مدارس معطلة في أبين

نقص في المعلمين وتوقف دعم المتطوعين
عبير علي
October 5, 2024

مدارس معطلة في أبين

نقص في المعلمين وتوقف دعم المتطوعين
عبير علي
October 5, 2024
طلاب فصل دراسي لمدرسة تعليملة في محافظة أبين

على قارعة البطالة، يقفُ قرابةُ ثلاثة آلاف معلم متطوع، ممّن تمَّ التعاقدُ معهم قبل عامين؛ لتغطية نقص الكادر التدريسي الذي تعانيه محافظة أبين (جنوب اليمن) كغيرها من المحافظات اليمنية، منذُ عقد .

في مطلع العام الدراسي 2022/2023، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" مشروعَ استعادة التعليم والتعلُّم، استهدف عدةَ مديريات في بعض المحافظات اليمنية، كريف تعز ومأرب، ومديرية خنفر، كُبرى مديريات محافظة أبين .

استهداف المشروع لمديرية خنفر -فقط- كان هو المُتفق عليه، حيثُ استهدف المشروع فيها قرابة السبعين مدرسة، وكان إجمالي المعلمين المتطوعين فيها 1200 معلم/ـة، تلا ذلك استهداف بقية مديريات المحافظة في العام التالي -ماعدا مديرية المحفد- كحاجةٍ ضرورية، حيثُ بلغ إجمالي المدارس المستهدفة في عموم المحافظة 104 مدارس، بواقع 2850 معلمًا متطوعًا تقريبًا .

ظل الوضع التعليمي معرِضَ نقاشات الشارع في أبين منذُ توقف المشروع، حيثُ أصبح القلق من عودة أزمة نقص المعلمين يساور الأهالي، بعد أن ظلوا يعانونها على مدى عشر سنوات، إلى جانب جملةٍ من المنغّصات الأخرى، كان أبناؤهم فيها عرضةً لضعف التحصيل العلمي من جهة، وحرمانهم تعلُّمَ بعض المواد من جهة أخرى.

الدعم الذي قدمته منظمة اليونيسف لمدارس محافظة أبين، شمل جوانبَ مختلفة، لكن أبرزه تمثل في دعم المعلمين المتطوعين بحوافز مالية فصليَّة، تُقدر بحوالي 50 دولارًا للشهر الواحد؛ الأمر الذي حل مشكلة نقص الكادر التدريسي من جهة، واستيعاب عدد كبير من الخريجين التربويين العاطلين عن العمل من جهة أخرى، بشكلٍ مؤقت .

عبير هادي، إحدى المعلمات المتطوعات، تعبّر لـ"خيوط"، عن أسفها على وضع الطلاب الراهن، بعد توقف الكثير من المتطوعين عن العمل؛ بسبب توقف الدعم المالي عنهم، وعلى مصير العملية التعليمية في حال عدم وجود حلول جذرية تنهي معاناة الطلاب القائمة منذُ سنوات .

قطاع يعتمد على الدعم

وتعاني اليمن عمومًا، منذُ بداية الحرب 2015، تدهورًا في مختلف القطاعات، من بينها القطاع التعليمي، الذي شهد تدهورًا كبيرًا؛ نتيجة تدمير العديد من المدارس الواقعة على خط النزاع، وتدهور البنية التحتية لبقية المدارس، إضافة إلى الكثافة الطلابية، وعدم توفر الكتاب المدرسي، ونقصًا كبيرًا في الكادر التدريسي، الذي يعودُ إلى جملة من الأسباب، ما انعكس سلبًا على مخرجات التعليم في اليمن، في السنوات الأخيرة.

وفي تقرير سابقٍ لمنظمة الطفولة يونيسف، عن وضع التعليم في اليمن، أكّدت اليونيسف تعرُّض 2916 مدرسة للدمار (مدرسة واحدة على الأقل، من كل أربع مدارس)، كما أكدت مواجهة الهيكل التعليمي عوائق كثيرة، تمثلت في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين -ما يقرب من 172,000 معلم ومعلمة- على رواتبهم بشكل منتظم منذ 2016، أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مُدِرّة للدخل .

