تشهد محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، ارتفاعًا كبيرًا في عدد حالات الإصابة بوباء الكوليرا، وسطَ انعدام كبير للحلول الوقائية والإجراءات الاحترازية للتصدّي لهذا الوباء الفتّاك، الذي غزا العالم أجمع، وبدأ يتفشى بشكلٍ مُتسارع وخطير في بعض المحافظات اليمنية التي تعاني انهيارًا كبيرًا في المنظومة الصحية، بسبب الحرب والصراع الدائر منذ العام 2015.
تُظهر إحصائية حديثة صادرة عن مكتب وزارة الصحة بعدن، حصلت "خيوط" على نسخة منها- ارتفاعَ عدد الحالات المصابة بوباء الكوليرا إلى 41 حالة بعدن، جعلتها تتصدر قائمة المحافظات الأكثر تسجيلًا لحالات الإصابة بهذا الوباء، تليها محافظة تعز التي سجّلت 17 حالة.
بينما جاءت محافظة أبين في المركز الثالث، مسجلةً 14 حالة، والضالع في المركز الرابع، حيث سجّلت 8 حالات إصابة، واحتلت حضرموت المركز الخامس وسجّلت 4 حالات، بينما سجّلت كلٌّ من الحديدة ومأرب وشبوة 6 حالات إصابة، يأتي ذلك في ظلّ انعدام كافة الإجراءات الوقائية.
بالمقابل، كشف مصدر طبي مسؤول في مستشفى الصداقة بعدن -فضّل عدم ذكر اسمه– لـ"خيوط"، أنّ المستشفى استقبل خلال الأيام القليلة الماضية 562 حالة يُشتبه بإصابتها بوباء الكوليرا، منها أربع حالات لمهاجرين أفارقة، مشيرًا إلى أنه تم تجهيز عددٍ من الخيام في مركز العزل التابع للمستشفى، لاستقبال الحالات القادمة المصابة أو المشتبه بإصابتها بوباء الكوليرا، رغم شحة الدعم المقدّم من الجهات المعنية.
كما أوضح أنّ مركز العزل يفتقر إلى العديد من الاحتياجات اللازمة؛ أهمُّها المكيفات، لمواجهة موجة الارتفاع الشديد للحرارة التي لا يتحمّلها المرضى من كبار السن والأطفال، مؤكدًا أنّ مركز العزل بمستشفى الصداقة يعدّ الوحيد حتى الآن في عدن الذي يستقبل الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها بوباء الكوليرا.
البنية التحتية مُنهارة بشكل كبير، مع عدم وجود إصحاح بيئي مناسب لحماية البيئة والمواطن في المحافظات المنتشر فيها وباء الكوليرا، وتحديدًا عدن، حيث بدأ المؤشر الوبائي يتصاعد بشكل مُتسارع، مستهدفًا الأطفال؛ الشريحة الأضعف في مواجهة الوباء.
ويأتي تفشي وباء الكوليرا في عدن والمحافظات المجاورة لها، وسطَ غياب تام لوزارة الصحة عن القيام بمسؤولياتها لمواجهة هذا الوباء الذي تزامن انتشاره مع تفشٍّ كبير للقمامة ومياه الصرف الصحي في شوارع رئيسية متعددة، بعضها مقابل لأحد المستشفيات، الأمر الذي أدّى إلى انتشار البعوض والأوبئة بشكلٍ مقلق وخطير يهدّد حياة وسلامة الكثير من الناس.
والكوليرا عبارة عن عدوى حادّة تسبّب الإسهال، وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوثة ببكتيريا الكوليرا، ولا تبدو على معظم المصابين بعدوى الكوليرا أية أعراض، أو تبدو أعراض خفيفة للإصابة بها، غير أنّ العدوى قادرة على أن تُودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات، إن تُرِكت من دون علاج، حسب منظمة الصحة العالمية.
وضع صحي خطير
في السياق، قال وزير الصحة العامة والسكان في الحكومة الشرعية، الدكتور قاسم بحيبح، في تصريحات صحفية، إنّ تزايُد حالات الكوليرا في اليمن، يستدعي تدخّلًا أمميًّا عاجلًا. جاء ذلك عقب اتصال مرئيٍّ مع المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، الدكتورة حنان بلخي.
وأضاف بحيبح: "اليمن ما زالت تعيش وضعَ طوارئ صحية، ويجب ألّا تتراجع إلى الوضع المنسي عند المانحين والمنظمات الدولية"، مشيرًا إلى أنّ تزايد حالات الكوليرا في عدد من المناطق، يستدعي تدخل المنظمة، مؤكدًا أنّ النظام الصحي في اليمن، "ما زال يواجه تحديات كثيرة من استمرار الحرب والصراع منذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الدولة، والوضع الاقتصادي الصعب، وتدفق المهاجرين غير الشرعيين".
وتشير تقديرات المنظمات الدولية إلى أنّ عدد الإصابات السنوية بالكوليرا، يتراوح بين 1.3 و4 ملايين إصابة، ووفاة ما يتراوح بين 21 ألفًا و143 ألف حالة في جميع أنحاء العالم، نتيجةً للأزمات الإنسانية المتداخلة، مثل الحروب والنزاعات والهجرة والفقر والظلم الاجتماعي، التي تُجبر الناس على العيش في ظروف غير صحية، وتؤدّي إلى ازدهار المرض.
