بدأ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، حياته المهنية مدرّساً في إحدى مدارس مديرية مودية بمحافظة أبين، ومن حقل التعليم دخل عالم السياسة، على إثر اندلاع ثورة 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963، وصولاً إلى تولي رئاسة جمهورية اليمن الديمقراطية (الشطر الجنوبي من اليمن) في العام 1980. استمرت فترة رئاسته حتى يناير/ كانون ثاني 1986، بعد اندلاع "أحداث 13 يناير" الأليمة، ليغادر عدن إلى صنعاء، ثم إلى دمشق، حيث ظل ينشط من هناك لسنوات، ضمن مركز للبحوث والدراسات أسسه في العاصمة السورية.
في هذا الحوار، الذي تنفرد به "خيوط"، يتحدث الرئيس علي ناصر محمد، عن الكثير من تفاصيل الوضع الراهن، معرجاً على أحداث تاريخية ومورداً رؤيته السياسية للتسوية وإيقاف الحرب.
- في البداية وبالنظر لما تشهده اليمن من حرب وصراع طاحن وصل لمستويات خطيرة مزقت كيان الدولة وتهدد بتمزيق جغرافية البلاد؛ أين يقف الرئيس علي ناصر محمد مما يجري؟ وكيف تقرؤون ما يدور في اليمن من خلال ما عايشتموه كسياسي ومسؤول حزبي ورئيس أسبق؟
- لستُ في حاجة إلى تأكيد ما هو واضح للعيان من تدمير الدولة ومؤسساتها ونسيجها الاجتماعي، وانهيار الاقتصاد والعملة والقيم والأخلاق...، فهذه نتيجة معروفة ومؤكدة لكل حرب، ولهذه الحرب، بصورة جلية وواضحة لا تخفى على أحد. لكن الأخطر أن الحرب أدت إلى انقسام عمودي وجغرافي خطير بحيث صار اليوم في اليمن أكثر من رئيس وأكثر من حكومة وأكثر من جيش، كما أسلفت، كلٌّ منهم يدعي السيادة على جزء أو كل اليمن، في حين لا أحد منهم يملك السيادة أو القرار، حتى فيما هو تحت يديه بحكم الأمر الواقع، فالسيادة للشعب وحده ولصناديق الانتخابات.
كنا نتمنى أن يحتكم الكل للحوار، لإخراج اليمن من هذه الكارثة التي لم يعرف اليمن في تاريخه مثيلًا لها، فقد ألحقت أضرارًا بالبشر والشجر والحجر، ولم تنجُ منها حتى الآثار التاريخية في بلادنا، ولهذا فإننا نطالب كل الحكماء في اليمن والمنطقة، بوضع حدٍّ لما يجري في بلادنا وإيقاف هذه الحرب العبثية والمدمرة، التي هي امتداد للحروب في سورية وليبيا والعراق والصومال والسودان وغيرها، والتي لا يستفيد منها إلّا أعداء الأمة العربية، وفي المقدمة إسرائيل.
- كررتم كثيرًا مؤخرًا، في كتاباتكم وأحاديثكم الإعلامية والصحفية، القول إن اليمن يدفع ثمن موقعه الاستراتيجي المتميز عبر التاريخ، إلى أي مدى يندرج ما يجري حاليًّا برأيكم، من حرب وصراع، في سياق هذه الأهمية الجغرافية ومحورية هذا الموقع بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية؟
- لقد أكدتُ أكثر من مرة، كما أشرتم، على أهمية الموقع الاستراتيجي لليمن في بحر العرب والمحيط الهندي وباب المندب والبحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهذه حقيقة جيوستراتيجية، تؤكدها حقائق الجغرافيا والتاريخ والصراع في الماضي والحاضر وأيضًا في المستقبل، على اليمن، الذي يدفع ثمن هذا الموقع عبر التاريخ منذ غزو الأحباش والفرس والبرتغاليين والهولنديين والفرنسيين والأتراك والبريطانيين.
أنت تملك هذا الموقع الاستراتيجي الذي يتحكم في البوابة الجنوبية لقناة السويس، الذي تمر منه أهم صادرات العالم من نفط وتجارة بين الشرق والغرب في منطقة تنتج ثلثي استهلاك العالم من النفط، وما يجري حاليًّا يندرج في إطار هذه الرؤيا نفسها. وإلى جانب الموقع، هناك الثروات الكامنة، والموانئ والجزر التي تحتل مكانة مهمة في استراتيجيات دول إقليمية ودولية. ولكن شعبنا كان عصيًّا عبر تاريخه في مواجهة الغزاة وقهر الطغاة.
