عدنان جعفر، مواطن يمني من مدينة عدن الجنوبية، أصبح اليوم محط اهتمام وسائل الإعلام في بلغاريا -أجمل بلدان أوروبا- حيث استطاع جعفر، من خلال عبقريته واجتهاده ومثابرته، ابتكار مشروع لربط شبكة المواصلات القديمة بما يتناسب مع الزيادة الكبيرة في حركة المواصلات في عدد من المناطق البلغارية، بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبجانب إبداعاته المهنية فقد كان جعفر، الحاصل على الدكتوراه في الهندسة، متفوقًا في دراسته الجامعية حتى نال عضوية اتحاد علماء بلغاريا، عقب سنوات من معاناته من الإهمال الذي تعرض له في وطنه الأم.
"خيوط" تتبعت مسيرة شاب عدني كان يعمل كهربائيًّا في منطقة التواهي، وأصبح بعد مغادرته اليمن أحدَ أهم علماء بلغاريا.
كفاح مستمر
في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وُلد عدنان جعفر، في منطقة المنصورة في الشيخ عثمان بمدينة عدن جنوبي اليمن، وترعرع في عائلة عدنية متوسطة، تكاد تكون فقيرة، وهو واحد من ضمن أحد عشر شخصًا تولت والدتهم تربيتهم عقب وفاة الأب، أخذت الأم على عاتقها مشقة وعناء التربية في بلد كان في آخر أيامه تحت وطأة الاحتلال البريطاني.
درس عدنان جعفر المراحل الأولى من تعليمه في مدارس عدن، حتى حصل على الثانوية العامة من مدارس الجلاء بمنطقة خور مكسر سنة 1981، عقب ذلك التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وخلالها تم إلزامه بالتدريس في المدارس الابتدائية الواقعة في منطقة عسلان بيحان، بمحافظة شبوة مدة عام كامل.
عقب انتهاء خدمة التدريس كان عدنان يرافق صهره الذي كان يملك محلًّا لبيع المواد الكهربائية، وعن طريقه تعلم عدنان المهنة واكتسب خبرة في تسليك المنازل، حتى اشتهر وعُرف في محيط عمله وفي معسكر المدفعية الساحلية، في منطقة جولد مور التواهي، باسم عدنان الكهربائي.
تقدم عدنان للعمل كعضو هيئة تدريس في جامعة عدن، لكنه صُدم برفض الجامعة قبوله؛ بسبب عدم وجود وساطة تُقدر وجود كوادر متميزة للعمل في بلادها
في عام 1983، حصل عدنان على منحة دراسية لجمهورية بلغاريا في مجال الهندسة وبالفعل سافر وحصل على درجتي البكالوريوس من جامعة "انجل كاشف" مدينة "دوسه"، الواقعة على ضفاف نهر الدانوب، على الحدود الرومانية. حينها كان عدنان نشطًا في الاتحادات والمجالس الطلابية، وتبوّأ مناصب قيادية في الحركة الطلابية، منها: رئيسًا للمجلس الطلابي اليمني في بلغاريا، ومن ثم رئيسًا للمجلس الطلابي العربي. ومن الجامعة ذاتها حصل عدنان على الماجستير في هندسة السيارات والآليات، لكنه لم يستطع إكمال دراسته العليا بسبب امتناع الحكومة اليمنية إرسال منحته الدراسية المالية، حينها مكث عدنان في مدينة صنعاء مدة عام لاستكمال معاملته في وزارة التعليم العالي، وعندما لم يجد مبتغاه قرر العودة إلى بلغاريا والاعتماد على نفسه في تحضير الدكتوراه، وبالفعل عمل في بلغاريا أعمالًا تجارية، وتمكن من الحصول على الدكتوراه بعد أن ناقش رسالته المعنونة بـ"تنظيم وسائل النقل البحرية في المنطقة التجارية في عدن".
عاد عدنان إلى مدينة عدن للعمل في المعهد التقني الصناعي الواقع، في منطقة المعلا، وتدرج في الوظائف الإدارية بالمعهد، حتى تم تعيينه رئيسًا لقسم السيارات لمدة خمسة أعوام، عقب ذلك تقدم عدنان للعمل كعضو هيئة تدريس في جامعة عدن لكنه صُدم برفض الجامعة قبوله؛ بسبب عدم وجود وساطة تُقدر وجود كوادر متميزة للعمل في بلادها. كما يقول لـ"خيوط".
ثمار الصبر
اعتبر عدنان ما حصل له في مدينة عدن نكسة لم يكن يتوقعها، لكنه لم يستسلم فقرر من جديد الرجوع إلى بلغاريا ليتقدم بطلب للجامعة التي تخرج منها الحصول على وظيفة، وبالفعل وافقت الجامعة تعيينه معيدًا في كلية الهندسة مدة ثمانية أعوام، وخلال تلك الفترة أبهر عدنان البلغار، حينما ابتكر مشروعًا لربط شبكة المواصلات القديمة التي تضم شبكة طرقات برية وسكك حديدية، بما يتناسب مع الزيادة الكبيرة في حركة المواصلات في عدد من المناطق البلغارية، ذلك النجاح كان مفتتحًا لتلاهف الشركات البلغارية على استقطاب عدنان للعمل فيها. وتكريمًا لجهوده في تطوير وسائل النقل البري في بلغاريا، أعلن اتحاد علماء بلغاريا، انضمام عدنان جعفر لعضوية الاتحاد.
وبعد أن تشبع خبرة في مجال هندسة طرق المواصلات، عمل مستشارًا في كثير من المؤسسات الهندسية البلغارية، قرر عدنان حينها أن يعود للعمل في مجال الكهرباء، وهذه المرة من خلال شركة تجارية أسسها في بلغاريا، وحقق من خلالها نجاحات كبيرة.
في حديثه لـ"خيوط"، يقول الدكتور عدنان جعفر أنه واجه صعوبات كثير في حياته العملية والعلمية، بالذات حينما كان يعيش في مدينة عدن وفي بلغاريا واجه صعوبة غلاء المعيشة، لكنه تجاوز هذه المشكلة بعد أن تحسن دخله المادي، وخلال فترة ثورات الربيع العربي واجه عدنان مشكلات عديدة حينما هاجر كثير من العرب ولجأ إلى أوروبا، وعندما وقعت تفجيرات إرهابية في أوروبا تغيرت نظرة البلغار تجاه العرب والمسلمين، ومما زاد الطين بلة ظهور الأحزاب اليمنية في بلغاريا، التي أشعلت نار الكراهية ضد العرب والمسلمين. وقد أعادت هذه الأفكار تاريخ الاستعمار التركي للبلغار، مدة 500 عام، بحسب عدنان.
يعيش عدنان جعفر حاليًّا في بلغاريا، البلد الذي انسجم في مجتمعه، وحقق فيه نجاحات علمية وعملية باهرة، وبمثل نجاحه مهنيًّا، استطاع عدنان تكوين عائلة متميزة، فبعد سنوات من زواجه من فتاة بلغارية نجح جعفر في توطئة الطريق لأبنائه والوصول بهم لمكانة مرموقة، حيث تتنوع أدوار بناته بين طبيبة ومهندسة، وثالثة ما تزال طالبة في المرحلة الابتدائية.