أعلن الروائي اليمني علي المقري (من مواليد 1966)، من العاصمة باريس، حصوله على وسام الفنون والآداب بدرجة فارس من الجمهورية الفرنسية، بحسب رسالة تلقاها، من وزير الثقافة الفرنسية السيدة روزلين باشلو. وحصل على هذا الوسام من قبل عدد من الأدباء والفنانين العالميين، مثل: نجيب محفوظ، وأنطونيو تابوكي، وأَلِف شفَق، وباولو كويلو، وجاكي شان، وجورج كلوني.
وكان الروائي المقري قد غادر الأراضي اليمنية في بداية الحرب الأخيرة، كما قال لبرنامج روافد على قناة العربية، لاستلام جائزة "الرواية العربية" التي فاز بها عن واحدة من رواياته، لكنه "سلّم نفسه لاحقًا بكامل رضاه" للعاصمة الفرنسية. مغادرة المقري هذه، لم تكن عادية، كما هو حال الكثير من اليمنيين الذين أرغمتهم ظروف الحرب على المغادرة، ففي مقابلة له مع منصة رصيفـ22، أوضح الروائي للصحفية نورا المقداد بورجار "أنه في الحقيقة لم يخرج مباشرةً إلى فرنسا، بل خرج أثناء الحرب حيث كانت هناك دعوة له إلى لندن لتوقيع ترجمة إحدى رواياته إلى الإنكليزية في المكتبة الوطنية في بريطانيا. ولكن لأسباب الحرب لم يستطع أن يحصل على التأشيرة، فذهب إلى جيبوتي، وهناك بقي عالقًا لمدة ثلاثة أشهر، فلم يستطع العودة إلى اليمن".
توجه المقري بعد ذلك إلى مصر، ومكث فيها ثلاثة أشهر، ومن ثَمّ ذهب إلى فرنسا، لكي يستلم جائزة أدبيّة عن إحدى رواياته. وبقي هناك؛ لأنه حصل على دعوة للإقامة الأدبيّة في فرنسا، ثمّ طالت الإقامة بسبب الحرب في اليمن.
وُلد المقري في محافظة تعز اليمنية، التي نالت نصيبًا وافرًا من التدمير، وبدأ حياته الأدبية شاعرًا، إذ صدرت له مجموعات شعرية منذ منتصف الثمانينيات؛ قبل أن يتوقف عنها ويتجه بشكل كلي لكتابة الأعمال الروائية. يقول المقري لمجلة العربي- الأمريكي: "لقد غادرت كتابة الشعر منذ أكثر من خمسة عشر عامًا وأعود إليه، فقط، لأقتبس كما قلت. الرواية تحتاج إلى هواجس يومية للاشتغال فيها فقط".
"لا يهم ما أسمع أثناء الكتابة، فأحيانًا أسمع موسيقى، وأحيانًا أفتح التلفزيون على برنامج أو نشرة أخبار، أو أشاهد فيلمًا، ثم أبدأ بالكتابة أثناء ذلك، فيظل التلفزيون مفتوحًا فيما أنا أكتب. لم أكتشف هذا التوافق إلّا أخيرًا، فبدا لي أن من المهم وجود صوت ما، بدرجة محددة، يعزلني عن الضجيج المحيط أو الصخب المفاجئ والمفزع".
وبحسب المجلة ذاتها؛ تُرجمت أعمال المقري إلى الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والكردية وغيرها، وتم اختيار روايتيه "طعم أسود رائحة سوداء"، و"اليهودي الحالي"، ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) في دورتي الجائزة 2009 و2011، كما حازت رواية "حرمة" بترجمتها الفرنسية على جائزة التنويه الخاص من جائزة معهد العالم العربي للرواية، ومؤسسة جان لوك لاغاردير في باريس 2015، واختيرت رواية "بخور عدني" في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015، وصدرت للمقري أيضًا رواية (بلاد القائد) عن دار المتوسط، ميلانو (2019).
طرق وعادات
أما عن عادات الكتابة لدى المقري، فيوجزها في رسالة إلكترونية إلى الكاتب السعودي عبدالله الداوود، والتي ضمّنها كتابه "طقوس الروائيين"، ج2، وصدرت طبعته الأولى في 2011:
"عادة يبدأ وقت الكتابة [عندي] في الخامسة عصرًا ويستمر، أحيانًا، إلى ما بعد منتصف الليل. هذا لا يعني أنه الوقت الذي يناسبني دائمًا، بل هو الوقت الذي يتوافق حاليًّا، إلى حدٍّ ما، مع الظروف الخاصة والمحيطة، إذْ يقل فيه حجم الصخب، وبالتالي يوفّر لي قدرًا من العزلة.
