في مثل هذا اليوم 5 يوليو/ تموز، ولد شاعر وصحفي حفر اسمه في تاريخ اليمن وذاكرة اليمنيين؛ فهو من وضع أهم أركان هذه الذاكرة التاريخية بوضعه النشيد الوطني الذي يعد من رموز الدول لا يقل أهمية عن رموز أخرى كالعلم والعملة والسيادة.
لهذا الشخصية الأدبية والفنية المرموقة قاعدة فنية وأدبية ضخمة وواسعة، فقد غمرت الساحة الفنية في اليمن بعشرات القصائد الأغنية التي ارتبطت بشكل كبير بصوت "فنان الوطن" أيوب طارش عبسي.
مثل هذه الشخصيات كالشاعر الغنائي عبدالله عبدالوهاب نعمان، أو الفنان أيوب طارش عبسي وغيرهم من كبار اليمن في المجال الفني والأدبي والثقافي، لم يعودوا عبارة عن شاعر وفنان، بل رموز وأعلام وطنية شكلت جزءا من تاريخ هذا البلد، وكانا أفضل من عبرا بالشعر والفن عنها، وجسدا روح اليمنيين ومكنونهم وحياتهم وطبيعتهم.
الشاعر الفضول
ولد الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان في 5 يوليو/ تموز عام 1917، في قضاء الحجرية لواء تعز، جنوب غربي اليمن، وهو ثاني أصغر أبناء الشهيد الشيخ عبدالوهاب نعمان، الذي كان أول الثوار على حكم أسرة حميد الدين، منذ بداية تسلمهم الحكم من الأتراك عام 1918.
انتقل مع بقية زوجات وأبناء الشيخ عبدالوهاب نعمان إلى صنعاء للإقامة إلى جانبه، وتلقى وأخوته جزءا من تعليمهم على يد والده الشيخ عبدالوهاب نعمان في صنعاء، حيث كان معتقلاً، منذ عام 1923، عندما طلبه الإمام يحي حميد الدين إلى صنعاء، لرفض دفع الإتاوات التي أراد أن يفرضها على المواطنين "الرعية".
ثم درس على يد ابن عمه الأستاذ أحمد محمد نعمان في ذبحان بالحجرية، ودرس بعد ذلك في مدينة زبيد، على يد عبدالله المعزبي، من أشهر علماء زبيد.
عرف الأستاذ عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) كأبرز شعراء الغناء اليمني وغنى له معظم من الفنانين اليمنيين لكنه ارتبط أكثر بالفنان أيوب طارش الذي غنى له العديد من أهم الأغاني اليمنية العاطفية والوطنية ولعل أبرز عمل مشترك بينهما هو النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، كما عرفه اليمنيين شاعراً ومناضلا وصحفياً ساخراً؛ سياسي حامل هم وطنه، ذو إحساس مفعم بالمحبة.
ويعتبر الناقد الفني جمال حسن في حديث خاص لـ"خيوط"، أن الفضول من أهم شعراء الأغنية اليمنية على الإطلاق، في شعره الغنائي يجسد روح اليمنيين في الطبيعة والحب ومن عبر عن المشاعر بشكل راقي لقربهم منهم الأمر الذي جعل شعره الغنائي يحظى باهتمام وانتشار لدى مختلف شرائح المجتمع اليمني.
الفضول لم يكتب للحبيب وللمهاجر والمزارع والأرض والوطن والغربة فقط، بل ألهب مشاعر الناس بأجمل الأناشيد الوطنية، مثل : "هذه يومي فسيروا في ضحاها" و "أملؤوا الدنيا ابتساما" و "هتافات شعب" و "ياسماوات بلادي باركينا" و "عطايا تربتي" وغيرها الكثير. لكن أروع هذه المجموعة من الأناشيد الوطنية النشيد الذي اختير نشيداً وطنياً لجنوب الوطن قبل الوحدة، والذي أعيد اختياره ليكون النشيد الوطني لليمن الموحد، بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية.
حسن يرى أن كبار الشعراء الغنائيين السابقين في اليمن الفضول أو الإرياني، استحضروا استحضروا روح الريف وطبيعته الخلابة. لكن هذا الجيل يُعبر عن نفسه بطريقته، وأصبح البعض منه يكتب لمغنِّين خليجيين أو عراقيين. فاليمن أيضًا تتفرد بخصائص عن سواها. لكن تلك الروح المدنية، ما أسرع شيخوختها في عباءة الماضي.