ما حصل عام 1986، [أحداث 13 يناير] هو امتداد للصراعات منذ 1967، وحتى قيام الوحدة، ونحن جميعًا مسؤولون عن ذلك، والأهم أن نستفيد من دروس وعبر هذه الصراعات.
وإضافة للموقع الاستراتيجي المهم، فإن الشعب اليمني صاحب حضارة وتاريخ عريق، ويعتبر أكثر شعوب المنطقة تعدادًا، وبما يمتلكه من ثروات هائلة لم تُستثمر بسبب الحروب، فإنه مؤهل للعب دور كبير يخشاه البعض. وهناك من يحاول إضعاف هذا الشعب وتمزيق نسيجه الاجتماعي مع أن التفكير المنطقي يؤكد إدراكًا من دول الإقليم أن استقرار اليمن هو استقرار للمنطقة كلها، وأن عليهم التفكير بإدماج اليمن في عمليات التنمية والأمن، بحيث يكون ضمن رؤية شاملة للحفاظ على الأمن القومي العربي.
- لماذا فضل الرئيس علي ناصر محمد التواري عن المشهد العام منذ أحداث يناير 1986؟ هل لتلك الأحداث سبب في ذلك، وما الذي يريد الرئيس الأسبق، الذي كان أحد أقطاب تلك المرحلة، قوله في تلك الأحداث المشؤومة، وهل بالإمكان أن تنسحب هذه الأحداث على ما يجري مؤخرًا من صراع في المحافظات الجنوبية بين حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي الجنوبي؟
هناك من يريد اجترار صراعات الماضي في الجنوب، وتوظيفها واستثمارها لحسابات سياسية راهنة، لتصفية حسابات وتحقيق مكاسب. وهذا البعض أزعجه عملية التصالح والتسامح الجنوبي التي جرت في عام 2006، التي انطلقت من جمعية أبناء ردفان في عدن، والنتائج المبهرة التي نتجت عنها وأهمها الحراك السلمي الشعبي الجنوبي، الذي غير معادلة الصراع وجعل القضية الجنوبية العادلة في صلب القضايا التي ينبغي أن تجد حلًّا عادلًا لها، وجعل الحراك الجنوبي رقمًا صعبًا يصعب تجاوزه في أي حلّ لأزمة اليمن محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، كما برهنت عليه الأحداث والتطورات. وهؤلاء البعض يهمهم تقويض هذا التطور في مصالحة الجنوبيين، وإعادتهم إلى مربع الصراعات السابقة، لهذا يعملون كل ما في جهدهم لمنع أي تقارب بينهم، ويفسرون أي اختلاف مهما كان نوعه، وهو أمر طبيعي في العمل السياسي، في مربع أحداث يناير، وحرفه في هذا الاتجاه المناطقي المقيت، وهؤلاء يلعبون بالنار ولا يستفيدون من دروس التاريخ. وما حصل عام 1986، هو امتداد للصراعات منذ 1967، وحتى قيام الوحدة، ونحن جميعًا مسؤولون عن ذلك، والأهم أن نستفيد من دروس وعبر هذه الصراعات.
نحن لم نتوارَ عن المشهد العام في اليمن بعد 1986، وغادرنا السلطة، ولكننا لم نغادر الوطن والمشهد السياسي، فنحن حاضرون فيه بقوة ومؤثرون فيه بالإيجاب طوال هذه السنوات، رغم أن كثيرين حاولوا بكل الطرق، بما في ذلك محاولات الاغتيال، إبعادنا عن المشهد السياسي اليمني.
إن مغادرة السلطة لا تعني نهاية الحياة بالنسبة لنا، فلم يتوقف نشاطنا السياسي وعملنا الثقافي والإعلامي حتى اليوم، ولا صلتنا بالوطن والأحداث التي تجري فيه، ولكن في اتجاه التأثير الإيجابي لا السلبي عن طريق البحث عن حلول للأزمات التي يتعرض لها، بما في ذلك الأزمة والحرب الحالية. وفي كل ما نقوم به ننأى بأنفسنا بأن نكون جزءًا من مشاكله شمالًا أو جنوبًا. وفي كل لقاءاتنا مع القوى السياسية والاجتماعية اليمنية ومع دول الإقليم ومع ممثلي الأمم المتحدة وسفراء الدول الكبرى، نؤكد على هذا المفهوم، وهو مصلحة اليمن والمنطقة وتحقيق الأمن والاستقرار.
