حرب خفية على الأراضي في عدن

الاستقواء على حق الضعفاء في ظل انفلات أمني
محمد جسار
September 16, 2024

حرب خفية على الأراضي في عدن

الاستقواء على حق الضعفاء في ظل انفلات أمني
محمد جسار
September 16, 2024
الصورة لـ: خالد القاضي - خيوط

تخيل أنك تستيقظ ذات صباح لتجد أنّ الأرض التي امتلكَتها عائلتك لأجيال لم تعُد ملكك. هذا هو الواقع الذي يقاسيه الكثير من سكان عدن المتخذة عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًّا.

فالمدينة الواقعة جنوبي اليمن، التي عانت بشكل كبير طوال سنوات الحرب والصراع، تواجه حاليًّا أزمة جديدة تتضخم بشكل تصاعدي خطير مع تفشي نزاعات ملكية الأراضي والمصادرات غير القانونية.

في إطار بحثنا حول مشكلة التعدي على الأراضي في مدينة عدن، تبيّنَ أنّ هذه الظاهرة تشكّل تحديًا كبيرًا يؤثر على السكان المحليين ويعرض حقوقهم وممتلكاتهم للخطر. ووفقًا للمعلومات التي تم جمعها من سكان المناطق التي تضررت بسبب البسط على الأراضي، تبيّن أن التعدي على الأراضي يتم بطرق مختلفة، بما في ذلك الاحتلال (البسط) غير الشرعي، والتلاعب بالوثائق العقارية.

استغلال النافذين للفراغ الأمني

في أعقاب الصراعات التي شهدتها محافظة عدن، برزت ظاهرة خطيرة تهدّد النسيج الاجتماعي والممتلكات الخاصة، تتمثل في المحاصصة العشوائية للأراضي دون وجود أوراق رسمية ثبوتية. هذه الممارسات، التي انتشرت بشكل واسع، تؤدّي إلى نزاعات لا حصر لها، وتزيد من حدة التوتر في المدينة.

ترصد "خيوط"، هذه الأزمة المعقدة التي تشكّل تهديدًا حقيقيًّا للمجتمع في عدن، حيث تبرز مجموعة من الأسباب التي أدّت إلى انتشار هذه الظاهرة؛ أهمّها الفراغ الأمني، حيث استغل بعض النافذين والفئات الفراغَ الأمني الذي ساد في المدينة بعد الحرب، وقاموا بالاستيلاء على أراضٍ لا يملكونها، إلى جانب غياب الرقابة الحكومية على عمليات البيع والشراء العقارية، ممّا شجّع على ارتكاب هذه الأعمال من التعدي والبسط.

مشكلة الأراضي في عدن قضية معقدة ومتشعبة لها جذور تاريخية وسياسية واقتصادية، تنعكس في تضخم هذه المشكلة وتزايد حدة البسط على الأراضي بشكل غير قانوني، مما يؤدي إلى نزاعات وصراعات مستمرة؛ فهناك أراضٍ بيعت أكثر من مرة، وهناك أراضٍ عليها خلافات، ينتصر فيها الأقوى دائمًا، وللأسف لا عزاء للضعفاء.

إضافة إلى عامل النزوح والتشرد الذي زاد من تعقيدات هذه الأزمة، حيث أصبح من الصعب تحديد ملكية الأراضي. وهناك مشكلة متعلقة بالوثائق؛ إذ فقدَ الكثيرُ من المواطنين وثائق ملكية أراضيهم خلال الحرب، ممّا سهّل عملية الاستيلاء عليها.

فالكثير من الذين فرّوا من أتون الحرب -كما يشرح الباحث الاجتماعي، محمد الديني لـ"خيوط"- عادوا وبيوتهم وأراضيهم مع أشخاص آخرين، وبعضهم حينما طالبوا بحقوقهم، تلقوا الرفض من الباسطين، وهذا الشيء حدث في أكثر من مكان في مدينة عدن.