ثنائية "الحبل السري"
الشاعر عبدالله عبدالوهاب الذي لقب بــ"الفضول" نسبة لصحيفة "الفضول" ، التي أسسها (في عدن)عقب ثورة 1948 الدستورية، لازالت وصاياه الوطنية حاضره كل صباح طلاب المدارس حين ترديدهم للنشيد الوطني ، فحاك فيه من أشعة الشمس للوطن علم، ورفعه خفاقاً فوق القمم.
و تعطرت الساحة الفنية بأنغام أيوب طارش ، الذي ملاْ الساحة الفنية بالكثير من الغنائيات التي كتبها شاعرٌ عملاقٌ بحجم الفضول.
وظف الطبيعة في شعره ، فغنى مع النجم والشمس، والمطر والشجر، والضباب والغيوم، غنى للمهاجر والمسافر، للصانع والمزارع.
كتب لأرض السماحات وأفتخر بها، بشر بوحدة الشطرين قبل تحقيقها. حذر من التفريط بالوحدة قائلاَ "وحدتي وحدتي، أنت عهداً عالق في كل ذمة، ومن الانقسام قائلاً" أحذروا أن تشهد الأيام في صفكم تحت السماوات انقساما.
عن ثنائية "الفضول" وأيوب، يؤكد الناقد محمد الشيباني أن "ثنائية الفضول وأيوب، وخلال ثلاثة عقود من موت أحد طرفيها (الفضول) في يوليو/ تموز 1982، حافظت على حضورها دافئًا في وجدانات اليمنين، جيلًا بعد جيل". والسبب في هذا الحضور الدافئ يكمن في كون جملة الأغاني العاطفية والوطنية، التي كتبها عبدالله عبدالوهاب نعمان وغناها أيوب طارش، حضرت في وجدان اليمنيين عمومًا، كما لو أنه قد تم كتابتها وتلحينها وغناؤها خصيصًا لهم "بدون تمييز". وفي حين اعتبر الناقد الشيباني أن كلمات ولحن النشيد الوطني "ردّدي أيتها الدنيا نشيدي"، كان بمثابة "الحبل السري" الذي ابتدأ منه الارتباط الوجداني اليمني.
سيرة ذاتية حافلة
هنا بقية تفاصيل سيرته الذاتية كما وردت في موقع الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان:
في أوائل الأربعينات كان ضمن الشباب المستنير الذين تجمعوا في تعز حيث عمل بالتدريس بالمدرسة الأحمدية في الفترة من العام 1941 الى 1944م .
وأثناء وجوده في ذبحان أبرق الإمام أحمد إلى عامله لإعتقاله، غير أنه علم بذلك من أحد الأحباب وهو القاضي عبد الجبار المجاهد، ونصحه بالهروب قبل أن يرسل العامل في إعتقاله، وفر عبدالله عبد الوهاب نعمان إلى عدن، لينظم بعد ذلك إلى مجموعة الأحرار، وكان، إلى جانب آخرين، من مؤسسي حزب الأحرار اليمنيين. ويعتبر الفضول من أوائل رجال حركة الأحرار ومن أبرز كتّابها، فقد كان سياسياً وأديباً وشاعراً وصحفياً بارزاً.
وفي عدن عمل في سلك التدريس وقام بتعليم اللغة العربية في مدرسة بازرعة الخيرية، ثم ترك التدريس ليصدر جريدة (صوت اليمن) الناطقة باسم الجمعية اليمنية الكبرى عام 1947م, وكانت مقالاته الساخنة فيها تمثل رداً على جريدة الإيمان المتوكلية التي تهاجم الأحرار. كما كانت له مقالات سياسية في جريدة (فتاة الجزيرة) بتوقيع (يمني بلا مأوى).