أما ما يحدث اليوم من خلافات فهي في جزء منها امتداد للصراعات التي مرّ بها الجنوب واليمن، وفي جزء آخر بسبب التدخل الإقليمي والدولي الذي يغذي النزاعات المحلية لإدامة أمد الحرب وتحقيق أهدافه منها.
- ما هو تقديركم لـ"اتفاق الرياض"، وحيثياته وآفاق تنفيذه؟
- نحن نبارك أي اتفاق لوقف الحرب وإنهاء الصراع في بلادنا، سواء في الجنوب أو في الشمال، ونأمل أن يجد هذا الاتفاق وغيره، كـ"اتفاق ستوكهولم" طريقه إلى التنفيذ، فقد مرّ على هذا الاتفاق أكثر من عشرة أشهر، كما هو معروف، ولم يجد طريقه إلى التنفيذ بعد.
ما يتعلق بتقرير مصير دولة الجنوب، فمن الممكن أن تعالج وفقًا لمخرجات "مؤتمر القاهرة" الذي أكد على دولة اتحادية من إقليمين لفترة مزمّنة، وبعدها يجري استفتاء على حق تقرير المصير، سواء بالوحدة أو الفيدرالية أو فك الارتباط
نأمل من دول التحالف [العربي]، أصحاب القرار في اليمن والمنطقة، أن يساعدوا الشعب اليمني على أن يتجاوز هذه الأزمة، وهم يستطيعون لو أرادوا ذلك؛ لأن الموقعين على هذا الاتفاق ليسوا هم أصحاب قرار.
- هل ترون أن المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل فعليًّا جنوب الوطن بكل أطيافه ومكوناته السياسية والاجتماعية؟ وكيف ترى ما ينتهجه في ظل الوضع الراهن الذي تمر به اليمن؟ ما هو تقديركم لمسلكه السياسي في المناطق التي باتت خاضعة لسلطته؟
- في العمل السياسي، وفي بعض المراحل، تبرز إلى الساحة مكونات سياسية تمثل إرادة الجماهير في تحقيق هدفٍ ما، ففي الوضع الراهن برز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية في الجنوب، لكنه ليس الوحيد في الساحة، فهناك مكونات لا تنضوي في إطار المجلس، تتفق أو تختلف معه في رؤيته وسياساته أو في طبيعة أدائه، والمجلس الانتقالي نفسه يعترف بوجود قوى جنوبية أخرى ويدعو للحوار معها، من أجل توحيد الصف الجنوبي، ونحن نبارك ذلك.
- هل تلتقون مع قيادات المجلس الانتقالي؟
- التقيت لأول مرة مع قيادة المجلس الانتقالي جميعهم في مايو 2018، وجرى حديث عن الماضي والحاضر والمستقبل، وقدمنا لهم خلاله مشروعنا الوطني للحل، الذي يعتمد في أساسه على مخرجات مؤتمر القاهرة. واقترحنا أن يكون المشروع والمبادرة التي قدمناها أساسًا للحوار معهم. وقلنا لا مانع لدينا من إضافة أي شيء من جانبهم على جدول أعمال اللقاء، وتحدثنا حول جميع الخيارات لمصلحة الوطن والمواطن، ولا أُخفي أنه كان هناك تباين في وجهات النظر. واتفقنا على مواصلة الحوار حرصًا منا على استمرار العلاقة معهم، ونحن ما زلنا على تواصل معهم حتى اليوم. فنحن كنا وما زلنا على اتصال مع كافة القوى السياسية في الجنوب والشمال ولسنا طرفًا في الصراع، وانحيازنا هو للوطن والشعب في اليمن.
أما ما يتعلق بتقرير مصير دولة الجنوب، فمن الممكن أن تعالج، من وجهة نظرنا، وفقًا لمخرجات "مؤتمر القاهرة" الذي أكد على دولة اتحادية من إقليمين لفترة مزمّنة وبعدها يجري استفتاء على حق تقرير المصير، سواء بالوحدة أو الفيدرالية أو فك الارتباط.