عدد ساعات الكتابة يتراوح ما بين أربع إلى عشر ساعات، وأحيانًا أقل أو أكثر، إذا لم توجد مشكلات متعلقة بقدراتي الصحية أو بالمسألة الكتابية، كأن يتمرد أحد الشخوص في الرواية من المسارات والسياقات المرسومة له سلفًا، فيموت فجأة، مثلًا، أو يرفض الموت.
بالنسبة لكتابة الشعر، فعادة تكون بعد سهر وأرق، تستدعيها هواجس اللحظات التي تسبق النوم. غالبًا ما يحدث ذلك في الظلام، بعد أن أطفئ الكهرباء استعدادًا للنوم. أتحسس أية ورقة أو قصاصة، أو هامش فراغ في جريدة، لأكتب وسط ظلام تامّ، محاولًا تنظيم الأسطر عشوائيًّا، وتوضيح الكلمات بقدر الإمكان. حين أنتهي قد أضيء الكهرباء، وأقرأ ما كتبت، فأكمل النواقص في شكل الكلمات، إذا ما ضاعت بعض الحروف، أو تداخلت الكلمات فظهرت كلمة فوق أخرى. أحيانًا أنام بهدوء مؤجلًا التدقيق إلى وقت آخر.
أكتب في البيت، في غرفة مخصصة لذلك، ولم أجرّب الكتابة في مكان آخر. أظن أن تغير المكان لا يؤثر إذا ما توفرت العوامل والمحفزات للكتابة. وأكتب بالقلم على الورق، وبعد انتهاء الكتاب أقوم بصفه على الكمبيوتر، بأصبع واحدة، كما اعتدت.
عادة تحفزني إلى الكتابة أقلام صغيرة الحجم وخفيفة، في السُّمك والريشة، إلى جانب ورق غير مسطر، بلون داكن، لا ينصع بالبياض. مع هذا، أثناء كتابتي "طعم أسود.. رائحة سوداء" تحرّرت من متطلبات كثيرة كنت أظنها ضرورية للكتابة، فالأخدام، الذين هم السود في اليمن (أي غير الخدم)، يعيشون حياتهم كيفما اتفق، بدون قواعد أو حدود، بدون عُقد أو عقيدة، بدون فخر بماضٍ أو علم بمستقبل، بل وبدون أقلام وورق، لهذا شعرت وأنا أحاول، في الكتاب، الاقتراب منهم، أنني قد تحرّرت، ليس من أشكال البناء السردي السائدة، فحسب، بل ومن عادة استخدام أدوات كتابية مألوفة ومحددة سلفًا. لا تتعلق المسألة لدي بلحظة الكتابة نفسها، بل باستعدادات سابقة تشمل الكثير من النواحي، ومنها نوع الغذاء والشراب.
لا يهم ما أسمع أثناء الكتابة، فأحيانًا أسمع موسيقى، وأحيانًا أفتح التلفزيون على برنامج أو نشرة أخبار، أو أشاهد فيلمًا، ثم أبدأ بالكتابة أثناء ذلك، فيظل التلفزيون مفتوحًا فيما أنا أكتب. لم أكتشف هذا التوافق إلّا أخيرًا، فبدا لي أنّ من المهم وجود صوت ما، بدرجة محددة، يعزلني عن الضجيج المحيط أو الصخب المفاجئ والمفزع، كصفقة باب في الجوار أو صراخ في الشارع، فمثل هذه الأصوات تقطع دفق الكتابة. بل هي، في أي وقت، تؤثر حتى على حال الاستعداد للكتابة، خصيصًا إذا ما حدثت بعد الاستيقاظ مباشرة من النوم.
قبل أن أكتب (اليهودي الحالي) قمت بعمل مخططات، وكتبت صفحات وأجزاء، وفي سنوات متباعدة، امتدت إلى ما يزيد عن عشر سنوات، لكنني حين بدأت أكتبها، في صياغتها الأخيرة، فإن ذلك لم يستغرق سوى بضعة شهور.
أظل في حال إعادة كتابة، على مستوى التنقيح والتدقيق، أثناء نقل النص من الورق إلى الكمبيوتر، وقبل أن أعتمد الصياغة الأخيرة. ولهذا قد أتخلص من صفحات وفقرات، أو أضيف أخرى.
قد يحدث أن تأتي فكرة مختلفة عن أجواء الكتاب الذي أعمل فيه، لكن ليس بشكل ملحّ ودائم. حينها أقوم بتأجيلها أو تدوين إشارات منها لعمل قادم قد لا يصبح ملحًّا فيما بعد.
