في حمية النشاط الصحفي للشاب الذي كنته في صحيفة 14 أكتوبر، وقد أتيت إليها مساهمًا يريد قضاء إجازته السنوية في الثانوية العامة عام 1977، استوقفني بقامته الفارعة أمام باب غرفة مكتبه فيما كنت منهمكًا بالاواب بين مكتب مدير التحرير الأستاذ محمد عمر بحاح وباحة مكتب القسم الثقافي الذي يرأسه الأستاذ الراحل شكيب عوض.
واجهني بوجهه الطفولي البشوش والذي لا يخلو من مهابة كبار الصحفيين وفيما ضجيج صحفيي القسم الرياضي خلفه يعلو صوتهم كالعادة، قال لي:
- على أيش مستعجل يا ابني؟
قلت له: بلغت مدير التحرير أن لي مقالة عمود في الصفحة الأخيرة، وأريد أن أنجز الكتابة قبل انتهاء دوام الظهيرة.
وببراءته المعهودة رمى في وجهي طلبه الذي اعتبرته يومها غريبًا:
-تجي يا ابني نجيب تشتغل معنا في القسم الرياضي. أنت كاتب نشيط والصفحة الرياضية تبحث عن واحد مثلك، نشيط ومثابر وقلم صحفي مكتمل في كل شيء، في اللغة وتنوع الكتابات المنشورة من العمود إلى التحقيق الصحفي وغيره.
وأكمل طلبه معي مرسلًا إغراءاته التي ترمي ضمي إلى قائمة طاقمه الرياضي:
-شوف يا ابني نجيب، الكتابة الرياضية تكسب الصحفي شهرة واسعة؛ لأن الوسط الرياضي واسع والمهتمون بالرياضة كثيرون من كل الفئات، الكتابة الرياضية هي أكثر أنواع الصحافة انتشارًا بين جميع أوساط الناس.
واستكمل حديثه:
- وأنت ما شاء الله، منذ أن أتيت إلى الصحيفة خلال فترة قصيرة تكتب في الصحيفة يوميًّا، وأحيانًا تنشر مادتين في العدد الواحد، في الصفحة الثقافية وفي الصفحة الأخيرة.
قلت له: أستاذ فارع، أنا شاعر وأديب ولا علاقة لي بالرياضة وأهلها.
قال لي:
- جرب أن تكتب في الصفحة الرياضية وشوف كيف سوف تشتهر، الكتابة في الثقافة والأدب والشعر جمهورهم قليل عكس جمهور الرياضة، فكر يا ابني في الموضوع وأنا سأدعمك وأتبناك.
قلت مجاملًا الأستاذ الجليل، وفي داخلي رفض كامل للموضوع:
-إن شاء الله أدرس الموضوع وأبلغك بالرد.
وفيما أنا ذاهب إلى مكتبي لأكتب العمود المنتظر، داخلتني حمية الشاب الذي لم يدلف عتبة العشرين ربيعًا بعد، وقلت في نفسي: ما دخلي وشؤون الرياضة والكتابة عنها واقتحام ميدانها، وأنا الذي دخلت الصحيفة باعتباري المخصوص كأديب وشاعر، وليس حتى ككاتب صحفي أو مخبر في كتابة الخبر.
وساورتني الهواجس ودار بي شريط التذكر:
صحيح أنني أحب مشاهدة كرة القدم سواء في ملعب الشهيد (حامد) في الشيخ عثمان ومن مناصري بل ومن متعصبي نادي الهلال الرياضي في الستينيات والسبعينيات، النادي الذي يقع مقره خلف حافتنا في حارة الهاشمي.
وصحيح أيضًا أنني من متابعي مباريات كرة القدم العالمية، وخاصة ما كان يعرضه تلفزيون عدن في السبعينيات والثمانينيات لمباريات الدوري الألماني: بايرن ميونخ ومنشنجلادباخ، وليفركوزن، وهامبورج، وغيرها من مباريات الدوري الألماني التي كانت تبث في التلفزيون بالمجان من قبل أن تأتي القنوات الرياضية المشفرة.