- كيف يرى الرئيس علي ناصر محمد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وما الأفق والمستقبل السياسي الذي يراه لهذه الجماعة؟ كيف هي علاقتكم بالجماعة وهل أنتم على اتصال بزعيمها عبدالملك الحوثي؟
- تعرفت وتواصلت مع بعض جماعة أنصار الله في دمشق وصنعاء وبرلين عندما كان يحيى الحوثي، شقيق السيد عبدالملك لاجئًا فيها. كما التقيت بعدد منهم لاحقًا في لبنان وسلطنة عُمان، وهذه اللقاءات، معهم أو مع غيرهم من المكونات والقوى السياسية في اليمن، معلنة وليست سرًّا.
أنصار الله اليوم يحكمون صنعاء وبعض المناطق الأخرى منذ 2015، وقد أكدتُ أكثر من مرة أنه لا يمكن لـ"أنصار الله" أو لـ"الانتقالي" أو "الشرعية" أو "الإصلاح"، أن يحكم بمفرده، كما لسنا مع إقصاء أي مكون من المشاركة في السلطة، فهي تتسع للجميع. اليمن بحاجة إلى مشروع وطني توافقي ورئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد، وهذا ما أكدنا عليه في المبادرة التي قدمناها في "مؤتمر فالداي" في موسكو، وحظيت بمباركة معظم القوى السياسية في اليمن والأمم المتحدة والجامعة العربية. وأهم بنود هذه المبادرة هو وقف الحرب، واستعادة الدولة وسحب الأسلحة، وبناء جيش وطني وحكومة وحدة وطنية، والاستفتاء لاحقًا على تقرير المصير لشعب الجنوب. أما أي خيارات أخرى غير مدروسة وغير واقعية، فإنها ستلحق الضرر بأمن اليمن واستقراره واستقرار دول المنطقة، ولن يكتب لها النجاح.
- ما الأثر الذي تركه غياب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على المشهد السياسي الراهن؟ وما حجم المسؤولية الذي يتحملها بوصفه رئيسًا لأطول فترة زمنية "جنوبًا وشمالًا"، فيما آلت إليه الأوضاع في البلاد؟
- حكم الرئيس علي عبد الله صالح - على رؤوس الثعابين، كما كان يردد دائمًا - من عام 1978، وحتى 2012، وامتد تأثيره حتى وفاته، وقد حكم لفترة أطول من فترة حكم الإمام أحمد والسلال والإرياني والحمدي والغشمي مجتمعين، ولا ننكر مساهماته في وقف الحروب بين الشمال والجنوب، وفي الحوار من أجل الوصول إلى الوحدة المتدرجة. فقد أقمنا المجلس اليمني الأعلى عام 1981، وأنجزنا دستور الوحدة في العام نفسه، وأقمنا المشاريع المشتركة والمناهج المشتركة لمادتي التاريخ والجغرافيا وغيرها على طريق الوحدة اليمنية.
كما أنه ساهم في تحقيق الوحدة اليمنية بطريقته بعد ذهابه إلى عدن نهاية 1989، والاتفاق مع علي سالم البيض في نفَق جولد مور على تحقيق وحدة اليمن، كما هو معروف. وتوّج هذا الاتفاق بإعلان قيام الوحدة في 22 مايو 1990، دون الاستفتاء عليها - عكس ما نص عليه الدستور - ورغم ذلك فقد باركنا وباركَت الجماهيرُ قيامها، باعتبارها مخرجًا لكل الصراعات والحروب التي مر بها اليمن وأهمها حربي 1972 و1979، وحروب المنطقة الوسطى، كما يعد انتصارًا لإرادة الشعب الذي كان يناضل من أجل تحقيقها.
ينبغي احترام إرادة شعب الجنوب؛ ففي المرة الأولى جرى سوقه إلى الوحدة دون أخذ رأيه وطلب الاستفتاء عليه، وفي المرة الثانية جرى إخراجه من الوحدة دون موافقته، وفي المرتين دفع الثمن غاليًّا؛ ثمن الوحدة وثمن الانفصال، فلماذا لانترك له الخيار هذه المرة ويكون مسؤولاً عن اختياره؟!