غيابُ الدولة وضعف الدور الحكومي في الجانب التعليمي، جعل وزارة التربية والتعليم تلجأ للمنظمات المعنية بذلك، ومنذُ بداية الأزمة والحرب في اليمن، لعبت منظمة اليونيسف دورًا بارزًا في دعم القطاع التربوي في عموم المحافظات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وكان لمحافظة أبين نصيبٌ من ذلك الدعم، الذي أدى إلى استقرار العملية التعليمية بشكلٍ نسبي، عامين دراسيين، وكان المتوقع أن يستمر الدعم عامًا ثالثًا، بحسب العقد المبرم بينها ووزارة التربية والتعليم، غير أن توقف المشروع فجأةً أثار قلق مكاتب التربية في المحافظة والأهالي على حدٍّ سواء .

في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، أبلغَت منظمةُ اليونيسف المعلمين المتعاقدين معها عبر رسائل نصِّية، عن توقف المشروع في عموم المديريات المستهدفة، وتوقف دعمها لهم بشكلٍ تام، ترتَّب على ذلك إيقاف عدد كبير من المعلمين المتطوعين للتدريس، خاصةً أن مكتب التربية في المحافظة، وقف عاجزًا أمام تجاوز الأزمة وحلّها بسرعةٍ قصوى .

الكثيرُ من مدارس المحافظة، أصبحتْ تعاني شللًا شبه تامٍّ في العملية التعليمية، خاصةً أنها اعتمدت -مؤخرًا- على المعلمين المتطوعين بدرجةٍ كبيرة، حيثُ وصل عددهم في المدرسة الواحدة قرابة الثلاثين معلمًا، ما جعل المدارس تواجه تحدياتٍ كبيرةً يصعبُ تجاوزها .

قلق وتوتر من فقدان التمويل

إيقافُ منظمة اليونيسف الدعمَ عن المعلمين المتطوعين، أثار قلقهم بشكلٍ كبير، إذ إنّ المئات منهم وجدوا في ذلك الدعم المقدَّم من المنظمة مصدرًا أساسيًّا في توفير احتياجات أسرهم اليومية، وعِوضًا عن انتظارهم سنوات دون عمل، إذ إن التحاقهم بالمدارس خلق لديهم فرصةً لطالما انتظروها، ما جعلهم قلقين مما وصلوا إليه.

في السِّياق أعربت وفاء سعيد، إحدى المعلمات المتعاقدات لدى المنظمة، لـ"خيوط"، عن قلقها إزاء توقف المشروع بشكلٍ فجائي، وعدم إيجاد السلطات التربوية في المحافظة أيَّ حلول رسمية لمعالجة الأزمة ومواجهة الوضع الراهن، كما أكّدت اعتماد النسبة الأكبر من المعلمين المتطوعين في حياتهم اليومية -مؤخرًا- على الحوافز المقدَّمة من اليونيسف؛ ما جعل توقف الدعم عامِلَ توترٍ لهم في الفترة الراهنة .

وطالَب الكثيرُ من المعلمين المتطوعين مكتبَ التربية في المحافظة، باستيعاب الأزمة وحلّها بسرعةٍ قصوى، بصورة تُتيحُ لهم البقاء في مدارسهم، والقيام بواجبهم تجاه طلابهم .

لم ينتهِ الأمرُ عند إبلاغ المنظمة للمتعاقدين بانتهاء الدعم وتوقف عددٍ من المتعاقدين عن العمل، حيثُ ظلت مكاتب التربية في المديريات تنتظرُ حلولًا إسعافيةً من وزارة التربية، تجنبهم أزمة توقف المتعاقدين عن العمل، وعودة الأزمة التعليمية من جديد، حيثُ كانوا يُلوِّحون للمتطوعين بالأمل بين الفينة والأخرى؛ ما جعل الكثير من المتطوعين يفكرون بالاستمرار في التدريس، على أمل وصول دعم من منظمات أخرى، كما يتوقعُ الكثيرون .

تسوية أوضاع المعلمين

ظل الوضع التعليمي معرِضَ نقاشات الشارع في أبين منذُ توقف المشروع، حيثُ أصبح القلق من عودة أزمة نقص المعلمين يساور الأهالي، بعد أن ظلوا يعانونها على مدى عشر سنوات، إلى جانب جملةٍ من المنغّصات الأخرى، كان أبناؤهم فيها عرضةً لضعف التحصيل العلمي من جهة، وحرمانهم تعلُّم بعض المواد من جهة أخرى.

