على غير العادة التي جرت عليها زراعة العنب في اليمن، نجح المزارِع منير نجم في زراعة هذه الفاكهة التي تحتاج إلى طقس بارد لنجاح زراعتها، في مزرعته الواقعة بمنطقة "الدِّيُو" غربي محافظة أبين (جنوب اليمن).
وتمتاز محافظة أَبْين بمناخٍ حارٍّ صيفًا، ومعتدلٍ شتاءً؛ الأمر الذي يجعل إمكانية نجاح زراعة المحاصيل التي تحتاج لبرودةٍ عاليةٍ، فيها، مستحيلًا، غير أنّ المُستغرَب هُنا، أن يتمكنَ نجم من زراعة فاكهة العنب، رغم الحرارة الشديدة التي تتمتعُ بها المنطقة .
يحكي المُزارع مُنير نجم تفاصيلَ تجربته في زراعة فاكهة العنب لـ"خيوط"، بالقول إنَّه، ومنذ سنوات طويلة، كان شغوفًا بشجرة العنب، ولطالما راودته فكرة تجربة زراعتها في مزرعته، غير أنّ إدراكه حاجة الشجرة إلى طقس بارد جعله يتردد في بادئ الأمر، لكنّ رغبته المُلحَّة كانت كبيرة جدًّا؛ ما جعله يبتَاع أوّل شتلة لشجرة عنب قبل سبعة أعوام، محاولًا زراعتها، لكن هذه التجربة فشلت تمامًا .
لم ييْئَس نجم بعد فشل تجربته الأولى، على الرغم من الإحباط الذي أصابه حينها، فإدراكه لصعوبة الفكرة كان محفزًا له لجلب شتلات أخرى، وتنويع طرق عنايته بالشجرة، للوصول إلى الطريقة المُثلى في زراعتها.
يشير نجم إلى أنه حاول كثيرًا زراعة أصناف معيَّنة من العنب، كالعنب الرازقي، والعنب الأسود، في تجاربه السابقة التي باءت بالفشل.
يُرجِع هذا المزارع سببَ فشل تجاربه السابقة إلى عدم كفاية معرفته بطرق زراعة العنب، حيث كان يعتمد على المعلومات التي يزوّده بها بعض المزارعين، لكن فشل التجارب السابقة ولّد لديه إصرارًا على التعرّف على الطريقة الصحيحة للعناية بشجر العنب؛ الأمر الذي جعله يسافر إلى صعدة (شمال اليمن) -قبل حوالي ثلاثة أعوام- للاستفادة من مزارعي العنب هناك، واكتساب مهاراتٍ تساعده على تجاوز الأخطاء السابقة .
ويوضح أنَّ الشتلات الأخيرة التي أحضرها معه من محافظة صعدة، وزرعها في مزرعته، اعتنى بها على مدى عامين بنفس الطُّرق التي تعلَّمها، حتى أنتجَت مزرعته -أخيرًا- عنبًا من النوع العاصميّ .
وعلى الرغم من أن المساحة المخصصة لزراعة العنب لم تكن كبيرةً في المزرعة الخاصة بنجم، فإن بقاءَ الأشجار المزروعة، وعدم تأثرها بالارتفاع الكبير في درجات الحرارة يبدو مؤشرًا جيدًا في إمكانية العمل على تطوير التجربة وتوسيعها، خصوصًا أنّ الثمار المُنتَجة جاءت بنفسِ المذاق والجودة التي يتمتعُ بها العنب العاصمي.
يرى تجار الفاكهة في أبين أن التوسُّع في زراعة العنب في المحافظة سيخفف عنهم عناء استيراده من المحافظات المنتجة التي تتواجد أغلبها شمال اليمن، وتكبدهم خسائر مضاعفة؛ نتيجة فارق سعر صرف العملة بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا ومناطق نفوذ أنصار الله (الحوثيين).
في السياق، يعدد المهندس فرج الشِّراء، مدير الإرشاد الحقلي في مكتب الزراعة بمحافظة أبين، في تصريح لـ"خيوط"، مجموعةً من العوامل التي ساهمت في نجاح زراعة العنب في أبين، أهمها: تأقلم شجرة العنب مع البيئة المحلية في محافظة أبين، وخصوصيتها البيئية، والمخلل الحراري الموجود فيها، إضافة إلى الخصوبة العالية التي تتمتع بها أراضي دلتا أبين، وعذوبة المياه، وكذا إصرار بعض المزارعين، مثل منير نجم، على نجاح تجاربهم، وعدم الاستسلام لليأس من التجارب الفاشلة المتكررة.
ويشير الشِّراء إلى أن تحوُّل المحصول من نبات متساقط الأوراق إلى نبات مستديم الخضرة؛ نتيجة لوجود المخللات الحرارية؛ جعل المحصول في إنتاج مستمر .
دِلتا أَبين الزراعية
تمتازُ دِلتا أبين -المنطقة الممتدة من منطقة يرامس شمالي شرق محافظة أبين إلى مدينة زنجبار في محافظة أبين- بتربةٍ ذات درجة عالية من الخصوبة، مكّنَتِ المزارعين من زراعة أنواع كثيرة من الخضروات والفواكه والحبوب، إضافة إلى المحاصيل النقديَّة، كما تمتاز أيضًا بمناخٍ حارٍّ صيفًا، ومعتدل شتاءً .