انهيار الإصحاح البيئي
يؤكّد مواطنون أنّ الوضع الصحي في عدن، يشهد انهيارًا مستمرًّا في ظلّ غياب الدور الفعلي لوزارة الصحة على أرض الواقع، حيث أصبح الكثير منهم يعاني الأمرَّين؛ انتشار الوباء، وانعدام الحلول الوقائية، الأمر الذي يعرض حياة الكثير من المواطنين في عدن والمناطق المجاورة لها لخطرٍ كبير إزاء انتشار وباء الكوليرا الفتّاك بشكلٍ مُتسارع.
وكيلة وزارة الصحة المساعد لقطاع السكان، الدكتورة إشراق السباعي، أكّدت في تصريح لـ"خيوط"، أنّ الموجة الثانية من وباء الكوليرا تعتبر من أكثر الموجات انتشارًا في عدن، نتيجةً للكثافة السكانية، والانهيار التام للإصحاح البيئي، وكذا تزايد توافد المهاجرين من القرن الإفريقي الذين باتوا يفترشون الأرض في كل مكان بالمدينة.
وقالت السباعي في حديثها لـ"خيوط"؛ إنّ البنية التحتية "مُنهارة بشكل كبير مع عدم وجود إصحاح بيئي مناسب لحماية البيئة والمواطن في المحافظات المنتشر فيها وباء الكوليرا، وتحديدًا عدن، حيث بدأ المؤشر الوبائي يتصاعد بشكل مُتسارع، مستهدفًا الأطفال؛ الشريحة الأضعف في مواجهة الوباء".
موضِّحةً أنّ وزارة الصحة بكافة مراكزها وفروعها في عدن، "تبذل قصارى جهودها لمواجهة هذا الوباء الفتّاك، والقضاء عليه رغم شحة الإمكانيات والأوضاع الصعبة التي تمُرّ بها البلاد في المرحلة الحالية"، لافتةً إلى أنّ الوزارة تعمل بشكل مكثف على توعية المجتمع بأهمية الوقاية من المرض، من خلال نظافة اليدين وغسل الخضار وشرب مياه نظيفة وآمنة، والاهتمام بالنظافة الشخصية، وعدم الاقتراب من الأماكن الموبوءة.
في حين، تُقدر إجمالي الحالات التي وصلت إلى المراكز الصحية من بداية الموجة الثانية حتى يومنا هذا، في المحافظات الموبوءة (عدن، والضالع، ولحج، وتعز)، بنحو 1957 حالة؛ إذ تشير السباعي إلى أنّ هذه الحالات تعاني من إسهالات مائية حادّة، بعد القيام بالفحص الزراعي لنحو 226 حالة، كما أنّ معدل الوفَيَات سجل خمس حالات؛ ثلاث منها في عدن، وحالتان في محافظة تعز.
وباء سريع الانتشار
من جانبه، يشرح الدكتور مروان عبدالرحمن، استشاري الأمراض الباطنية والقلب، أستاذ مساعد بكلية الطب- جامعة عدن، لـ"خيوط"، أنّ الكوليرا وباء مُعدٍ، ينتشر بشكلٍ سريع بين المرضى، خصوصًا الطبقة المتوسطة والفقيرة؛ بسبب تناول الأطعمة الملوثة أو شرب المياه الملوثة بالبكتيريا. مُشيرًا إلى أنّ "علاجه سهل جدًّا، لكن التأخر في علاجه قد يتسبب في مضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة مباشرةً".
ولفت إلى أن "السبب الرئيس للوفاة هو الفشل الكلوي الحادّ، وأيضًا نقصان المعادن الأساسية، مثل البوتاسيوم والصوديوم، لكن حالات الوفيات تكاد تكون شبه معدومة في هذه الجائحة الأخيرة"، موضحًا أنّ ذلك يأتي نتيجة وعي الناس بضرورة التدخل السريع لتعويض المريض بكمية كبيرة من السوائل عبر الوريد".
وفي ظل انعدام الحلول الحكومية، اقترح الدكتور مروان "ترقيد المريض المُصاب بوباء الكوليرا في مركز خاص بالوبائيات، مع المتابعة الحثيثة لحالة الجفاف، وأيضًا وظائف الكلى، والتعويض المناسب للسوائل؛ لتفادي مرحلة الخطر".
ووفقًا لتقارير دولية، فإنّ اليمن تشهد تفشيًا مُتسارعًا لحالات الإصابة بالكوليرا، حيث ساهمت الحرب، التي اندلعت نهاية العام 2014، وما زالت مستمرة، وما رافقها من تدهور الحياة المعيشية، وانهيار القطاع الصحي، إلى ظهور المرض من جديد في العام 2016، بينما تسبّب في أواخر عام 2018، بوفاة 2500 يمنيّ، غالبيتهم من الأطفال، جراء انتشار موجة الإسهالات المائية الحادّة التي أصابت أكثر من مليون و300 ألف شخص، في أكبر وأسرع انتشار للمرض في التاريخ الحديث، بينما ما زال في انتشار مُتسارع حتى العام الجاري 2024.