وبعد فشل ثورة 1948 في إقامة النظام الدستوري، وبعد إعدام قادة الثورة ومنهم والده الشهيد الشيخ عبد الوهاب نعمان والشهيد السيد حسين الكبسي، رأسا ثورة 1948، قام في عدن، في ديسمبر 1948، بأصدار صحيفة "الفضول" وهي من المحطات الهامة في حياة شاعرنا. وتعود هذه التسمية إلى الحلف الذي كان قائما في الجاهلية مهمته إنصاف المظلومين، وهو "حلف الفضول". وقد اشتهر شاعرنا وعرف في الأوساط الأدبية بلقب "الفضول" نسبة إلى صحيفته.
وفي نهاية العام 1953 قامت سلطات الاحنلال البريطاني بإغلاق صحيفة "الفضول" من خلال رفض تجديد ترخيصها بضغوط من النظام الملكي في شمال الوطن، بعد أن أقلق عبدالله عبدالوهاب نعمان مضاجع الإمام أحمد حميد الدين بما تنشره "الفضول". [راجع الوثيقة رقم 14 من الوثائق البريطانية بشأن الفضول] وهجر الفضول مع بداية العام 1954 الكتابة والشعر، وانخرط في هذه الفترة في الأعمال الحرة لتأمين لقمة العيش لأسرته.
ولكنه، وفي نفس الوقت، ظل يقاوم الأوضاع في ظل الإحتلال في الجنوب والملكية في الشمال من خلال كتابة صفحة باسم "البسباس" في صحيفة "الكفاح" التي كانت تصدر في عدن للأستاذ حسن علي بيومي.
في غمرة قسوة الحياة في عدن قبل الثورة، عزف عن كتابة الشعر، حتى أثاره المرض العضال الذي أصاب رفيق دربه وصديقه السيد محمد بن يحي الوريث، وكن من الأحرار المهاجرين في كينيا، وعينه أمير الكويت الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح قنصلاً فخرياً للكويت في كينيا، عندما أصاب المرض صديق عمره وكان يتعالج في الكويت في كنف الأمير، كتب قصيده مدح يشكر فيها الأمير، وفيها إشارة إلى هجره الشعر حيث قال: "قد كنت ودعت القريض ترفعاً إذ كل ما حولي يروم هجاءُ". وقد كانت هذه القصيدة في العام 1963 أو 1964، وقبل وفاة الوريث.
عاد إلى كتابة الشعر الغنائي في بعد ثورة 26 سبتمبر 1962، في عدن، وقبل انتقاله النهائي منها الى شمال الوطن، وكتب قصيدتين لحنهما الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، وسجل الأغنيتين في إذاعة عدن بأسم ابنه مروان، ليتخفى لأنه لم يكن يريد أن يعرف الناس أنه عاد إلى كتابة الشعر. وهاتان الأغنيتان هما أغنية "شبان القبيلة "، وغناها الفنان المرحوم محمد صالح عزاني والفنانة فتحية الصغيرة، وأغنية ثانية غناها الفنان المرحوم أحمد علي قاسم.
وبعد ذلك، ظل لفترة قصيرة بعد الثورة، يعيش ما بين عدن وشمال الوطن. وبدأ يعاود كتابة الشعر الغنائي ومن أوائل القصائد، "دق القاع دقه" و "عدن عدن"، وهما من بدايات تعاونه الفني والغنائي مع الفنان الكبير أيوب طارش العبسي.
عبر صديقي عمره المرحوم جازم الحروي وأمين قاسم سلطان، أخذت سيدة الغناء العربي أم كلثوم قصيدة "لك أيامي" للفضول لتغنيها من جملة أغانيها التي اعتزمت غنائها لشعراء من كل الوطن العربي، غير أن ذلك لم يتحقق لوفاتها. قام بعد ذلك الفنان أيوب طارش بتلحين تلك القصيدة وغنائها. وسيلاحظ المتصفح القارئ أن قصيدة "لك أيامي" تلك التي غناها أيوب طارش، تختلف عن النص النهائي الذي ظل الفضول يجدد فيه إلى ما قبل وفاته، وترد هذه القصيدة في الموقع باسم "أحلام السنين".
وفي العام 1966، وبينما هو في تنقله بين عدن وصنعاء، اعتقل الفضول مع مجموعة من السياسيين الآخرين، في سجن "الرادع" الشهير، عندما قامت السلطات المصرية باعتقال حكومة الأستاذ أحمد محمد نعمان في القاهرة، وذلك لمعارضة التدخل المصري في الشئون اليمنية. ولم يطلق سراح من سجنوا في القاهرة، ومن سجنوا في الرادع إلا بعد هزيمة 1967. وهناك قال رائعته "أرض المروءات" التي عاتب فيها مصر على ما حدث في اليمن.
