في قرية (اللكيدَة) الواقعة في منطقة باتيس، شمالي محافظة أبين (جنوب اليمن)، قام مجموعة من المواطنين من أبناء المنطقة، بعملية حفرٍ عشوائيةٍ غير علمية، ودون الرجوع للجهات المختصة في عملية الحفر التي حدثت منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
أسفر عنها اكتشاف موقعٍ أثريٍّ كبير يعود إلى حِقبة زمنية قديمة يُرجَّحُ أنها تعود لفترة حكم الدولة القتبانية لأبين. فقد تم العثور على مجموعة من التماثيل والأواني الفخارية، ونقوش كُتبت بخط المسند القديم.
بعد تداول الخبر، قامت السلطة المحلية، ممثلةً بمدير مديرية خنفر، الأستاذ مازن بالليل، ومدير عام المتاحف والآثار بالمحافظة، ربيع الحسني، بالنزول إلى المنطقة؛ لمعاينة الموقع والتأكد من صحة الخبر.
عن هذا النزول، يقول زياد الشنبكي، مدير مكتب مدير مديرية خنفر لـ"خيوط": "نزلنا إلى منطقة باتيس -اللكيدة- وقمنا بمعاينة الموقع الأثري المكتشف، ثم قمنا بحصر الآثار التي وجدها المواطنون بعد عملية الحفر التي كانوا قد قاموا بها".
ويؤكد الشنبكي أنّ عملية الحفر تمت بطريقة عشوائية وغير مرخصة، بعد أن جرفت السيول جزءًا من الموقع، الأمر الذي أدى إلى ظهور أجزاء من هياكل عظمية، ما أثار فضول بعض المواطنين للقيام بعملية الحفر، مشددًا في نفس هذا الإطار على أهالي المنطقة بضرورة الحفاظ على هذه المواقع الأثرية وعدم العبث بها.
من خلال زيارة الموقع الأثري في باتيس يتبين أن الموقع المكتشف هو مقبرة، كشف السيل المتدفق من جبل الحنأة جانبًا منها، وبقي أكثرها مطمورًا تحت التراب على عمقٍ يزيد عن ثلاثة أمتار عن سطح الأرض
ويقع الموقع الأثري المكتَشف تحديدًا في مجرى وادي بنا في منطقة باتيس؛ الأمر الذي يجعله عرضة للجرف والانهيار، جراء موجات السيول المتكررة التي تضرب المنطقة من وقت لآخر.
مقبرة أثرية أو مبنى تعبدي
في السياق، يقول الباحث الدكتور، نادر سعد العمري، لـ"خيوط": "من خلال زيارتنا للموقع الأثري في باتيس، تبين لنا أن الموقع المكتشف هو مقبرة، كشف السيل المتدفق من جبل الحنأة جانبًا منها، وبقي أكثرها مطمورًا تحت التراب على عمقٍ يزيد عن ثلاثة أمتار عن سطح الأرض".
ويُنهي العمري حديثه: "كان بعض الأهالي قد قاموا بنبش المقبرة وحفرها بطريقة عشوائية، وأثناء الحفر وجدوا بقايا هياكل عظمية وأوانٍ فخارية، كما وجدوا نصبًا نُحِت فيها كتابة مسندية".
وعن الآثار التي اكتُشفت، يقول الباحث محمد عطبوش لـ"خيوط": "حاولت قراءة النقوش التي كُتبت بخط المسند القديم، حيثُ تصدرت أحد النقوش -الذي مُحيت الكثير من كلماته- كلمةُ (قيف)، التي تعني: نصب، أو حجر حدودي، أو حجر له علاقة بعبادة".
كما أن عملية الحفر والتنقيب لا بد أن تتم من قبل مختصين؛ لتوثيق كلِّ خطوة، والتعرف على حالة كلِّ قطعةٍ عند العثور عليها؛ كونَ عملية الحفر نفسها، ورفع الطبقات والترسيب عن القطع، يكشفُ سياقَها الأثري، وفي أحيانٍ يكشفُ عمرَها، وعندَ تنظيفِ هذه القطع وإخراجها من مكانها دون أيِّ دراية تضيعُ هذه المعلومات وتُصبح قطعًا مجردةً من أيِّ سياق.
يتابع عطبوش: "في ذلك النقش تلا كلمة قيف رمز لهلال، وهذا ما يُرجح أن يكون هذا النصب نصبًا تعبديًّا، ما يعني احتمالية دلالة المكان على وجود معبد ديني". مضيفًا: "وعند قراءتي لنقش آخر وجدت كلمةً قتبانية، كُتبت في مطلع النقش: "وسحدث" وتأتي هذه الكلمة بمعنى: صَنَع، أو أنشأ، ما يعني علاقة النقش ببناء، أو منشأة معيّنة".
وعلى الرغم من نزولِ السلطة المحلية، والجهاتِ المختصة، إلا أن هذه القطع الأثرية لم تصادر، ولا تزالُ -حتى اللحظة- بحوزة أهالي المنطقة!
منطقة تاريخية
من جانبهم، أكَّد أهالي منطقة اللكيدة لـ"خيوط"، أنهم مستعدون لتسليمِ تلك الآثار لأيِّ جهةٍ مخوَّلة رسميًّا باستلامها، كما يطالبون الجهات المعنية بالاهتمام بالمنطقة والتنقيب عن الإرث الأثري الموجود فيها، خاصة أن القطع الأثرية التي عثروا عليها كثيرة.
وكانت دراسات سابقة قد أثبتت قيام هيئة الآثار والمتاحف بمحافظة أبين -قبل أكثر من عشرة أعوام- بإجراء عملياتِ تنقيبٍ للكثير من المناطق الأثرية في أبين، كانت نتائجها أن تم اكتشاف أكثر من (275) موقعًا أثريًّا على مستوى 6 مديريات بالمحافظة يعود تاريخها إلى حِقبٍ وعصورٍ مختلفة.
من ضمنها مقبرةٌ قديمةٌ -تعود إلى القرن الأوّل قبل الميلاد- في منطقة الحصمة في مدينة شُقرة الواقعة جنوب غرب المحافظة، وموقع اللُّبيب الأثري الواقع في الجهة الشمالية من مدينة مودية -شرقي المحافظة- يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الإسلام، بالإضافة إلى منطقتي القرو والطرية في مديرية خنفر، ومنطقة القُريَّات بمديرية زنجبار، الأمر الذي يؤكد أن محافظة أبين تزخرُ بإرثٍ حضاريٍّ يحتاج إلى التنقيب والدراسة الفعلية.