تستخدم كلمة "البالة" كمصطلح في عدد من الدول العربية كلفظ يطلق على الأشياء المستعملة، وبخاصة الملابس، واشتُقت الكلمة من كلمة "باليَة"؛ أي قديمة.
أثناء رحلتي في المملكة الأردنية، عرضت عليّ إحدى الصديقات الذهاب معها هي وصديقة أخرى لها إلى سوق الجمعة. ما تبادر لذهني حينها أنه عبارة عن سوق شعبي ذي طابع ثقافي، فالأسواق الأسبوعية متعارف على تواجدها في البلدان العربية منذ الأزل، حيث كانت -وما زالت- تخلق رواجًا تجاريًّا مهمًّا في المنطقة التي تتواجد فيها.
فور دخولي إلى السوق وبشكل تلقائي، همست: "هذا سوق بالة!!"، ردت صديقتي -والتي من الواضح أنها سمعتني- بلهجتها الفلسطينية الممزوجة باللهجة الأردنية: "نعم، الأغلب مستعمل وفي قطع جديدة بتكون (ستوكات) بس لازم تفتشي كتير".
كانت تلك المرة الأولى التي أتجول فيها في سوق للملابس المستعملة وعلى امتداد البسطات المغطاة بالطرابيل الملونة والبضاعة المتنوعة من ملابس، وأحذية واكسسوارات أغلبها من (ماركات) و(براندات) مشهورة، ترى عددًا كبيرًا من الأشخاص يتسوقون وكأنهم بداخل مجمع تجاري يعرض أرقى العلامات التجارية وأشهرها.
حتى في الدول الغربية يلاحظ تواجد كبير لأسواق البضائع المستعملة، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال يوجد أكثر من تسعة آلاف محل للأدوات المستعملة، وهي ما تعرف بالمتاجر الخيرية، ولا تقتصر فقط على الملابس إنما أيضًا على المفروشات والأجهزة الإلكترونية والأدوات المنزلية وحتى ألعاب الأطفال.
تستطيع أن تميز بين مرتادي السوق بشكل متكرر وبين من جاء لأول مرة، من طريقة التفتيش عن القطع، وأيضًا ستتمكن من ملاحظة من يشعر بالخجل والعار من تواجده في السوق وبين من يتعامل مع الأمر بأريحية، ومن يرى في الموضوع صفقات رابحة بشراء ملابس ذات جودة ممتازة بسعر زهيد، حتى وإن كانت مستخدمة من قبل. الشاهد في الأمر أنّ العديد من الأفراد يتعرضون لضغوط كبيرة تفرضها المجتمعات في تنميط الناس بحسب ما يرتدون ومن أين يتسوقون.
وبنظرة بيئية من منظور اقتصادي، يمارس قطاع الموضة انتهاكات جسيمة بحق البيئة، فمع تزايد وتيرة الاستهلاك وما يعرف بـ"الموضة السريعة"، وهو مصطلح نشأ نتيجة تزايد عدد مواسم إطلاق صيحات جديدة من أربعة مواسم أساسية إلى أكثر من خمسين موسمًا فرعيًّا بالسنة.
كلُّ هذا أدّى إلى جعل قطاع الموضة مسؤولًا عن 8-10% من الانبعاثات الكربونية (أي أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين)، كما يستهلك هذا القطاع حوالي 93 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات خمسة ملايين شخص سنويًّا، فضلًا عن البضاعة التي لا يتم بيعها بانتهاء الموسم، ويتم التخلص منها عن طريق الحرق لأسباب تجارية بمعدل حرق شاحنة قمامة مليئة بالملابس في كل ثانية.
حتى في الدول الغربية يلاحظ تواجد كبير لأسواق البضائع المستعملة، ففي المملكة المتحدة -على سبيل المثال- يوجد أكثر من تسعة آلاف محل للأدوات المستعملة، وهي ما تعرف بالمتاجر الخيرية، ولا تقتصر فقط على الملابس، إنما أيضًا على المفروشات والأجهزة الإلكترونية والأدوات المنزلية وحتى ألعاب الأطفال.
وبخلاف ما تم ملاحظته في الدول العربية من شعور بعض المترددين على هذه المتاجر بوصمة العار، يشعر الكثير منهم بالرضا لشراء ملابس تذهب قيمتها إلى المؤسسات الخيرية لمساعدة الآخرين، كما يشعر العديد من مناصري قضايا التغيرات المناخية في تحقيق جزء من عدالة المناخ والتخفيف من التلوث جراء الشراء من هذه المتاجر.
في حين أنّ هناك من يسعى منهم للتقشف وإنفاق مبالغ أقل، والبعض الآخر يرتادها رغمًا عنه بسبب قلة دخله وكثرة التزاماته.
وما بين مشجع ومرغم، وبين باحث عن القبول الاجتماعي ومتقشف، تظل عملية إعادة الاستهلاك إحدى أهم العمليات الداعمة للاستدامة البيئية، والتي تقلل من كمية النفايات المرسلة إلى المكبّات الخاصة بها، والتي تساهم في تعزيز الإصحاح والتوازن البيئي.