البهائية تتعرّض لانتهاكات حوثية جسيمة

خمسة من عناصرها محتجزون تعسفيًّا حتى اللحظة
علي ميّاس
May 5, 2024

البهائية تتعرّض لانتهاكات حوثية جسيمة

خمسة من عناصرها محتجزون تعسفيًّا حتى اللحظة
علي ميّاس
May 5, 2024
.

تواجه الأقليات الدينية قيودًا وانتهاكات جسيمة لحقوقها وحرياتها، خصوصًا في المناطق التي تستحوذ عليها جماعة الحوثيين المسلحة المعروفة باسم "أنصار الله"، المدعومة من إيران. وتشمل هذه القيود حظر ممارسة معتقداتهم الدينية والتعبير عن آرائهم في بناء مجتمع عادل، في ظلّ محدودية انخراطهم في الأنشطة الحزبية والسياسية. وتعدّ الطائفة البهائية إحدى الأقليات الدينية التي يستهدفها الحوثيون بشكلٍ منهجي، حيث يتعرض المنتمون إليها، للاضطهاد والتمييز على أساس ديني.

منذ عام 2014، حين سيطر الحوثيون على صنعاء بالوسائل المسلحة، حُرم البهائيون بصورة منهجية من حقوقهم الأساسية في حرية الدِّين والمعتقد والتعبير والتجمّع السلمي وتكوين الجمعيات. في حين يمكن القول إنّ هذا المسار يشبه إلى حدٍّ ما النهج الإيراني، حيث يعيش داخل إيران أيضًا عددٌ كبير من البهائيين الذين عانوا من الاضطهاد والقمع الشديدين منذ وقت طويل، وحتى يومنا هذا. ويبدو أنّ ثمّة سياسة ثابتة تهدف إلى قمع واضطهاد الأفراد الذين يعتنقون هذه الديانة، بواسطة إيران والجماعات التابعة لها.

اعتقالات تعسُّفية

وكثيرًا ما توجه جماعة الحوثيين المسلحة انتباهها نحو التجمعات البهائية التي تُعقَد في المساكن والمحافل الخاصة، نظرًا لعدم وجود أماكن عامة لممارسة شعائرهم الدينية في اليمن. وممّا يدعو للأسف أنّ هذه التجمعات باتت أهدافًا للجماعة التي تمارس الاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة ضد البهائيين.

في عام 2016، احتجز الحوثيون عددًا كبيرًا من المدنيين، معظمهم من أتباع الأقلية البهائية في صنعاء. وشمل ذلك الرجال والنساء وحتى الأطفال. وفي وقت لاحق، في عام 2017، بدأ الحوثيون حملات اعتقال متعدّدة استهدفت البهائيين على وجه التحديد، على فترات مختلفة.

وفي الوقت الحاضر، ما يزال خمسة من أعضاء الطائفة البهائية محتجزين تعسفيًّا في مراكز احتجاز تديرها الجماعة. حيث داهمت قوات مدججة بالأسلحة في يوم الخميس 25 مايو/ أيار 2023، منزلًا في العاصمة صنعاء، خلال الاجتماع السنوي للمجتمع البهائي، الذي كان يبثّ عبر تطبيق Zoom، وقد تم اعتقال 17 بهائيًّا، بينهم 5 نساء، واقتيادهم بأعين معصوبة إلى مركز احتجاز يديره جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة المسلحة. وفي حين تم إطلاق سراح 12 فردًا منذ ذلك الحين، فإنّ الخمسة المتبقين محرومون من حقهم في إجراء تقاضٍ عادل وفق ضمانات المحاكمة الطبيعية، وما زالوا يواجهون خطر المزيد من الانتهاكات، مثل التعذيب وسوء المعاملة وظروف الاحتجاز المتردية.

ووفقًا للطائفة البهائية العالمية، فإنّ البهائيين الـ12 الذين كانوا معتقلين سابقًا يخضعون الآن للمراقبة المستمرة، الأمر الذي لا يعرض سلامتهم للخطر فحسب، بل يقيد أيضًا حريتهم في الحركة. علاوة على ذلك، فقد أُجبروا على التوقيع على تعهدات عند إطلاق سراحهم، ثم أُجبروا بعد ذلك على المشاركة في دورات تلقينية تهدف إلى الضغط عليهم للتخلي عن معتقداتهم البهائية.

وقال وليد عياش (55 عامًا)، الأمين العام للمجلس الوطني للأقليات في اليمن ورئيس منظمة نداء للتعايش والبناء: "أطالب سلطة الأمر الواقع، الجماعةَ الحوثية والمصنفة على لائحة الإرهاب، بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الخمسة البهائيين الذين ما يزالون في معتقلاتها، وأحمّلهم مسؤولية سلامتهم. وهنا، أودّ التأكيد على أنّ مثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان والتعامل بسياسة التمييز، هي جرائم وممارسات تعرض مرتكبيها للمساءلة عندما تسنح الفرصة المواتية لذلك. وأدعو الحكومة المعترف بها أن تتحمل مسؤوليتها وتفي بالتزاماتها تجاه جميع مواطنيها، بمن فيهم الأقليات، وكذلك ندعو المجتمع الدولي إلى القيام بواجب ومسؤولية الحماية الدولية للأقليات في اليمن".