وكنا نتمنى أن تكلل اتفاقات الوحدة بتحقيق الرخاء والأمن والاستقرار والازدهار في اليمن والمنطقة، كغيرنا من الشعوب في المنطقة والعالم، ولكن ذلك لم يتحقق؛ لأن بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية لا تريد لليمن هذا الاستقرار والرخاء وقيام دولة قوية في المنطقة، لما تتمتع به اليمن من موقع استراتيجي كما أشرنا آنفًا، ما أدى إلى حرب الانفصال 1994، التي تركت جرحًا في جسم الوحدة الوطنية واليمنية، وكان المنتصر فيها مهزوم، كما جرى بعدها إقصاء وتسريح آلاف الكوادر العسكرية والمدنية التي كانت تعتمد في مصدر رزقها وحياتها على هذه الوظائف، وما سمي حينها "حزب خليك في البيت"، وقد ارتفعت بعد ذلك الأصوات للمطالبة بالتغيير والإصلاح والعودة إلى وظائفهم، كما كان البعض يطالب بإصلاح مسار الوحدة، ولكن النظام حينها لم يستجب لذلك، مما أدى قيام التصالح والتسامح من جمعية أبناء ردفان 2006، وبعدها انطلق الحراك السلمي الجنوبي 2007، للمطالبة بإسقاط النظام. كما انطلق في صنعاء حراك سلمي لشباب التغيير يطالبون بإسقاط النظام وهذا ما حدث في 2012، بإقصاء علي عبدالله صالح الذي لم يمتلك مشروعًا وطنيًّا لبناء دولة وطنية ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات، بل إن البعض من قيادة المؤتمر طالبه بتصفير العداد.
العام الماضي قدمنا مبادرة للإخوة في الإمارات والسعودية، ورحبوا واتفقنا على إنجازها في مدة أقصاها ستة أشهر، وأجرينا بعدها اتصالات أبلغنا نتائجها لقيادة التحالف فشكروا جهودنا، لكنهم أبلغونا بعد ذلك بأن هناك رأي آخر مختلف عن اتفاقنا السابق معهم.
- ما موقف السيد الرئيس من فكرة الانفصال بوصفها حلًّا أمثلَ لمعالجة القضية الجنوبية لدى أطراف سياسية في الجنوب تحديدًا؟
- كما سبق وأن أجبتُ في معرض جواب على سؤال سابق، فإن موقفنا قد عبرنا عنه في مشروع "مؤتمر القاهرة"، الذي تبنّى حل الفيدرالية الاتحادية من إقليمين، مزمّنة بفترة انتقالية، يعقبها استفتاء شعب الجنوب على حق المصير، وهذا يشمل البقاء في دولة الوحدة أو الفيدرالية أو قيام دولة في الجنوب. ونحن مع ما يختاره الشعب، وينبغي احترام إرادته، ففي المرة الأولى جرى سوقه إلى الوحدة دون أخذ رأيه وطلب الاستفتاء عليه. وفي المرة الثانية جرى إخراجه من الوحدة دون موافقته. وفي المرتين دفع الثمن غاليًّا، ثمن الوحدة وثمن الانفصال، فلماذا لانترك له الخيار هذه المرة ويكون مسؤولًا عن اختياره؟!
- هل ما يزال الرئيس علي ناصر محمد على تواصل مع الأطراف اليمنية التي تخوض النزاع الراهن منذ ما يزيد عن خمس سنوات، ولماذا تظل شخصيات بارزة، تحظى بقبول واحترام جميع الأطراف، في موقف المتفرج مما يدور، في ظل حاجة البلاد لمختلف الجهود التي بالإمكان أن تقوم بها شخصيات يمنية، لإيقاف كل هذا الصراع؟
- نعم نحن على تواصل مع كافة الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية من أجل الوصول إلى حل سياسي توافقي في اليمن. وقد بذلنا جهودًا كبيرة منذ قيام الحرب وحتى اليوم من أجل وضع حد لإنهاء الصراع وحقن الدماء، وتحقيق الأمن والاستقرار في بلدنا العزيز والجريح، وفي المنطقة بشكل عام. ونحن لسنا في موقف المتفرج مما يحدث، وإذا كان هناك أشخاص آخرون يقفون موقف المتفرج من الصراع، فربما تملّكهم اليأس ولا يرون ثمة أمل. أما بالنسبة لنا فما زال لدينا بارقة أمل، حتى لو كانت قليلة، سنتمسك بها ونعوّل على العناصر الخيّرة في اليمن التي يهمها مصلحة الشعب اليمني وأمنه واستقراره.