عجزً مكاتب التربية عن إيجاد دعم مستمر للمعلمين المتطوعين، وإيجاد حلول جذرية لإنهاء مشكلة نقص المعلمين، سيجعلُ العملية التعليمية مهددةً بالتوقف في أي لحظة، ما لم تقف وزارة التربية والتعليم أمام الأسباب الفعلية للمشكلة، لحلها بشكلٍ جذريٍّ، وتخطي الأزمة الحاصلة في المحافظة منذُ أكثرَ من عقد.

إلا أن الأنباء عن إيجاد حلول، كانت متضاربة، وعجّ الشارع بأنباء إيجاد حلول مجهولة المصدر والصحة، إلى أن خرج مدير مكتب التربية في المحافظة، الدكتور وضاح المحوري، في تصريحٍ رسمي عام، يشرح فيه الأزمة وآثارها وحلولها، حيثُ وضَّح قيام مكتب التربية بالمحافظة، برفع مذكرةٍ إلى وزير التربية والتعليم، شرح فيها حاجة المحافظة لاستمرار دعم المنظمة للمتطوعين؛ لتفادي المشكلات المترتبة عن الاستغناء عنهم، غير أن المنظمة أفادت الوزارة أن المانح أبلغهم بإيقاف الدعم المالي بشكلٍ نهائي .

وأشار المحوري إلى أن تقاعُدَ المعلمين مع توقف التوظيف منذُ عام 2012، يعدُّ أبرز أسباب نقص الكادر التدريسي في المحافظة، حيثُ رجَّح تقاعد قرابة أربعة آلاف معلم في هذا العام فقط؛ الأمرُ الذي سيفاقمُ المشكلة، في ظلِّ عجز وزارة التربية والتعليم عن تجاوزها وحلّها بشكلٍ جذري .

كما أكد المحوري أن الحل الوحيد للمشكلة يكمنُ في تسوية أوضاع المعلمين المتقاعدين، وتوظيف الخريجين، بصورةٍ تغطي العجز الحاصل منذُ سنوات.

الحلول الترقيعية لا تكفي

بعد إعلان مكتب التربية بالمحافظة عجزَه التامّ عن إيجاد حلولٍ سريعةٍ تعالج الأزمة التي تُنذر بإغلاق الكثير من المدارس، وجد الأهالي أنفسهم مجبرين على البحث عن حلول إسعافية تجنّب أبناءهم خطر توقف العملية التعليمية.

حيثُ تداعت مجالسُ الآباء في بعض مدارس مديرية خنفر؛ فقطـ لتدارُس الأزمة ومحاولة إيجاد حلول سريعة. كانت نتائج الاجتماعات مناشدةَ تجار المديرية والشخصيات الاعتبارية بصورة عاجلة، إذ تجاوب الكثير منهم مع ذلك، وأكدوا وقفوهم ودعمهم لاستمرار العملية التعليمية في المنطقة.

على إثر ذلك، استطاعت بعض المدارس توفير المرتبات للمعلمين المتطوعين بمبالغَ متباينة، حسب استطاعة الداعمين، إلّا أن كثيرًا من مدارس خنفر، إضافة إلى بقية مدارس مديريات المحافظة، لا تزالُ عاجزةً عن مجابهة المشكلة .

عجزُ مكاتب التربية عن إيجاد دعم مستمر للمعلمين المتطوعين، وإيجاد حلول جذرية لإنهاء مشكلة نقص المعلمين، سيجعلُ العمليةَ التعليمية مهددةً بالتوقف في أي لحظة، ما لم تقف وزارة التربية والتعليم أمام الأسباب الفعلية للمشكلة، لحلها بشكلٍ جذريٍّ، وتخطي الأزمة الحاصلة في المحافظة منذُ أكثرَ من عقد، إذ إنّ الحلول الإسعافية التي تبنّتها مجالس الآباء في بعض المدارس تعدُّ حلولًا ترقيعيةً، غير مجدية على المدى البعيد، ما لم يتمّ معالجة المشكلة وإنهاؤها بشكلٍ تام.

•••
عبير علي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English