تصاعدت الأصوات المطالبة بصرف رواتب أكاديميِّي جامعة صنعاء، البالغ عددهم (1809) أكاديمي، وفقًا لكشوفات صادرة عن الجامعة لنصف الراتب الذي يتم صرفه أربع مرات فقط في السنة، إلا أن تلك النداءات لم تجد أذنًا صاغية، باستثناء صرف الرواتب لعدد قليل من الأكاديميين من قبل حكومة عدن، وعلى الرغم من معاناة الأكثرية، واصل الأكاديميون مسيرتهم التعليمية، إيمانًا منهم بأهمية ونبل الرسالة الأكاديمية، وحرصًا على عدم توقفها؛ كونها طوق نجاة لمجتمع يعاني من الصراع والأوضاع المأساوية.
الدكتور ثابت الغابري، أستاذ بكلية الهندسة جامعة صنعاء، يتحدث بحرقة في حسابه على فيسبوك عن معاناته جراء انقطاع راتبه وتردّي وضعه الاقتصادي، موجهًا كلامه لأطراف الصراع قائلًا: "عدت مشيًا على الأقدام من كلية الهندسة بجامعة صنعاء (مقرّ عملي)، حتى منزلي الكائن في منطقة صَرِف القريبة من الحتارِش، لمسافة استغرقت أكثر من ساعتين ونصف؛ أي ما يزيد عن 10 كيلو مترات، بسبب ظروف مادية فاقمها انقطاع الراتب".
يقول عبده الأكوع، أستاذ في كلية الإعلام، لـ"خيوط": "هناك قناعات لدى عدد كبير من الأكاديميين اليمنيين، وإيمان راسخ أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعليم، لذلك واظبوا على تأدية واجباتهم التدريسية رغم انقطاع مرتباتهم منذ سنوات، داعيًا إلى "إشراك أساتذة الجامعات في أي حوارات قادمة، والاستفادة من طروحاتهم لتحقيق السلام".
دعوات متكررة
الجدير بالذكر أن عدد الجامعات، وفقًا لبوابة التنسيق الإلكتروني للجامعات اليمنية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في صنعاء لسنة 2021، يبلغ 13 جامعة حكومية، باستثناء جامعات إقليم سبأ ومقرها في مأرب، وجامعة سيئون في حضرموت، وجامعة أبين في محافظة أبين، في حين بلغ عدد الجامعات الخاصة 38 جامعة، موزعة على مختلف المحافظات اليمنية.
الواقع مختلف تمامًا، وصاحب القرار لا يلجأ للأكاديمي رغم استعداد الأخير للتعاون، وتقديم المشورة العلمية للقضايا والمشكلات المختلفة، وفي حال لجأ الساسة والفرقاء لرؤى وآراء الأساتذة الجامعيين، فلن يعملوا بها؛ لأنها عادةً لا تتفق مع مشاريعهم الخاصة".
وفي إطار الدور الأهمّ الذي يمكن أن يلعبه أساتذة الجامعات اليمنية في إطار إحلال السلام، يرى أستاذ العلاقات العامة المساعد بجامعة صنعاء الدكتور حاتم الصالحي، في حديثه لـ"خيوط"، أن "الجامعات تعد النقطة الأولى للسلام، ولأي عملية بناء وتطوير في مختلف الدول؛ لأنهم المسؤولين عن دراسة الأوضاع واستكشاف الحلول للمشكلات وفق رؤية منهجية وعلمية".
ويشير الصالحي إلى أنه إذا أتيحت للأكاديميين الفرصة فهم قادرين على صناعة السلام، والتوصل إلى حل سياسي يُرضي جميع الأطراف؛ لأنهم معنيّون بدراسة الأسباب والإفرازات والتداعيات التي بسببها اندلعت الحرب.
إلا أن المشكلة تكمن في تهميش دور الأكاديميين، بل الأسوأ من ذلك تجويعهم ومحاربتهم في لقمة عيشهم.