والأدهى من ذلك، غرامي واندماجي لمشاهدة حلبات الفن النبيل (الملاكمة)، ولقد كان تلفزيون عدن يبث جولات الملاكمة للأسطورة العالمي محمد علي كلاي، فكان مشاهدتها من أمتع اللحظات، وكانت مباريات الملاكمة التي كانت تبث كل سبت أو ربما الأحد من التلفزيون تصيبني بجنون المتابعة والاندماج والانفعال معها، ولا يهمني عنف اللعبة، رغم ما يعاب على هذه الرياضة من خشونة وأحيانًا من مواقف دموية.
كان تلفزيون عدن قد شكل ذائقتنا الرياضية كما كان يشكّل ذائقتنا في الفن والغناء وحب المسرح والأفلام العربية والأجنبية والمسلسلات الأجنبية: الهارب، بونانزا، بين كيسي، القديس، والقائمة تطول.
واحدة من الألعاب الرياضية التي لم تكن تأخذ لبي ولا أستمتع كثيرًا بمشاهدتها، كانت رياضة المصارعة التي لم تجد لها في النفس مغرمًا رغم مداومتي على مشاهدتها كل جمعة من تلفزيون عدن بحكم العادة.
مرّ هذا الشريط من الذاكرة وأنا أقلب مفاجأة الأستاذ الجليل مؤسس الصفحة الرياضية في صحيفة 14 أكتوبر منذ نشأتها في عام 1968، وأبيها الروحي الأستاذ محمد عبدالله فارع.
الكتابة في الصفحة الرياضية
أبهجني قبل أن يفاجئني الأستاذ الكبير بهذه المسرة والتي اعتبرتها يومذاك ميزانًا لانتصار كفة نضارة قلمي وتأثيره على أساتذة في الصحافة، أمثال الأستاذ الفارع، وما هذا الطلب المفاجئ منه إلا تزكية لهذا النجاح لشاب واعد في عالم الكتابة ولا أقول في عالم الصحافة.
بلاط الصحافة يسحبك بهدوء ومرونة نحو إيوانه المغري ويأخذك بكل ألوان صولجانه، ولا ينفع معه أية مقاومة ناعمة أو خشنة للدفع به بعيدًا عن مساحتك الفارغة من المساحة الإبداعية التي تتوق إلى اللقاء بها.
إلا أنني تحت ضغط مشاعر النخوة الإبداعية الأدبية والشعرية، ومع حبي للرياضة وبالخصوص عالم الكرة المستديرة، استنكفت أن أعتبر نفسي كاتبًا صحفيًّا، فكيف أكون صحفيًّا رياضيًّا.
والحقيقة التي لا غبار عليها أن بلاط الصحافة يسحبك بهدوء ومرونة نحو إيوانه المغري، ويأخذك بكل ألوان صولجانه، ولا ينفع معه أية مقاومة ناعمة أو خشنة للدفع به بعيدًا عن مساحتك الفارغة من المساحة الإبداعية التي تتوق إلى اللقاء بها، ولكن عوامل الوظيفة والتبدلات في واقعك الخاص الذي يجره الواقع العام إلى المنطقة التي تخشى أن تبقى فيها، ومن دون دراية وبطعم العسل الملكي الحلو المذاق تجد نفسك، وأنت المنافح عن الشاعر والأديب في داخلك، تجد نفسك ترتقي في سلالم الصحافة من أول إغراء في الكتابة للصحافة الثقافية حتى تهوي علوًّا بعد ذلك في رئاسة الأقسام الثقافية وملحقاتها، حتى وصلت إلى قمة السلم في رئاسة التحرير. هذه مقاربة شخصية لمعاناة المثقف والأديب وهو ينجر طوعًا أو جبرًا إلى عالم صاحبة الجلالة!
تعاودني هذه المقاربة دومًا، واليوم وأنا أحلل ما جرى مع إغراء الأستاذ فارع: أن أصبح كاتبًا رياضيًّا!
