسبتُ الكثير من المهارات القيادية والإدارية كالتخطيط والإدارة، والكثير من مهارات الاتصال والتواصل مع الآخرين، لقد صقلت شخصيتي، لأرى العالم كما لم أرَه من قبل"؛ تضيف المحفدي.

خطوات جديدة

التحقت بشرى بكلية الآداب بجامعة صنعاء، لتحصل على درجة البكالوريوس بمجال علم النفس عام 2008، وفي 2012 حصلت على شهادة تمهيدي ماجستير.

تحكي بشرى تجربتها في هذه المرحلة: "كان لأسرتي، وخصوصًا أختي سلوى، دورٌ كبير في تشجيعي ودعمي طوال سنوات دراستي، إذ حولت سلوى تخصصها من قسم الأحياء إلى قسم علم النفس لتكون رفيقتي في مسيرتي التعليمية وعينيَّ التي أبصر بهما الطريق".

لم تتوقف طموحات بشرى المحفدي عند الدراسة فقط، بل انطلقت بفضل جمعية الأمان لرعاية الكفيفات في المجال التطوعي والاجتماعي، حيث عملت مسؤولة للعلاقات العامة مدة ثماني سنوات، لتثبت وجودها وتترك بصمتها من خلال مشاركاتها في العديد من الفعاليات المحلية والدولية في كلٍّ من سلطنة عُمان وسوريا والكويت وقطر وتركيا والأردن، التي حرصت من خلالها على إيصال رسالة الكفيفات.

اتسعت آمال بشرى وتوسعت أهدافها في تقديم خدمات اجتماعية شملت كافة فئات المجتمع، خاصة المرأة والطفل، فجاءت فكرة إنشاء مؤسسة رمز للتنمية في العام 2016، بعد سنوات من الصبر والكفاح والتعلم، لتبدأ مشوارًا جديدًا في العمل الاجتماعي، بصفتها قائدة مفعمة بالعزيمة وحب العمل والعطاء.

إنجازات ملموسة 

آمنت المحفدي بأهمية العمل الاجتماعي، واستطاعت من خلال قيادتها لمؤسسة رمز للتنمية من تحقيق العديد من الإنجازات والمشاريع التي تخدم المجتمع بكل شرائحه، حيث بلغت أكثر من (16) مشروعًا، استفاد منها أكثر من مئة وسبعين ألف مستفيد، أهم تلك المشاريع تقديم العون القانوني لأكثر من (80) امرأة ضمن مشروع التأييد والمساندة، وتقديم العون القانوني للنساء.

وفي مجال الإعلام، تم تأسيس إذاعة إلكترونية تهتم بمناصرة قضايا النساء، تجاوز عدد متابعيها (49) ألف متابع وسبعة ملايين زيارة.

أيضًا، تأسيس إذاعة (رمز fm) خلال العام 2024، التي تعد أول إذاعة مجتمعية تهتم بقضايا النساء، وتناقشها في المجالات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية والثقافية، إلى جانب اهتمامهم بقضايا النساء من ذوات الإعاقة.

بالإضافة إلى ذلك، عملت المحفدي عبر مؤسسة رمز، على إنشاء إذاعة إلكترونية تهتم بالأطفال، من خلال تقديمها العديد من البرامج التعليمية والثقافية والترفيهية لهم.

أما في مجال الأمن الغذائي فقد نفّذت مؤسستها العديدَ من المشاريع، بلغ عدد المستفيدين أكثر من مئة ألف مستفيد، وفي مجال الصحة تم تنفيذ مجموعة من المشاريع، منها: (12) مخيمًا طبيًّا لجراحة وإزالة المياه البيضاء، وزراعة العدسات، وكذا عمليات استئصال اللوزتين للأطفال ما دون سن السابعة عشرة، حيث بلغ عدد المستفيدين من المشاريع الصحية (2497) مستفيدًا.

وفي مجال المياه والإصحاح البيئي، نفذت مؤسسة رمز للتنمية بقيادة المحفدي مشاريع في مجال إعادة تأهيل وتشغيل الآبار، استفاد منها أكثر من (30,000) مستفيد.

وكان للتعليم نصيب من اهتمامات وأنشطة المحفدي، تنوّعت ما بين توزيع الحقيبة المدرسية وبناء الفصول الدراسية، وتأهيل مركز للمكفوفين بجامعة تعز، إذ بلغ عدد الطلاب المستفيدين (7558) مستفيدًا.

نقطة ابتداء

لم تكن رحلة حياة بشرى المحفدي سهلة وممهدة، بل كانت رحلة شاقة ومميزة في الوقت نفسه، استثمرت فيها المحفدي طاقتها وقدراتها لتصنع قصة نجاح مثيرة تستحق الوقوف عليها والتأمل في محطاتها التي استطاعت خلالها تحويل المحن إلى منح.

وفي جعبة المحفدي، ما تزال هناك الكثير من الطموحات والأمنيات التي تسعى لتحقيقها، وفي مقدمتها بناء علاقات مع العديد من الجهات المحلية والدولية، حكومية وأهلية، حتى تستطيع تقديم خدمات للمحتاجين للمساندة والمساهمة في تنمية المجتمع.

من هي بشرى؟

بشرى صالح المحفدي، من مواليد صنعاء 1977، رئيس ومؤسس مؤسسة رمز للتنمية، حاصلة على شهادة تمهيدي ماجستير في علم النفس عام 2012، وبكالوريوس علم نفس عام 2008، عضو مؤسس في الفريق الإعلامي المساند للشبكة اليمنية لمناصرة قضايا المرأة والطفل وذوي الإعاقة، وعضو مؤسس في مركز ابني للتوحد، وعضو الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمكفوفين، وعضو اتحاد مركز بناء للتدريب والاستشارات، ومدير إدارة العلاقات العامة في جمعية الأمان لرعاية الكفيفات.

•••
نبيهة محضور

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English