وبعد ذلك استقر مقام الفضول في شمال الوطن، في صنعاء، وتقلد بعد انقلاب 5 نوفمبر 1968 منصب مدير مكتب الإقتصاد والجمارك في تعز، ثم منصب وزير الإعلام في حكومة عبد الله الكرشمي، التي لم تعمر أشهر.
بعد وزارة الإعلام، قام فخامة القاضي عبد الرحمن بن يحي الارياني، رئيس المجلس الجمهوري حينها، بتعيين عبد الله عبد الوهاب نعمان مستشاراً لشئون الوحدة، نظراً لطول خبرته بأحوال جنوب الوطن ورجالاته. وظل في هذا المنصب مع الرئيس إبراهيم الحمدي، والرئيس أحمد الغشمي، والرئيس علي عبد الله صالح، إلى أن وافت شاعرنا المنية.
وظل يكتب الشعر الغنائي والأناشيد الوطنية وكثير من القصائد السياسية التي لم ينشرها. فبدأ في هذه الفترة مرحلة جديدة كونت النصف الآخر من شخصيته الإبداعية وهي قصائده العاطفية. وشعر الفضول العاطفي أروع ما نظم وكتب وقيل. فقد كان عاشقاً ومعشوقاً من الطراز الأول.
و ، وهو :
رددي أيتها الدنيا نشيــدي
ردديه وأعيدي وأعيـدي
وأذكري في فرحتي كل شهيد
وأمنحيه حللاً من ضؤي عيدي
وكان اختيار النشيد نشيداً وطنياً لجنوب الوطن قبل الوحدة، بناء على اتفاق في الكويت بين الأخ الرئيس علي عبد الله صالح والأخ الرئيس عبد الفتاح اسماعيل، رحمه الله، في العام 1979، حيث اتفق الرئيسان أن يكون النشيد هو النشيد الوطني للشطرين، ولليمن الموحد. وذلك الاتفاق هو أساس إقرار "رددي أيتها الدنيا نشيدي" كنشيد وطني لليمن الموحد.
بعد ذلك، قلده الأخ علي ناصر محمد، رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، الشطر الجنوبي للوطن حينها وسام الأداب والفنون. في 10 سبتمبر 1980.
وقلده الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية، الشطر الشمالي للوطن حينها، وسام الفنون في 23 يونيو 1982.
حرص على جمع اشعاره استعداداً لطبعها كما كان ينوي إصدارها في عمل يجمع فيه بعض كتاباته في الصحف منذ الأربعينات إلا أن الأجل وافاه قبل تحقيق ذلك، حتى أن ديوانه الوحيد (الفيروزة) صدر له بعد وفاته، بجهد فردي من أحد أبنائه المهندس عبدالكريم عبد الله عبد الوهاب نعمان. لكن اعماله الشعرية الكاملة وهي تقارب المائة قصيدة لم تطبع. وستتاح الآن على هذا الموقع.
توفي الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان الفضول في 5 يوليو 1982م على فراشة في تعز بالسكتة القلبية، عن عمر يناهز الخامسة والستين، بعد مرحلة طويلة من الكفاح الوطني والأدبي مثلت رافداً هاما من روافد الحركة السياسة والثقافية في بلادنا. وقد كان الفضول ولا يزال علما من أعلام الشعر الوطني والغنائي العاطفي في اليمن بل وفي الوطن العربي لن تكرر.
رحل الشاعر عن زوجته آسية الغوري، وله منها 6 أبناء وابنتان، وله 5 أبناء وأبنه واحدة، من زوجة سابقة هي عزيزة نعمان عبد القادر نعمان. كما رحل عن زوجتين لم ينجب منهما، هما نفيسة رفعت إبراهيم وعزيزة أمين عبد الواسع نعمان. وأبناءه هم: سكينة، محمد، سامية، مروان، هشام، وليد (متوفي)، هاني، أيمن (متوفي)، عبدالكريم، صخر، يمنى، منذر، شبيب، طريف.