بالطبع كان القرار الشخصي بالرفض المطلق، فقد كنت يومها أتفادى أن أكون صحفيًّا فكيف بي أصبح صحفيًّا في الرياضة. ظللت معاندًا وغير متقبل فكرة أن أدخل عالم الصحافة الرياضية؛ ولذلك مرت أيام وأنا أتفادى أن ألتقي الأستاذ الجليل الفارع في ردهة الصحيفة أو مكتب مدير التحرير الأستاذ محمد عمر بحاح أو سكرتير التحرير الأستاذ محبوب علي ليس خشية منه، ولكن تأدبًا في أن أرفض طلب أستاذ جليل مثله.
مسيرة كفاحية
من الطبيعي أن تظهر الصحافة الرياضية في عدن منذ أن تأسست الصحافة العدنية في الأربعينيات مع الصحيفة الرائدة (فتاة الجزيرة)، ومن بعدها في عديد من الصحف العدنية، وعلى رأسها صحيفة (الأيام).
الفارع شابًّا امتهن لعب كرة القدم في حواري مدينة التواهي هاويًا ثم لاعبًا مع نادي شباب التواهي وانغمس في عالم الكرة المستديرة، رغم توظّفه في عمل لا علاقة له بالرياضة وعالمها، (كمسري) في تحصيل الكهرباء، وهو عمل ميداني من منزل إلى آخر، حيث لقمة العيش التي توفرها هذه الوظيفة التي تعاكس طبيعته وتطلعاته.
لعب الفارع في شبابه في حواري التواهي ثم التحق لاعبًا في نادي شباب التواهي حتى توقف عن اللعب عام 1955، وتسنم مناصب عدة في النادي وقبله بعام دخل عالم الكتابة الرياضية.
اختار الشاب الفارع أن يكتب عن الرياضة ويمتهن الصحافة الرياضية، حيث ترأس القسم الرياضي أولًا في مجلة (الكفاح) غير المشهورة ثم ترأسه للقسم الرياضي في أعرق صحيفة عدنية (فتاة الجزيرة).
هكذا استمرّ الشاب محمد عبدالله فارع يؤسس لنفسه خطًّا إعلاميًّا في عالم الرياضة ويباشر بعض المهام الإدارية والقيادية في عدد من الأندية العدنية حتى جاء الاستقلال وقيام الدولة الوطنية الوليدة وبروز الإعلام والصحافة الرسمية على أنقاض الصحافة الأهلية، وهنا يبرز دوره في قيادة الصحافة الرياضية.
الفارع مؤسسًا لقسم الرياضة في (14 أكتوبر)
منذ تأسيس الصحيفة في 19 يناير 1968، وعلى مدى عمرها الـ(55) عامًا كانت الصفحة الرياضية يومية الصدور، ومثلها الصفحة الثقافية، وهذا أمر يحسب تاريخيًّا للصحيفة التي لم تشغلها التغطيات السياسية والحزبية والتنظيمية وطبيعة التقلبات السياسية والمتغيرات على الواقع والاهتمامات الآنية في الاقتصاد والتنمية عن الحفاظ على خطي الصفحتين الثابتتين: الرياضة والثقافة، في مسار تاريخ الصحيفة، وأصبح هذا المسار تقليدًا وعرفًا صحفيًّا لا يمكن التراجع عنه حتى في أصعب الظروف.
صحفيان كبيران استطاعا أن يجعلا من المواد الثقافية والرياضية مادة صحفية لا ينضب حبرها ولا تتيح أي فراغ في أي إصدار يومي، وجاهزة للمتابعة الصحفية الميدانية للأنشطة والفعاليات والكتابة الثابتة والمساهمات من جميع الكتّاب والصحفيين من داخل الصحيفة ومن خارجها.
وفي اعتقادي أنّ هذا الخط ظلّ ثابتًا في السياسة التحريرية لصحيفة (14 أكتوبر) عبر مختلف رئاسات التحرير التي تداولت عليها، ويرجع هذا التفرد إلى عقلية إدارات التحرير التي كانت تتمتع بحس صحفي وثقافي عام منذ الأيام الأولى لتأسيس الصحيفة، والتي كانت السياسة طاغية على المشهد العام ومنه الصحافة، كما يرجع هذا الثبات في إصدار الصفحتين يوميًّا إلى تسنم قيادة القسمين الرياضي والصحفي صحفيان رائدان عملا في الصحيفة كلًّا في مكانه، هما الأستاذان:
محمد عبدالله فارع في رئاسة القسم الرياضي، وشكيب عوض في رئاسة القسم الثقافي.