تنخرط وسائل الإعلام التابعة لجماعة الحوثي وخطباؤها في تعميم خطاب كراهية، ساهم هذا في خلق جوٍّ مشحون من العداء والتعصب ضد أبناء الطائفة البهائية، ويغذّي هذا الخطاب الديني التحريض والتمييز على أساس الدين والمعتقد. 

وبات شائعًا أن يتم اتهام البهائيين ظلمًا بجرائم ملفقة، مثل الردة والتجسس، وفي كثير من الأحيان من دون إجراء تحقيقات قانونية أو إخطار مسبق بالتهم من الادعاء العام قبل بدء إجراءات المحاكمة. وفي بعض الحالات، حُكم على الأفراد الذين اعتنقوا الديانة البهائية بالإعدام، من خلال إجراءات قضائية تفتقر إلى الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة. وتجري هذه المحاكمات في المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وتحمل التهم التي يواجهها البهائيون، احتمالَ الحكم عليهم بالإعدام في حالة الإدانة.

وفي مطلع عام 2018، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكمًا بالإعدام بحق حامد بن حيدرة، مع أمر بمصادرة ممتلكاته وإغلاق المنتديات البهائية في البلاد. وتم اتخاذ إجراءات مماثلة ضد البهائيين الآخرين، بما في ذلك مصادرة أصولهم وممتلكاتهم. وبعد سنوات من الاحتجاز التعسفي، تم إطلاق سراح البهائيين المحتجزين في يوليو/ تموز 2020، بشرط مغادرتهم اليمن بشكل دائم، وهو انتهاك واضح لحقوقهم كأقلية في البلاد وحقهم في البقاء في وطنهم وممارسة معتقداتهم. أدّت محاولات جماعة الحوثي المسلحة للقضاء على وجود الطائفة البهائية في اليمن، إلى النفي القسري لأعضائها، وحرمانهم من حقهم الأساسي في العودة إلى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم.

خطاب الكراهية

ولا تزال القضية المرفوعة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة مستمرة ضد 24 مواطنًا بهائيًّا يمنيًّا. بالإضافة إلى ذلك، تظل الحسابات المصرفية لأكثر من مئة فرد بهائي وأصدقائهم معلقة، ممّا يقيد حريتهم المالية. علاوة على ذلك، لا يزال البهائيون يتعرضون للمضايقات في كافة نشاطاتهم وتجمعاتهم، ممّا يعيق قدرتهم على ممارسة الأنشطة المختلفة.

وترتكب جماعة الحوثيين المسلحة انتهاكات متعددة في مراكز الاحتجاز ضد أعضاء المجتمع البهائي، منها الاختفاء القسري والتعذيب متعدّد الصور، وأضاف عياش: "لقد كنت هدفًا لهمجية الجماعة. لقد سجنت مرتين. كانت المرة الأولى في عام 2016، مع 70 عضوًا آخر من مجتمعي، لقد سُجنت مدة شهر لمجرد أنني أنتمي إلى الطائفة البهائية. وفي أوائل عام 2017، عندما اكتسبت جماعة الحوثيين المزيد من النفوذ، تم اعتقالي مرة أخرى. إجمالًا، الفترة التي قضيتها في السجن 3 سنوات و4 أشهر و15 يومًا. لقد عوملت معاملة سيئة للغاية، حيث تعرضت للتعذيب بصور وأشكال متعددة، كان أبشعها الضرب على ظهري وقدمي بواسطة أسياخ حديدية، لم أرَ ضوء النهار لمدة تزيد على سنة، تم إبقائي في زنازين انفرادية مدة ستة أشهر، كان التعذيب نفسيًّا وجسديًّا. كما أن عائلتي لم تحصل على أية معلومات عني مدةً تزيد على السنة والنصف، السجن الذي احتجزت فيه كان سيئًا من جميع النواحي، التغذية كانت رديئة جدًّا، خصوصًا في بداية السجن في السنة الأولى، وبعد أن تم نقلي إلى السجن الجماعي كنّا 40 شخصًا محشورين في غرفة ضيقة جدًّا".

انخراط وسائل الإعلام التابعة لجماعة الحوثي وخطباؤها في خطاب كراهية، ساهم في خلق جوّ مشحون من العداء والتعصب ضد أبناء الطائفة البهائية، ويغذي هذا الخطاب الديني التحريض والتمييز على أساس الدين والمعتقد. وتعرّض هذه الممارسات حياة البهائيين وسلامتهم للخطر، وتهديد وجود الأقليات الأخرى المقيمة في البلاد.

للبهائيين، مثلهم مثل جميع اليمنيين الآخرين، الحقُّ الأساسي في الإقامة والتعايش بسلام في وطنهم دون تمييز. إلا أنهم يعانون حاليًّا من توتر وقلق عميقين بسبب الخوف المستمر من سلب حقوقهم ومصادرة حرياتهم ظلمًا ودون أيّ مبرر. يجب على الحوثيين الإفراج فورًا وبدون أي شرط أو قيد عن المحتجزين البهائيين الخمسة المتبقّين، وحظر الممارسات التمييزية القائمة على الدين أو المعتقد؛ إذ إنّهم محتجزون فقط بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية. وتشكل هذه الإجراءات التعسفية ضد الأقليات الدينية، بمن في ذلك البهائيون، انتهاكات واضحة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية الدين أو المعتقد، على النحو المبين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الاتفاقيات ذات الصلة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English