لا تتوقف مشاكل القطاع الزراعي في محافظة الضالع (جنوب اليمن)، عند توسع زراعة نبتة "القات" واكتساحها للأودية على حساب المحاصيل التي عُرفت بها المحافظة، ومنها الحبوب كالذرة الشامية، الذرة الرفيعة، الشعير، القمح، الدُّخن، والخضروات والفواكه، والبقوليات كالحلبة، العَتَر، والعدس.
بل تمتد تلك المشاكل إلى المساحات الصغيرة التي ما زالت تُزرع بمحاصيل الحبوب والخضروات والفواكه، لسبب بسيط من وجهة نظر المزارعين في المحافظة، وهو انعدام الثلاجات المركزية التي تضمن بقاء المنتجات لفترة أطول دون أن تتلف، إضافة إلى الانقسام الذي تسبّبت به الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015، وجزّأت المحافظة بين أطراف الحرب، وما رافق ذلك من انقسام نقدي كانت تبعاته وخيمة على سكان محافظة الضالع.
يصف المزارع عبده عبدالرحيم (45 عامًا)، ما تعرض له في العام السابق أثناء زراعة منتج الطماطم، بـ"المصيبة" إذ يقول لـ"خيوط"، بسخرية تقترب من الكوميديا السوداء، وتلخص أزمة المزارع: "زرعت الطماطم وخسرت مليون ريال يمني منذ أن بذرتها إلى موسم القطاف، وحين بدأت أبيع المحصول انخفضت القيمة حتى أصبح سعر الكيلو الواحد مئة ريال، وهو ما جعلني أعجز عن توفير ما أنفقته بالعناية على الشجرة".
ويضيف عبدالرحيم: "كان السعر لا يكاد يغطي النفقات الخاصة بالعمال وأجرة الناقلة، لكي يصل المنتج إلى الأسواق". ويستطرد متسائلًا: "لماذا لا توفر لنا الدولة عبر مكتب الزراعة في المحافظة ثلاجات مركزية، ولماذا لا يتم تشجيع رجال أعمال لإنشاء مصانع لمنتج الصلصة حتى لا تذهب الأطنان من الطماطم هدرًا؟".
ويختم عبدالرحيم حديثه: "تعفنت كميات كثيرة من الطماطم؛ إذ كنّا نلقي بها في سيل وادي بنا، ولهذا السبب قررت ألّا أزرع الطماطم مرة أخرى، وقد زرعت الأرض بشجرة القات".
فارق العملات أرهق المزارعين بما تسبّب به من خسائر فادحة خلال عملية التسويق والبيع والشراء، وتقليص مستمر لمساحة زراعة الخضروات والفواكه والبقوليات.
بحسب المركز الوطني للمعلومات، فإنّ "الضالع" تعد من المحافظات المتميزة بالزراعة، إذ يعمل معظم سكانها في ممارسة النشاط الزراعي، ومن أهم المحاصيل الزراعية التي تنتجها البن وأصناف أخرى من الحبوب والخضروات والبقوليات والفواكه.
تكاليف مرهقة
قلّل غياب الدور الرسمي من النشاط الزراعي في محافظة الضالع، إذ استبدل نسبة كبيرة من مزارعي المحافظة محاصيلَ الحبوب والخضروات والفواكه بشجرة "القات"، كون المنتج الأخير من السلع النقدية التي حقّقت للمواطنين دخلًا ماديًّا كبيرًا.
إضافة إلى غياب الاهتمام الرسمي بالمزارع ودعمه لإنتاج تلك المحاصيل والمتمثّل في وجود ثلاجات مركزية، وخطط تسويق يضمن بقاء الأسعار ثابتة.
تسبّب ذلك في انتشار وتوسع شجرة "القات" بنسبة كبيرة على حساب المحاصيل الأخرى، الأمر الذي جعل المحافظة تستورد كل احتياجاتها اليومية بعد أن كانت فيما مضى تكتفي بمحاصيلها لسكانها بل وتصدر إلى محافظات أخرى، وفقًا للتاجر صالح محمد، يعمل في سوق مديرية دمت (شمال الضالع)، الذي تحدث لـ"خيوط".
كما ضاعفت الحرب والصراع المندلع في اليمن منذ العام 2015، من مأساة القطاع الزراعي المتعثر من قبل، حيث قسمت الضالع إلى جزأين وقطعت الطريق الرابط بين شمال وجنوب المحافظة، وهو ما تسبّب في تدهور القطاع الزراعي الذي يمثّل المصدر الأول في العمل وكسب الرزق لغالبية سكان المحافظة.
في السياق، يقول علي سالم، مزارع خضروات وفواكه، لـ"خيوط"، أنّه وجد نفسه غير قادر على أن يقطع مئات الكيلو مترات للتنقل من مديرية إلى أخرى بنفس المحافظة لبيع منتجه الذي لن يغطي تكاليف الرحلة بعد أن كان يصل بزمن ومسافة مختصرة لا يكلفانه شيئًا.
معاناة التقسيم
لم تتوقف الصعوبات والتحديات بالنسبة للمزارع في الضالع عند انقطاع الطريق، حيث يسيطر طرفا النزاع على المحافظة من أطرافها، بل يعاني من التبعات الأخرى التي هي أشدّ خطرًا على النشاط الزراعي برمته، إذ إنّ فارق العملات أرهق المزارعين، بما تسبّب به من خسائر فادحة خلال عملية التسويق والبيع والشراء، وتقليص مستمر لمساحة زراعة الخضروات والفواكه والبقوليات.
وتعد الضالع واحدة من أكثر محافظات اليمن تضررًا من الحرب، التي قسمت عملية إدارتها والسيطرة عليها بين طرفي الحرب؛ الحكومة المعترف بها دوليًّا، وأنصارالله (الحوثيين)، وهو ما جعل سكانها يعيشون تبعات مر بها آخرون في ظروف متشابهة وأقدار جعلتهم في مرمى خطوط تماس الحرب.
يلخص المزارع عبدالحميد عبدالله، من سكان منطقة دمت التابعة لمحافظة الضالع، في حديثه لـ"خيوط"، مأساة سكان مناطق محافظة الضالع، وكيف ألقت الحرب بظلالها على مزارعي وسكان المحافظة على حدٍّ سواء.
يقول عبدالله: "خلال الحرب، ارتفع سعر مادة الديزل بشكلٍ جنوني، وانقطعت الطرق وتباعدت، واختلف سعر صرف العملات في شمال المحافظة وجنوبها، وكل هذه المشاكل والأزمات دفع ثمنها المزارع منفردًا"، متسائلًا: "كيف يمكن للمزارع أن يستمر في تأدية عمله في الزراعة وسط كل هذه الأزمات والظروف الصعبة التي تفوق قدراته على تحملها".