وهذان الصحفيان الكبيران استطاعا أن يجعلا من المواد الثقافية والرياضية مادة صحفية لا ينضب حبرها ولا تتيح أي فراغ في أي إصدار يومي وجاهزة للمتابعة الصحفية الميدانية للأنشطة والفعاليات والكتابة الثابتة والمساهمات من جميع الكتاب والصحفيين من داخل الصحيفة ومن خارجها.
كانت الصفحة الرياضية مكتظة بالأنشطة والتغطيات لمختلف الألعاب في الدوري العام وفي الرياضة المدرسية والألعاب الشعبية.
ضمت الصفحة الرياضية نخبة من الصحفيين الرياضيين، أمثال: حسين يوسف، وعوض بامدهف، وهاشم الوحصي، وناصر محمد عبدالله، وعلي ياسين، وعيدروس عبدالرحمن، والإعلامي الشامل محمد سعيد سالم، والقائمة طويلة وليعذرني البقية منهم.
كان القسم الرياضي هو القسم الصحفي الأكثر ضجيجًا وحماسة في النقاشات وفي الانفعالات الحادة، وفي طرح الآراء والمواقف عن الأنشطة الرياضية، وبالخصوص رياضة كرة القدم.
وفي ظل هذا الضجيج والجعجعة التي تتقافز من غرفة القسم الرياضي، كان هناك مايسترو رصين وهادئ ومعلم يرسم معالم صناعة إعلام وصحافة رياضية جادة ليُخرج في الصباح صفحة رياضية هي الأكثر قراءة من بين صفحات العدد اليومي. كان الأستاذ محمد عبدالله فارع هو القائد الصامت والمعلم المرشد، والأب الروحي لجميع الشباب الصحفي الجامح نشاطًا وحيوية.
خطوات الأستاذ الفارع ونشاطه الدؤوب في الصحيفة ووقاره في العمل والتعامل وعلاقاته مع قيادة العمل الرياضي، وعلى رأسهم الأستاذ أحمد القعطبي وزير الشباب والرياضة يومها، كانت تعطي انطباعًا أن الرجل بإمكاناته وملكاته القيادية وكاريزما تعاملاته وعلاقاته الرأسية مع قيادة العمل الرياضي في الدولة؛ كل ذلك وغيرها من العوامل، تعطي انطباعًا مؤكدًا أن محمد عبدالله فارع استطاع تجاوز ذاته ليعلو إلى مراتب أوسع تتكئ على الإعلام الرياضي مبتدأ وتخرج إلى دائرة القيادة الرياضية في المجلس الأعلى للرياضة.
وبالرجوع إلى القسم الرياضي في صحيفة (14 أكتوبر)، نجد أن هذا القسم غطى الفراغ الذي أحدثه إغلاق الصحف المستقلة التي كانت تصدر إبان مرحلة الاستعمار البريطاني، وأهمها: (فتاة الجزيرة) و(الأيام) وغيرهما في تغطية النشاطات الرياضية في البلد، واستغل الأستاذ الفارع هذا الوضع ليؤسس قسمًا رياضيًّا في الصحيفة الرسمية على أعلى مستوى من دون أية اشتراطات سياسية أو أيديولوجية كانت سائدة في البلد.
فقد كان الولاء المهني والتحريري في السياسة التحريرية للقسم الرياضي في الصحيفة للرياضة والرياضيين هو ديدن الجميع.
