عصفت الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بالمواطنين في محافظة عدن (جنوبي اليمن)، ما دفع بالكثير منهم إلى الخروج للشارع في سبيل توفير لقمة العيش؛ فأينما يممت وجهك في أسواق المدينة تجد أعدادًا كبيرة من البسطات لشباب ونساء وحتى أطفال، لكلٍّ منهم حكايته الخاصة التي تحمل في طياتها الكثير من المعاناة والكفاح.
في هذا السياق، كما ترصد ذلك "خيوط"، تعتبر النساء الفئة الأكثر ضعفًا ومعاناة، حيث دفعهن الوضع المعيشي الصعب، مجبرات، إلى اللجوء إلى الأسواق الشعبية واتخاذها موقعًا للعمل والكسب.
قلة حيلة
اتخذت المسنة السبعينية، أم حمزة يحيى، منذ ما يقارب 45 عامًا، مساحة صغيرة في سوق "السيلة" الكائن في منطقة كريتر (وسط مدينة عدن)؛ للجلوس فيها وبيع "الجلجل" واللوز والشوكولاتة.
تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"؛ بهذه العبارة ابتدأت مروة ناصر (19 عامًا)، حديثها: "أنا خريجة ثانوية عامة، حلمت منذ الصغر بالدراسة في قسم المختبرات، ولم أتمكن من ذلك بسبب غلاء مستلزمات الدراسة (الملازم والمواصلات). حقيقة، أصبح البلد غير صالح للعيش"، في حين اضطرت رانيا رشاد إلى العمل على بسطة لبيع الكعك و"الغريبات" والعشار.
تسرد أم حمزة قصتها لـ"خيوط"، بحسرة قائلة: "الشكوى لغير الله مذلة، فهو المطلّع على حالنا، فضلت الخروج للعمل على أن أسأل الناس، أسكن في جبل بحي الأهلية بمنطقة كريتر، بمعية أولادي العشرة وزوجي الكبير بالسن الذي لم يعد يقوى على العمل، أنهكنا الغلاء، ففي السابق كنت أبيع قطعة الجلجل بمبلغ 10 ريالات، بينما وصل سعرها الآن إلى 200 ريال؛ كون المواد المستخدمة في صناعته ارتفعت بشكل كبير".
بحسب أم حمزة فإن الوضع يتجه للأسوأ: "تواجهنا صعوبات كثيرة، مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية. أصبحنا نرقع ترقيعًا فقط ونرضى بالحاصل، أما في السابق فكانت عيشتنا مقبولة وكنا راضين عنها".
تضيف: "وصل الحال إلى أن العزيز "اهتان"، أسأل ربي كل يوم الرزق الحلال، وأن يمن عليّ بالصحة والعافية. أحيانًا أتمنى الموت وأنا أشقى وأكافح على أولادي، لكن يبقى العمل عبادة ونحن مضطرون ومحتاجون له؛ كي لا يتجه أولادنا إلى الطريق الخطأ، بالرغم من صعوبة ما نقوم به، وفي حال أردنا تحسين أعمالنا ودخلنا فنحتاج لرأس مال؛ كي نتمكن من أخذ الأدوات والمستلزمات بشكل نقدي بعيدًا عن الدَّين".
ظروف قاسية
آمنة علي عبده (40 عامًا)، تعيش في عدن، حالها كحال الكثير من الأسر التي دفعتهن الظروف للعمل في الشارع، حيث قامت بافتراش الرصيف في سوق "السيلة" بجانب (الدرج) بكريتر، لبيع الجلابيات من خلال أخذ كمية من أحد تجار الجملة.
تقول آمنة لـ"خيوط": "أعمل هنا منذ ثماني سنوات، وأتحصل على مبلغ زهيد، لا يتعدى 200 ريال من الجلابية الواحدة، وتأتي فترات أعود فيها إلى منزلي بدون فلوس، أحيانًا نأكل وجبة واحدة في اليوم، ووجبتنا الرئيسية عبارة عن روتي وشاي".
"كثيرًا ما نمر بأيام صعبة، نبيت بها دون طعام"، تتابع آمنة التي تعيل تسعة أولاد وزوجها المريض بتضخم في القلب، ولا يستطيع العمل، موضحة: "الوضع المادي الصعب هو من دفع بي للخروج والعمل، وتساعدني ابنتي الصغرى في إعالة أسرتي من خلال بيعها الماء للمارة".
تضيف آمنة: "حال البلد كل يوم من سيئ إلى أسوأ، دفع بالنساء للخروج لطلبة الله في سبيل لقمة العيش، وأتمنى دعمي بمبلغ بسيط كي يكون لي مشروعي الخاص".
زيادة الإقبال بالمواسم
الشابة رانيا رشاد عبدالغفور (20 عامًا)، مالكة بسطة لبيع الكعك و"الغريبات" والعشار، تحدثت لـ"خيوط"، بعد تنهيدة طويلة، قائلة: "تمنيت أن أواصل دراسة الثانوية وأنتقل بعد ذلك لدراسة الجامعة، لكن الظروف حالت دون ذلك، حيث اتجهت للسوق والعمل في بسطة منذ عام بجولة الفل وسط كريتر، والبيع للناس في هذا المكان لكثرة توافدهم إليه، فهو يعتبر موقعًا حيويًّا"، مشيرةً إلى أنها تعيل أسرة مكونة من 5 أفراد.