واشتهرت أراضي الدِّلتا -حتى ثمانينيات القرن العشرين- برفد محافظة أبين، والمحافظات المجاورة، بمختلف المحاصيل الزراعية .
النجاحُ الكبير والتوسُّع الزراعي، في المحافظة آنذاك، كان نتيجةَ الجهود المستمرة التي كان يوليها مركز أبحاث الكود الزراعي، وجهود مكتب وزارة الزراعة والرَّي أيضًا، اللذين كانا يعملان على تشجيع المزارعين، ومتابعتهم، وتقديم الدّعم اللازم لهم .
أصبح اليوم المزارِع في محافظة أبين يقفُ وحيدًا بمحاولاته وتجاربه، في بحث مستمر عن الطُّرق التي تساعده على زراعة الأصناف الجديدة التي لم تعتَد المنطقة زراعتها، دون تدخّلٍ يُذكر من الجهات المعنية .
يؤكِّد المهندس الزراعي علي محفوظ لـ"خيوط"، أنّ مزارعي محافظة أبين باتوا يحاولون إدخال أصنافٍ جديدة لم تعرف أبين زراعتها من قبل، حيث يحاولُ المزارع جلب شتلات الصِّنف الذي يريد، ويتابع زراعته وحيدًا، دون تدخل مكاتب الزراعة، والإرشاد الحقلي .
كما يشير إلى أنّ العمل في هذه المكاتب أصبح شبه معطّل؛ نظرًا لعدم امتلاك هذه المكاتب للميزانية التشغيلية التي تساعد المختصين على النزول إلى مزارع الدِّلتا ومتابعة المزارعين؛ ما جعل محاولات المزارعين تظلّ محاولاتٍ فردية، غير خاضعة للدراسة والتطوير .
زراعة العنب في اليمن
تشتهر اليمن بزراعة أجود أنواع العنب؛ نظرًا لخصوبة تربتها، وتنوع مناخها، حيث تتوزع زراعته في العديد من المحافظات التي تتميز بطقسها البارد، أشهرها: صنعاء، وصعدة، والجوف، وعمران؛ نظرًا لملاءمة مناخها شجرة العنب، حيث تنتج هذه المحافظات العنب بكميات تجاريَّة .
وتشير إحصائياتٌ سابقة لوزارة الزراعة والري إلى أنّ فاكهة العنب تشكّل النسبة الأكبر بين أنواع الفاكهة التي تُزرع في اليمن، حيث تُوزع على مختلف الأسواق كمياتٌ كبيرة من أنواعها المختلفة، كما يتم تصدير هذه الفاكهة إلى دول الخليج بكميات كبيرة، قبل أن تعيق الحرب عمليات التصدير.
ويرى تجار الفاكهة في أبين أن نجاح التوسُّع في زراعة العنب في المحافظة سيخفف عنهم عناء استيراده من المحافظات المنتجة التي تتواجد أغلبها شمال اليمن، وتكبد خسائر مضاعفة؛ نتيجة فارق العملة بين المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا ومناطق نفوذ أنصار الله (الحوثيين)، والتي تنعكس بشكل سلبي على المواطن، الذي بات عاجزًا عن مجاراة الارتفاع الناتج عن فارق العملة؛ نتيجة تدني دخل الفرد.
لا يزال الأمر في بدايته
وبالرغم من نجاح المزارع منير نجم في زراعة العنب، فإن الموضوع لا يبدو بهذه السهولة مطلقًا، ولا يزال الأمر بحاجة إلى الدراسة والتحليل، والتأكُّد من إمكانية تَأقلم أشجار العنب وطبيعة المنطقة الحارة، قبل التُّوسع في زراعته، وهذا ما ستؤكده البحوث التي سيجريها مهندسون زراعيون في مركز أبحاث الكود، المركزِ المعني بإجراء البحوث الزراعية، وتحديد جودة الأنواع الزراعية الجديدة، ومدى استجابة التربة لزراعتها، بحسبِ تصريح المهندس حسين الهيثمي، مدير مكتب الزراعة في محافظة أبين، لـ"خيوط".
كما يؤكِّد محمد الخاشعة، مدير مركز الأبحاث الزراعية في الكود لـ"خيوط"، إجراء عدَّة تجارب سابقة لزراعة العنب في عدَّة محافظات، منها محافظتي عدن ولحج، في سبعينيات القرن الماضي، حيث أثمرَتِ الأشجار، لكنَّ إثمار الأشجار آنذاك لا يعني أنّ الإنتاج سيكون تجاريًّا ومربحًا؛ لصعوبة زراعة هذه الفاكهة في مساحاتٍ زراعية كبيرة في محافظة أبين .
نجاحُ زراعة فاكهة العنب في محافظة أبين، واستحالة زراعتها في مساحاتٍ كبيرة، والوصول إلى إنتاج كبير وتجاري، لا يمنع المزارع من مزاولة مهنته، وزراعة بعض الأصناف والمحاصيل الزراعية الجديدة -وإن كانت إنتاجيتها ضعيفة- قد تحدث، بالدراسة والخبرة مع الزمن، طفراتٌ تتجاوز معوقات الظروف البيئية.