- ما الذي يمكن أن يقوله الرئيس علي ناصر محمد، في ضوء الوضع الراهن، لدول "التحالف العربي" أو بالأخص، للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال تجاربكم السابقة في التعامل مع هذه الدول وغيرها وعلاقتها باليمن؟
- سبق وتحدثنا منذ بداية الحرب وما قبلها وما بعدها مع الإخوة في دول التحالف [العربي] وطالبناهم بوقف الحرب، والاحتكام إلى لغة الحوار لما فيه مصلحة اليمن ودول المنطقة، وقدمنا لهم أكثر من مبادرة للحل السياسي للأزمة في اليمن وكان آخرها العام الماضي [2019]، حين قدّمنا مبادرة للإخوة في الإمارات والسعودية، ورحبوا واتفقنا على إنجازها في مدة أقصاها 6 أشهر، وأجرينا بعدها اتصالات مع بعض القيادات اليمنية في الإمارات ومصر ولبنان والأردن، وكذلك مع المبعوث الأممي والأمين العام لجامعة الدول العربية. ورحب معظمهم بهذه المبادرة، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر يمني جامع في جامعة الدول العربية، وبرعاية الأمين العام للجامعة والمبعوث الأممي ودول التحالف. وأبلغنا نتائج هذه الاتصالات بعد ستة أشهر لقيادة التحالف، وقد شكروا لنا جهودنا، ولكنهم أبلغونا بعد ذلك بأن هناك رأي آخر مختلف عن اتفاقنا السابق معهم.
حينها تأكد لي أن قرار وقف الحرب لم يُتخذ بعد ممن يملكون سلطة القرار، وأن الحرب ستطول، وأن تجار الحروب لا يريدون نهاية لهذه الحرب، وهم بالمناسبة محليون وإقليميون ودوليون!
- اليمنيون أدركهم الإنهاك، والمعاناة الإنسانية وصلت إلى مستوى مأساة تشمل جميع سكان اليمن، هل من مقترحات محددة يمكن أن يقدمها الرئيس علي ناصر محمد، عبر منصة "خيوط"، لإيقاف الحرب بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية؟ وما الذي تحتاجه البلاد لاستئناف الحياة وإنقاذ مستقبل الأجيال القادمة؟
- تقدمنا بالعديد من المبادرات للحل وكان آخرها في شهر يوليو من العام الماضي [2019]، وقد وردنا على ذكرها في جواب السؤال السابق.
- في العيد الـ58 لثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، بعث الرئيس علي ناصر محمد بخطاب ألقي نيابة عنه، في فعالية أقيمت بالمناسبة في مودية؛ يذكر الرئيس في هذا الخطاب أين كان يوم أعلن عن ثورة سبتمبر 62، وكيف استقبل أهالي مودية خبر الثورة، وكيف توالت نضالاتهم، وصولًا إلى ثورة 14 أكتوبر/ تشرين أول 1963. في الواقع، هناك أكثر من سؤال نودّ توجيهه لسيادتكم عن هذا الخطاب، وأولها:
- ما هي الرسائل السياسية التي أراد الرئيس علي ناصر توجيهها من خلال هذا الخطاب؟ ولماذا انحصر استحضار روح الثورة في "أهل دثينة"؟
- لقد تم الاتصال بي من منظمي فعالية 26 سبتمبر، في مودية وطُلب مني توجيه كلمة في هذه المناسبة، وقد لبيتُ الدعوة ووجهتُ رسالة بصوتي للمواطنين في "دثينة" ولشعبنا اليمني، تحدثنا فيها عن ذكرياتنا حين أُعلن عن قيام ثورة 26 سبتمبر، وكيف اعتبرنا قيام الثورة في صنعاء هو انتصار لشعبنا المناضل في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني. وخرج الطلاب والمدرسون والفلاحون والموظفون في "دثينة" في مظاهرات، تأييدًا لقيام الثورة، ولم تستطع السلطات حينها إيقاف هذه المظاهرة. وكان لـ"دثينة" وضعها الخاص في الجنوب، فلم تحتكم لسلطان أو شيخ أو أمير، بعكس ما كانت عليه محميات الجنوب الأخرى من عدن إلى المهرة. ولهذا فقد حاول البريطانيون ترويضها وضمها إلى السلطنة الفضلية أو السلطنة العوذلية، ولكن الشعب في "دثينة" رفض ذلك، كما قال الشاعر محمد علي فضل الصالحي أمام السلطات البريطانية والمحلية في قصيدته:
البنت حاضي عند أبوها وأمها ما حد ملَكها من زمن آدم ونوح
وقد يكون فيها نوع من المبالغة عن تاريخ "دثينة" ومن حكمها في الماضي، ولكنه كان يعبر عن رفض سكان هذه المنطقة للاحتلال البريطاني، وأيضًا لضمها إلى أي سلطنة أو مشيخة، وقد أُطلقت عليها في مرحلة معينة "جمهورية دثينة" لمدة حوالي 5 سنوات.