نشر ثقافة السلام
ومن المتوقع أن يتجاوز عدد طلاب الجامعات اليمنية عتبة الـ400 ألف طالب بحلول سنة 2021، إذا ما أخذنا في الاعتبار انضمام جامعات حكومية وأهلية جديدة، فضلًا عن استحداث تخصصات جديدة، حيث قدر المركز الوطني للمعلومات أعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات اليمنية الحكومية العامة والخاصة في سنة 2010 بـ(266096) طالبًا وطالبة، في حين بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في الجامعات اليمنية الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، (8952) وفقًا للكشوفات المعتمدة لدى حكومة عدن، منها (1809) في جامعة صنعاء، توزعت بين 176 أستاذًا، و327 أستاذًا مشاركًا، و821 أستاذًا مساعدًا، 108 مدرسين، 377 معيدًا، في حين بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في جامعة تعز (299) وفقًا لموقع الجامعة، في حين بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في جامعة حضرموت، وفقًا لموقع الجامعة (809)، و(231) طالبًا وطالبة في جامعة سيئون الناشئة، وفقًا لتصريحات إعلامية لرئيس الجامعة.
ولأهمية الدور الملقى على عاتق الجامعات في بناء الأوطان ونشر ثقافة السلام، يرى الصحفي أحمد الشبارة في حديث لـ"خيوط"، أن الجامعات لها دور كبير في بناء وترسيخ السلم الداخلي والمجتمعي، وتعزيز احترام القانون والعدالة الاجتماعية والقبول بالآراء المختلفة، وبالتالي لا يمكن التقليل من دور الأكاديميين باعتبارهم نخبة مجتمعية يمكن من خلالها تثقيف الشباب في بناء ونشر السلام كبديل عن الصراعات والنزاعات.
في السياق ذاته، قالت المعيدة بجامعة تعز، أماني المقبلي، أثناء حديثها لـ"خيوط": "يرتكز دور الأكاديميين في غرس الأفكار والقيم والمبادئ التي تمهد لإقناع الناس بأهمية السلام ونبذ العنف والسلوكيات التي تؤدي إلى تأجيج الحرب، مشيرةً إلى أن القيم التي يزرعها الأكاديميون حول التسامح واحترام آراء الآخرين وحقوقهم تسهم بشكل أو بآخر في الدفع بعملية السلام إلى الأمام".
عبير الأثوري، مسؤولة مبادرة بناء السلام في اليمن، تعبر في حديث لـ"خيوط"، عن استيائها مما أسمته اصطفاف بعض الأكاديميين مع هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع، وتحولهم إلى مسعري حرب بدلًا عن الدور المعوّل عليهم في تحقيق السلام.
تهميش واضح
في سياق متصل، يعترض أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة صنعاء، الدكتور علي العمار، في تصريح لـ"خيوط"، للانتقادات الموجهة للأكاديميين بسبب غياب دورهم، قائلًا:" كثيرًا ما يلام الأكاديميون اليمنيون لغياب أدوارهم في إيجاد حلول ناجعة للأزمات التي تواجه البلاد، والقيام بأدوار ملموسة تسهم في إعادة السلام"، مضيفًا: "الواقع مختلف تمامًا، وصاحب القرار لا يلجأ للأكاديمي رغم استعداد الأخير للتعاون وتقديم المشورة العلمية للقضايا والمشكلات المختلفة، وفي حال لجأ الساسة والفرقاء لرؤى وآراء الأساتذة الجامعيين، فلن يعملوا بها؛ لأنها عادةً لا تتفق مع مشاريعهم الخاصة"، مبديًا استياءه من أنّ لا أحد يكترث لمعاناة الأستاذ الجامعي المستمرة جراء تردي أوضاعهم المعيشية الصعبة.
تبقى الجامعات منبرًا لا يمكن الاستهانة به أو إغفاله، باعتبارها قادرة على تعزيز ثقافة السلام واللاعنف، وتوفير البيئات التعليمية الآمنة، إذا ما تم الاستفادة منها والاستعانة بمن قضوا سنوات طويلة في البحث والدراسة وتحليل الوقائع من الأكاديميين الذين تفخر بهم الأوطان.