استطاع الفارع بعقليته المنفتحة أن يستقطب كتّاب الصحافة الرياضية الذين توقفوا عن العمل الصحفي في صحفهم المغلقة، والأكثر إبهارًا تبنيه لجيل صحفي جديد اخترقوا عالم الصحافة الرياضية وصاروا أعلامًا في الصحافة الرياضية، وأخص منهم بالذكر الصحفي الألمعي حسين يوسف، والإعلامي المتوقد ذكاء محمد سعيد سالم، وشباب صحفيون لامعون، أمثال: علي ياسين، وناصر محمد عبدالله، والراحل عيدروس عبدالرحمن الذي تُوفي قبل أيام.
وقائمة الصحفيين الذين اشتغلوا بجوار القائد الملهم للصحافة الرياضية محمد عبدالله فارع في عهد الاستقلال حتى عام 1990 طويلة جدًّا، وكلهم يدينون للمعلم الفارع بشيء من الأبوة الصحفية والإلهام والانفتاح على عوالم الصحافة الرياضية متعددة الاتجاهات ومترامية الأهداف.
كان المعلم محمد عبدالله فارع قدوة في قيادة القسم الرياضي وفي العقلية المخلصة لقضية الرياضة وأهدافها السامية ولغتها الموحدة في أرجاء العالم ودورها في رقي الشعوب وفي التعريف بثقافات الشعوب وتراثها ومكانتها في سياسة البلد الذي جعل من الرياضة إحدى دوال التعريف بشباب اليمن الديمقراطية ومشاركاتهم العربية والإقليمية والدولية في مختلف المناسبات المحلية والعربية والقارية وفي التقارب والتواصل مع شعوب العالم.
"الفارع" شخصية وطنية محلية في الإعلام الرياضي، بل كانت شهرته الخارجية كواحد من مؤسسي الإعلام الرياضي العربي والآسيوي، كما كان سفيرًا فوق العادة من دون سفارة دبلوماسية ومن دون حشم.
انطلاقة متعددة الجوانب وانفتاح على الخارج
أقتبس هنا من السيرة الذاتية للراحل محمد عبدالله فارع لنكتشف هذا النموذج المثالي لكاريزما قيادية في الإعلام والإدارة الرياضيين، فمع تباشير عام 1972م انطلق الفارع في نشاطه الإعلامي، وبدأت شهرته بالانتشار على المستوى العربي من خلال كتاباته ومراسلاته للعديد من الصحف والمجلات الرياضية الخارجية والعربية. وفي هذا العام (1972م)، ساهم في تشكيل أول رابطة عربية للصحافة الرياضية والتي تأسست في بغداد، وتم انتخابه أمينًا عامًّا مساعدًا للرابطة العربية للصحافة، وفي العام نفسه أسس الرابطة اليمنية للصحافة الرياضية في عدن وتم انتخابه رئيسًا للرابطة.
وفي عام 1973م، استدعى الرئيس السابق علي ناصر محمد، ممثلي الحركة الرياضية قبل انعقاد المؤتمر العام الأول للحركة الرياضية في عدن، حيث نوقشت أوضاع الحركة الرياضية، وشُكّلت اللجنة التحضيرية للإعداد للمؤتمر العام الأول للحركة الرياضية في عدن وانتخب عضوًا فيها، وفي 11 فبراير 1973م، انعقد المؤتمر العام الأول للحركة الرياضية في عدن، وتم انتخاب الفارع في أول قيادة للمجلس الأعلى للرياضة عند التأسيس في عدن، وظل في هذا الموقع منذ العام 1973م الذي تأسس فيه المجلس الأعلى للرياضة وحتى العام 1980م، حيث شارك في ثلاثة مؤتمرات للحركة الرياضية، وشارك الفارع بفعالية في الإعداد للمؤتمرات الثلاثة وفي التغطية والوثائق والتقارير المقدمة إلى هذه المؤتمرات، وفي ظل مشاغل قيادة العمل الرياضي لم يهجر عالم الإعلام الرياضي، حيث أسندت له عام 1973م مهمة إعداد وتقديم المجلة الرياضية في تلفزيون عدن حتى وفاته، وقبل ذلك في عام 1973م تم تعيينه مدير تحرير صحيفة «الرياضي» الصادرة من عدن لعدة سنوات.