- وما هي قراءتكم للأحاديث والفعاليات التي يتم فيها استدعاء زمن السلطنات التي حكمت الجنوب قبل ثورة 14 أكتوبر/ تشرين أول، وتلاشى حكمها بعد الاستقلال في 1967؟
- من الصعب جدًّا العودة إلى حكم السلاطين والمشايخ والإمارات في الجنوب ولا لحكم الإمامة في الشمال، وقد تم تجاوزها بقيام الدولة في الجنوب وبعدها الوحدة اليمنية. حتى إن بعض السلاطين والمشايخ شاركوا في الثورة كالسلطان محمد بن عيدروس والسلطان فضل بن هرهرة والأمير جعبل بن حسين والسلطان أحمد عبدالله الفضلي وغيرهم. بل إن عبدالناصر قال عن السلطان أحمد الفضلي عندما انشق عن مؤتمر لندن عام 1964، الخاص بالجنوب وانتقل إلى روما والقاهرة والتقى بعبدالناصر: "إن السلطان أحمد الفضلي أقوى من وزير المستعمرات البريطانية". ويجب أن نعترف بأن السلاطين بعد خروجهم من الحكم والبعض من الجنوب 1967، لم يعارضوا النظام في عدن حتى قيام الوحدة.
- بالعودة إلى الخلف، ما الذي مثلته ثورتا اليمن "26 سبتمبر و14 أكتوبر"، إضافة إلى الاستقلال في 30 نوفمبر، من أهمية في تاريخ اليمن المعاصر على مستوى الشطرين سابقًا أو فيما بعد في تحقيق الوحدة اليمنية وتشكيل ذاكرة وهوية للبلاد؟
- إن قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر يعتبر انتصارًا لإرادة الشعب اليمني شماله وجنوبه في التغيير الذي كان ينشده شعبنا على مدى عشرات السنين وتحقيق الوحدة لاحقًا. كما كان يعتبر انتصارًا لمصر عبدالناصر، كرد على انفصال سورية ومصر، وحينها اتُّهمت بعض الدول العربية وأميركا وبريطانيا والدول الغربية الأخرى، بأنها كانت وراء الانفصال، حيث كانت تعتبر قيام الوحدة بجناحيها في آسيا وأفريقيا، خطرًا عليها وعلى إسرائيل. وكان الرد سريعًا من وجهة نظر الزعيم جمال عبدالناصر بنقل المعركة ضد الاستعمار البريطاني في عدن وحماية النظام الجمهوري في صنعاء من الخطر الذي كان يهدده من دول المنطقة وأميركا. وكان موقفًا استراتيجيًّا من الزعيم جمال عبدالناصر في الوقوف إلى جانب اليمن، وقبلها ثورة المليون شهيد في الجزائر ضد الفرنسيين. وقد أثبتت التطورات صحة موقفه في حرب 1973، عندما وقفت اليمن الديمقراطية والجزائر وبقية الدول العربية إلى جانب مصر في حرب أكتوبر.
وبمناسبة أعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر، فإننا نتوجه عبركم، في نهاية هذه المقابلة، بأحرّ التهاني وأجملها لشعبنا العظيم، وخاصة بمناسبة الذكرى الـ 57 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، التي انطلقت شرارتها من جبال ردفان الشمّاء، وتوجت بالانتصار على قوات الاحتلال وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وإقامة الدولة الوطنية في الجنوب بقيادة المناضل قحطان محمد الشعبي ورفاقه المناضلين، وبذلك طويت مرحلة ونهاية الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
المجد والخلود لشهداء الثورة والانتفاضات الشعبية منذ الاحتلال إلى الاستقلال، والعمر المديد لكل المناضلين الذين شاركوا وعاصروا الملاحم البطولية لنضال شعبنا العظيم.