تشرح رانيا الوضع هنا في هذا المكان: "الناس هنا كادحة ومتعاونة، وعملي قائم على الدَّين من مالك المخبز، أما "العشار" فتصنعه خالتي، أتحصل على فائدة بسيطة، ولا يتعدى ما أتحصل عليه في اليوم الواحد مبلغ خمسة آلاف ريال".
لكن يختلف الحال في المواسم، كالأعياد الدينية وغيرها، ففيه ترتفع الحركة في الأسواق ويُقبل الناس على الشراء بشكل كبير جدًّا، في حين تطمح رانيا بتطوير مشروعها، وأن تمتلك محلًّا صغيرًا خاصًّا بها.
حلم لم يكتمل
"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"؛ بهذه العبارة ابتدأت مروة ناصر صالح (19 عامًا)، حديثها: "أنا خريجة ثانوية عامة، حلمت منذ الصغر بالدراسة في قسم المختبرات، ولم أتمكن من ذلك بسبب غلاء مستلزمات الدراسة (الملازم والمواصلات). حقيقة، أصبح البلد غير صالح للعيش ويفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة".
تمثل ظاهرة خروج النساء للبيع بالشارع، ظاهرة جديدة على مدينة عدن التي توصف بأنها (أم المساكين)، تلك المدينة الذي كانت تشبع الجائع، ولكن الظروف أحالت بفتيات ومسنات لتوفير احتياجاتهن واحتياجات أسرهن، الأمر الذي يتطلب الالتفات لمثل هذه الفئة العاملة ومساندتها ودعمها، حيث تمثل نماذج كفاح ملهمة في سبيل لقمة العيش.
عن مشروعها الذي كونته من خلال مساعدة مالية حصلت عليها؛ تقول لـ"خيوط": "أمتلك بسطة صغيرة لبيع العطور في سوق البز بعدن، حيث أقوم بتركيب العطور ودمجها، اخترت العمل بهذا المجال؛ كون العطور مطلوبة ويمكن بيعها في أي يوم، بخلاف المأكولات".
تتابع حديثها بالتطرق إلى نظام عملها: "بداية كنت أخرج للعمل في البسطة بالمواسم فقط، ومع الحاجة الماسة اضطررت للخروج يوميًّا"، موضحةً أن الغلاء يشكل عقبة وتحديًا كبيرًا لها، خاصة في قيمة "العلب"، حيث إن هناك أنواعًا من العطور ثمنها مرتفع، لكن بعض الزبائن -كما تتأسف رانيا- لا تتفهم ذلك، ولا يتعدى ما تحصل عليه في اليوم الواحد أربعة آلاف ريال، حيث تعيل أسرة مكونة من 9 أفراد، وأختها الصغيرة تعاني من ضمور بالدماغ وتحتاج للعلاج مدى الحياة؛ وفقًا لقولها.
واختتمت حديثها بالإشارة إلى أن رأس المال الحقيقي يتمثل في حسن الأسلوب بالتعامل مع الزبائن، وحتى الآن -بحسب تأكيدها- لم تستقر على اسم محدد للبسطة التي تعمل فيها، وتطمح لتطويرها.
مساندة رائدات الأعمال
تمثل ظاهرة خروج النساء للبيع بالشارع، ظاهرة جديدة على مدينة عدن التي توصف بأنها (أم المساكين)، تلك المدينة الذي كانت تُشبع الجائع، ولكن الظروف أحالت بفتيات ومسنّات لتوفير احتياجاتهن واحتياجات أسرهن، الأمر الذي يتطلب الالتفات لمثل هذه الفئة العاملة ومساندتها ودعمها، حيث تمثل نماذج كفاح ملهمة في سبيل لقمة العيش.
تؤكد هبة فهيم، رئيسة مؤسسة "جلوبل شيبرز عدن"، لـ"خيوط"، أنّ المؤسسة التي تديرها تعمل منذ نحو 10 سنوات في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة، ورفع أصوات النساء للمشاركة في بناء السلام، إذ يأتي هذا الاهتمام بمشاريعهن، بصفته أولوية تحظى بمتابعة وإشراف منتدى الاقتصاد العالمي.
تضيف أنه منذ فجر التاريخ، لعبت المرأة دورًا مهمًّا في بناء المجتمع وتطويره، وخلال العقود الأخيرة بدأت النساء في اليمن بتحقيق نجاحات عظيمة في مجال ريادة الأعمال؛ لذا -كما تقول- تبنت المؤسسة أخذ توكيل أحد التصاريح العالمية المهمة في مجال ريادة الأعمال، وهو تصريح (ستارت أب ويك آند)، الفعالية السنوية التي تقام في كل دول العالم، وتتدخل فيها الشركة الأم بمنح المشارِكات هدايا تقنية تساعدهن على تطوير مشاريعهن.
لكن رغم ذلك، يظل دور الحكومة هو الأهم في دعم مشاريع تمكين رائدات الأعمال محليًّا وإعطائهن المجال للحصول على فرص دولية على حد سواء، إذ تبدي فهيم الاستعدادَ لتقديم كل الاستشارات والتسهيلات الدولية بهذا البرنامج في حال تبنّته الحكومة مشروعًا وطنيًّا يخدم رائدات الأعمال في اليمن.