أحد هذه الأماكن "مدينة الصالح" في منطقة البريقة، التي كانت تشكو من غياب الخدمات، وما زالت تشكو، فالماء والكهرباء مقطوعة عنهم، ويعيشون على مولّد واحد يربط جميع منازل الحي السكني، أما المياه فتؤخذ من ناقلات المياه التي تأتي في اليوم مرة واحدة، إذ يشير الديني إلى أنّ هذه العوامل جعلت منها مدينة يسكنها كلّ من أراد الاستيلاء على الشقق أو الأراضي.

غياب الرقابة وإنفاذ القانون

في ظل غياب الرقابة والتدقيق الفعّال من الجهات الحكومية، تستمر هذه الممارسات غير القانونية في الازدياد، مما يثير قلق السكان، ويؤدّي إلى نزاعات أرضية تهدّد الاستقرار الاجتماعي. وتواجه السلطات التحديات في تطبيق القانون واستعادة الأراضي المنهوبة، مما يتطلب تعزيز الإجراءات القانونية وتعزيز الرقابة على عمليات تحويل الأراضي.

المحامي أدهم عوض، يؤكّد لـ"خيوط"، أنّ التعدي على الأراضي في عدن يمثّل تحدّيًا كبيرًا للسلطات المحلية والمجتمع المدني، حيث تتطلب معالجة هذه المشكلة تعاونًا وتنسيقًا شاملين بين مختلف الأطراف المعنية. إضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ هناك حاجة ملحة لتحسين القوانين واللوائح المتعلقة بالعقارات وتعزيز الرقابة والمراقبة لضمان تطبيقها بكفاءة.

وفي ضوء هذه الاستنتاجات، يرى عوض أنه ينبغي على السلطات المحلية اتخاذ إجراءات فورية وفعّالة لوقف عمليات التعدي على الأراضي وتحقيق العدالة للمتضررين، كما يتعين على الجهات المعنية تعزيز التوعية والتثقيف بحقوق الملكية العقارية، وتشجيع الشفافية والنزاهة في صفقات العقارات للحدّ من حالات التعدي والفساد.

يضيف أنّ التصدي لمشكلة التعدي على الأراضي يتطلب جهودًا مشتركة ومتواصلة من الجميع، ويجب أن تكون حماية حقوق المواطنين والحفاظ على الممتلكات العقارية ذات الأهمية القصوى؛ لضمان استقرار المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة.

إضافة إلى ذلك، فإن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات المحلية في عدن، تتمثل في معالجة مشكلة التعدي على الأراضي في ظل ضعف الرقابة وإنفاذ القانون، فقد تبيّن وفق المستشار القانوني أديب طاهر، لـ"خيوط"، أن هناك نقصًا في الرقابة والمتابعة على عمليات التعدي وانتهاكات الحقوق العقارية، ممّا يسهل على المتورطين في هذه الأعمال غير المشروعة الاستمرار في تلك الأنشطة دون مواجهة عواقب قانونية جدية.

في حين يشير عوض إلى أهمية تعزيز التوعية والتثقيف بحقوق الملكية العقارية لدى المواطنين، حيث إنّ الوعي بالقوانين والحقوق هو جزء أساسي من الحفاظ على الممتلكات العقارية والدفاع عنها. ويعد توفير الدعم القانوني والمساعدة للأفراد الذين يتعرضون للتعدي على أراضيهم، من أهم التحديات التي يجب معالجتها.

كما تواجه السلطات المحلية، بحسب عوض، تحديات وصعوبات في تحقيق العدالة في حالات التعدي، خاصة عندما يكون المتورطون أطرافًا ذوي نفوذ أو موارد كبيرة، حيث يجب على السلطات أن تكون قادرة على محاسبة المتورطين وتطبيق العقوبات بشكل عادل ومنصف؛ لضمان تحقيق العدالة ومنع تكرار تلك الأعمال في المستقبل.

إلى جانب ضعف أجهزة الضبط وغياب الرقابة والتفتيش، وضعف تطبيق القوانين؛ يبرز عدم القدرة على التصدي للمتعدين بوصفه من أهم العوامل التي ساهمت في تضخم هذه المشكلة وتحولها إلى أزمة تستعصي على الحل.