تفاعلي مع ما أكتب لا يتعلّق بلحظة الكتابة نفسها، بل يشمل كل أيّام الكتابة ولياليها. يمكن القول إن أجواء الرواية تغطي كل وقتي، بما في ذلك وقت النوم، إذ تتداخل مع أحلامي أحيانًا. في كل الأوقات يبدو لي ما يشبه الصراع والحوار، سواء بين شخوص الرواية أنفسهم، أو بيني وبينهم. أثناء كتابة (اليهودي الحالي) فوجئت باقتراب الموت إلى فاطمة، بدون تخطيط سابق من قبلي، ولم أستطع أن أكتب الحدث. هربت إلى فضاء سردي آخر وأطلت في الكتابة، ثم قمت بعمل رسالتين إلى صديقين بالموبايل، أخبرهما بأنني في حال من التوتر والضيق والعجز عن كتابة حدث رهيب في النص الذي أعمل فيه، فتلقيت ردين مشجعين. مع هذا بقيت في مأتم لم أتجاوز أثره إلى الآن. بعد أن نشرت الرواية قال لي البعض إنه لم يستطع استيعاب موت فاطمة المباغت، وإن الواجب علي كان عدم تحقيق هذا الحدث. طبعًا، أتفهم مثل هذا القول، لكنني لم أكن أقدر على منع موت فاطمة، أو الوقوف دون تحقيقه، لقد كان، في الحال والتوقيت الذي ظهر فيهما، مباغتًا ومفاجئًا، بالنسبة لي أيضًا".
أجواء الكتابة
في مقابلة له مع "بديعة زيدان" في صحيفة "الأيام" نشرتها بتاريخ 30 مارس/ آذار 2014، يقول الروائي علي المقري: "نشرت الكثير من القصص قبل نشر الشعر الذي لم أعد أكتبه منذ عشر سنوات أو أكثر".
ويتحدث المقري عن الفترة التي سبقت كتابته للرواية، فيقول: "أعترف أنني واجهت مشكلات بنائية في كتابة الرواية، ولم أستطع حلها سوى بعد أن تجاوزتُ سن الأربعين. كان السؤال الذي يلحّ عليّ هو ما الذي يمكن أن أضيفه إلى المنجز الروائي المحلي والعالمي، وهل هناك ما يمكن روايته ولم يُروَ من قبل، إلى جانب إشكالية التقنية الفنية، وكيف يمكن تقديم سرديات لها خصوصية ثقافية مكانية تتعلق بالمجتمعات العربية".
وبالنسبة لانفتاح المقري على المقابلات الصحفية واللقاءات التلفزيونية، قال: "بعد روايتي الأولى، في الحقيقة، وبسبب الحرج من الأصدقاء، صار عليّ أن أستجيب لمقابلات صحافية وأظهر في برامج تلفزيونية، وأنا الخجول الذي لا أقوى على المكاشفة سوى مع نفسي".
وفيما يخص أجواء كتابة الرواية، حيث يتسم النص السردي لدى المقري بسقف حرية مرتفع، يضيف: "صحيح أنا أشعر بحرّية مطلقة أثناء الكتابة، لكنني لستُ حرًّا في الواقع، فالعملية الإبداعية ليست كتابية فقط، وإنما هي أيضًا نشر ومجتمع وقرّاء، وقد يتحول هؤلاء القرّاء إلى رقباء أشداء على الكاتب".
وفي لقاء آخر أجرته مع الروائي، صحيفةُ "عكاظ"، ونشر بتاريخ 27 نوفمبر 2012، كشف الروائي المقري عن أجواء كتابته لروايته "اليهودي الحالي": "بحثت عن هؤلاء «اليهُود» فصاروا جزءًا من انشغال دائم ظل ثلاثين سنة، أو أكثر قليلًا. بدا ذلك في زيارات مكررة إلى سكنى اليهود في اليمن، حتى صار أكثرهم أصدقائي.
أما عن روايته الأولى "رائحة سوداء طعم أسود"، قال علي المقري في لقاء مع ياسر عبدالباقي نشره موقع "الأمة برس" بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2008، ردًّا على سؤال: "أكانت روايتك مفاجأة لكثير من الزملاء، خاصة أنك معروف كشاعر وصحافي؟":
"بعضهم، من الأصدقاء، كان يعرف أن لدي روايات مخبأة، خاصة وقد نشرت قصصًا قصيرة كثيرة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي في صحف ومجلات: الحكمة واليمن الجديد والثقافة الجديدة والجمهورية والثورة. وكانت لدي مجموعة قصصية جاهزة للنشر، كتب عنها الدكتور عبدالعزيز المقالح في صحيفة "الثورة" عام 1986، ورسم غلافها الفنان حكيم العاقل. ولا أدري أين تبعثرت أوراقها".
وحول تأخره في إصدار روايته الأولى، مع أنه كتبها منذ سنوات طويلة، قال المقري:
"لم أكن قد اقتنعت بمستواها الفني، إلى جانب أنني كتبتها على الورق وتكاسلت عن صفّها في الكمبيوتر، إذ لا أحد سيعرف خطي وتعرجاته ليساعدني بذلك، مضت سنوات طويلة حتى قررت البدء بصف ونشر ثلاث روايات كتبتها في مراحل مختلفة".