هكذا تولى الفقيد الفارع المناصب القيادية في عدد من الأندية الرياضية، وفي مجالات الصحافة الرياضية، وقياديًّا في المجلس الأعلى للرياضة، تنوع في النشاط الإداري والإعلامي، وفي تأسيس واقع رياضي في اليمن الديمقراطية مع إخوة له من القيادات الرياضة الآخرين، وجعل اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مدونًا في إنجازات رياضية حققتها على المستوى المحلي والعربي والإقليمي، وكانت نجمًا ساطعًا بالنجاحات والمشاركات المتعددة في الألعاب الفردية والجماعية، يحذو هذا التفوق على الذات إرادة سياسية وإدارة من الدولة وقيادتها في استخدام ورقة الرياضية والمشاركات الخارجية الناجحة لتقديم هذا البلد في أبهى صورة، مضافًا إليها إدارة رياضية واعية للدور الذي تلعبه الرياضة في التعريف بالشعوب والبلدان.
ولم تشهد المشاركات الرياضية انتكاسة إلا عندما تخلت دولة الوحدة وسلطة 7/7 عن الرؤية الناجعة للرياضة، وداخل قيادتها الرياضية كل أنواع الفساد والمجاملات وانعدام التخطيط والمال المدنس، فتخلفت الرياضة وأرقام الرياضيين في الوطن حتى وصلت إلى الحضيض، في وقت عرفت بلدان الجزيرة والخليج أهمية الرياضة كدالة على الوطن والدولة والشعب، وانقضت إلى غير رجعة النظرة القاصرة إلى النشاط الرياضي كحالة ترفيه، وإنما كدالة من دوال تحضر البلد، وتفوقوا من حيث تخلفنا!
سفير من دون سفارة
محمد عبدالله فارع ليس شخصية وطنية محلية في الإعلام الرياضي، بل كانت شهرته الخارجية كواحد من مؤسسي الإعلام الرياضي العربي والآسيوي.
كما كان محمد عبدالله فارع سفيرًا فوق العادة من دون سفارة دبلوماسية ومن دون حشم، وما كانت علاقاته بالمنظمات والاتحادات والشخصيات الرياضية وتسنمه لمناصب فيها، إلا دليلًا على الشخصية الديبلوماسية الرياضية في تمثيل الوطن في المحافل العربية والقارية والدولية.
منذ العام 1977م، انطلق نشاطه الإعلامي وشهرته بالانتشار على المستوى العربي من خلال كتاباته ومراسلاته للعديد من الصحف والمجلات الرياضية الخارجية والعربية.
وكانت له بصمات واضحة في تأسيس الاتحاد العربي للإعلام العربي ومنه تأسيس الاتحاد الآسيوي، وشارك في مؤتمرات عربية وإقليمية ودولية حول الإعلام الرياضي وقدم دراسات حول بدايات الإعلام الرياضي العربي.
شبكة علاقاته مع الشخصيات العربية مثل الكويتي الشهيد فهد الصباح والعالمية، مثل رئيس المنظمة الأولمبية العالمية السيد جو هافلانج ورياضيين كبار، أمثال: المصري الجوهري، واللاعب السوفييتي الأشهر بلوخين، والفرنسي بلاتيني.
كان الفارع نافذة مشرعة من خلالها يظهر للعرب والأجانب الصورة الناصعة لوطن وشعب يملك ثقافة رياضية بحجم ثقافة وكاريزما هذا العلم الرياضي الفريد.
النهاية المحزنة
ولا شك أن رحيله في ديسمبر 2000م، وهو ينتظر رحلة علاج لم تتم في حالة نكران وجحود معهودة ممن في تبناهم صغارًا وعندما كبروا في المناصب تركوه يموت وحيدًا في منزله العتيق.
هكذا يرحل العظماء بصمت، ومحمد عبدالله فارع ودعته عدن بصمت وحزن وليس في ورقته الوظيفية سوى مستشار لرئيس تحرير صحيفة 14 أكتوبر، وفي إضبارة تاريخها علَمٌ من أعلامها المؤسسين لعالم جديد ومتجدد: عالم الإعلام الرياضي!