الباحثة الاقتصادية مروة السويدي، تعتبر في حديثها لـ"خيوط"، أنّ مشكلة الأراضي في عدن قضية معقدة ومتشعبة لها جذور تاريخية وسياسية واقتصادية، تنعكس في تضخم هذه المشكلة وتزايد حدة البسط على الأراضي بشكل غير قانوني، ممّا يؤدّي إلى نزاعات وصراعات مستمرة؛ فهناك أراضٍ بيعت أكثر من مرة، وهناك أراضٍ عليها خلافات، ينتصر فيها الأقوى دائمًا، وللأسف لا عزاء للضعفاء. فضلًا عن كون هذه المشكلة من أكبر التحديات الاجتماعية التي تواجه مدينة عدن، حيث تهدّد استقرار المجتمع وتنميته. 

هذا الوضع يزيد من معدلات التشرد والسكن العشوائي، ويؤدّي إلى نمو الأحياء الفقيرة والمهمشة في المدينة، إضافة إلى أنه يعرقل توفير الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي في المناطق المتضررة، وهذا الشيء يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة وصحة السكان، ويزيد من المشاكل الصحية والبيئية.

كما يؤدّي التعدّي على الأراضي إلى انعدام الأمن والاستقرار في المجتمع، وتفتت النسيج الاجتماعي وزعزعة الثقة بين أفراد المجتمع، وفقًا لحديث الباحث منصور علي لـ"خيوط"، إضافة إلى حدوث صراعات ونزاعات بين السكان والمتعدين، تؤدي إلى انحدار العلاقات الاجتماعية بينهم.

بينما ترى السويدي أنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي، حيث يتسبب التعدي على الأراضي في تقليل فرص الاستثمار ونمو الاقتصاد، ويضعف ثقة المستثمرين، ومن ثم يتأثر توزيع الثروة والدخل في المجتمع.

وتشدّد على ضرورة أن تتخذ السلطات المحلية والحكومية إجراءات حازمة للحدّ من هذه المشكلة والتصدّي للمتعدّين، وتوفير الحماية القانونية لحقوق المواطنين في الحصول على أراضيهم، وضمان الإنصاف في التوزيع والاستخدام السليم للأراضي، مؤكدة أنه يجب على الحكومة تشديد الرقابة والتفتيش على الأراضي المتعدّى عليها واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهها.

تبعات اجتماعية تتطلب حلولًا عادلة 

تسبّبت هذه الأزمة والمشكلة في ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في أغلب المناطق في عدن، المتخذة عاصمة مؤقتة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، حيث أصبحت بعيدة عن متناول الفئات ذات الدخل المحدود.

يلفت الباحث الديني إلى أنّ هذا الوضع يزيد من معدلات التشرد والسكن العشوائي، ويؤدي إلى نمو الأحياء الفقيرة والمهمشة في المدينة، إضافة إلى أنه يعرقل توفير الخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والصرف الصحي في المناطق المتضررة، وهذا الشيء يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة وصحة السكان، ويزيد من المشاكل الصحية والبيئية.

فضلًا عن أن التشرد والنزوح الناجم عن التعدي على الأراضي، يؤدّي إلى انقطاع الأطفال عن التعليم أو التحاقهم بمدارس بعيدة عن مناطق سكنهم؛ الأمر الذي يؤدّي إلى حرمانهم من التعليم، ويزيد من معدلات التسرب المدرسي.

أما في مسألة الآثار الاجتماعية، التي تتكون بسبب استقطاع الأراضي والتعدي عليها، فيشير الديني إلى أن التعدي على الأراضي يغذّي الصراعات والخلافات بين مختلف الجماعات والأطياف في المجتمع. وبهذا الشكل يضعف الترابط الاجتماعي، ويؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي في المدينة.

ويرى من وجهة نظره، أنّ معالجة هذه الآثار الاجتماعية المترتبة على التعدي على الأراضي في عدن، تتطلب خطة شاملة تشمل الجوانب القانونية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية. وهذا يتطلب تضافر جهود السلطات المحلية والمجتمع المدني لإيجاد حلول عادلة ومستدامة لهذه المشكلة.

•••
محمد جسار

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English