يستمر النزيف الذي يشهده اليمن بفقدان نخبته من أكاديميين وسياسيين وأطباء وشخصيات فنية وأدبية وثقافية ورياضية وغيرها من البارزين الذين تركوا بصمة مؤثرة في مجالات تخصصهم وعملهم وإبداعاتهم وترسخت أسماؤهم في ذاكرة اليمنيين، بناءً على ما تركوه من إرث ملموس على كل المستويات.
أخر هذه الشخصيات التي اختطفها الموت وتضاربت الأنباء حول سببها مابين "نوبة قلبية" وفيروس كورونا ، كان الشخصية الفنية عبدالكريم مهدي الذي سطع نجمه خلال السنوات الماضية على المسرح والشعر الغنائي، ومن ثَمّ الدراما التلفزيونية التي برز فيها كثيرًا بأدائه اللافت والبارز، ورغم محدودية الأعمال التي قدمها، استطاع أن يترك أثره البالغ واسمه لدى المشاهدين، وآخر هذه الأعمال التي قدمها كان مسلسل "ليالي الجحملية"، في شخصية "حنش" إحدى أهم الشخصيات المحورية في هذا المسلسل الذي حظي باهتمام وانتشار كبير في الموسم الدرامي الرمضاني لهذا العام.
ويعد مهدي فنانًا ومسرحيًّا وكاتبًا وشاعر غنائي، وكان له العديد من الأعمال الفنية الكوميدية والدرامية والهادفة خلال مسيرته الفنية الطويلة التي تزيد عن ثلاثة عقود. بينما استحوذ على اهتمام المشاهدين والجمهور اليمني خلال السنوات القليلة الماضية بما قدمه من أدوار في أكثر من عمل تلفزيوني كان له بصمة كذلك في جوانب مختلفة من أعمالها، كالمساهمة في الكتابة الدرامية إلى جانب دوره كممثل لافت وبارع.
الكاتب التلفزيوني محمد الحبشي الذي قدم أكثر من عمل تلفزيوني شارك فيها عبدالكريم مهدي، كمسلسل "حاوي لاوي" والذي قام مهدي ببطولته وقيامه بدور "عبود" في المسلسل، عبّر عن صدمته ودهشته برحيل هذا الفنان الإنسان بالقول: "ما على هذا اتفقنا يا عبود!!"
وقدم عبدالكريم مهدي مجموعة من الأعمال الدرامية طوال تاريخه الفني، أهمها حكاية دحباش، ومسلسل "همي همك"، و"حاوي لاوي"، وبرز في الموسم الدرامي الأخير بمشاركته بعملين بارزين؛ "ليالي الجحملية"، و"مخلف صعيب"، كما شارك كذلك سابقًا في فيلم "الهروب إلى الموت".
وسارع محبوه وأصدقاؤه وجمهوره إلى نعيه والتحدث عنه وعن صفاته وتاريخه وذكرياته معهم، متحدثين عن شخصية فنية اعتادت نشر الفرح والابتسامة في مختلف الأعمال التي قدمها.
الكاتب التلفزيوني محمد الحبشي الذي قدم أكثر من عمل تلفزيوني شارك فيها عبدالكريم مهدي، كمسلسل "حاوي لاوي" والذي قام مهدي ببطولته وقيامه بدور "عبود" في المسلسل، عبّر عن صدمته ودهشته برحيل هذا الفنان الإنسان بالقول: "ما على هذا اتفقنا يا عبود!!".
وكتب الحبيشي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "قبل أشهر، تواصل معي صديقي الفنان عبدالكريم مهدي، وقال لي: الجمهور جننوا بي؛ يريدون الجزء الثالث من مسلسل "حاوي لاوي". قلت له أني على استعداد لتكرار التجربة، والأفكار موجودة، إضافة إلى أنني أيضًا تلقيت طلبات كثيرة بذلك".
وتم الاتفاق بينهما، كما ذكر الحبيشي، على العمل ما بوسعهما سويًّا لإنتاج نسخة جديدة من ذلك العمل الذي أحبه عبدالكريم، وأحب الناس شخصية "عبود" الذي جسدها خلال حلقاته، ورأوا فيها مرآة تعكس براءة ونقاء وصفاء الإنسان اليمني الأصيل التي افتقدوها في هذا الزمن الرث والملبد بالأحزان.
وتابع: "اليوم، وعلى حين غرة من الأماني والأحلام، تفاجأنا بنبأ وفاته الصادمة"، وهو خبر لم يصدقه؛ لأنه كما تحدث: "لم أتخيل عبدالكريم إلا حيًّا يرزق، يعمل ويكد وينشر الفرح ويوزع الابتسامات على من يلقاه بتلقائية، ودون تصنع، وهي عادته في الحياة، كما هي في التمثيل وأمام الكاميرا، وختم رثاءه لصديق وزميل عمل بالقول: "كم نحن مثخنون بالجراح ،وكم هي حجم الخسارة الفادحة التي تلقيناها اليوم برحيل هذا الفنان الرائع الذي سيبقى مكانه شاغرًا، ولن يستطيع أن يملأه أحد".
بينما كتب الصحفي ماجد المذحجي راثيًا صديقه: "ماذا يحدث يا عبدالكريم، كيف للحزن أن يغمض عيني شاعر أو يطفئ قلبه؟!".
وقال المذحجي، "أعرف عبدالكريم جيدًا منذ نهاية التسعينيات، كنا ما نزال مراهقين جامحين حينذاك، وكان هو أحد أبرز أوجه الثقافة والمسرح في تعز، وفي سوق الصميل المكان الذي "يكثف تعز وتنوعها"، كان عبدالكريم قطبًا نأوي له ونلتف حوله".
كما كان خليطًا مميزًا؛ فهو الشعبي الصاعد من قاع المجتمع والمثقف النخبوي الذي يطل عليه من أعلى، وأهم من ذلك وذاك كان الدفء والحميمية وسعة الصدر سماته.
وكتب المذحجي على صفحته بموقع التواصل "فيسبوك": "الشوارع الآن فارغة، وسوق الصميل خسر روحه؛ لا أدري كيف تبدو تعز الآن؟ صبر ينحني على جثمانك وغيمة تدمع يا صديقي، وصوتك المجلجل ينسحب بهدوء من الأزقة الضيقة والقديمة للمدينة".
وتابع: "ما زلت تلوح هنا وهناك في الذكريات والصور والغرام القديم يا بن مهدي، قصير القامة ونشيط، وصوتك عالٍ وقلبك واسع، ونحن من حيث نحن نغرق، ما زلنا نحاول أن نسترعي انتباهك، كبرنا ونحن نحاول أن نفعل، وها أنت تغيب ونحن نحاول، مد يديك من خلف المكان البعيد، والمس اسمك في أرواحنا، سنغني لوجهك الضاحك من هنا، ونتذكرك ونحن نبتسم، نَم يا صديقي، واحلم بكل شيء تحبه، فلديك متسع الآن".
ونعت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة المعترف بها دوليًّا، الفنان والكاتب القدير عبدالكريم مهدي، الذي وافاه الأجل بمدينة تعز، إثر نوبة قلبية، بحسب بيان الوزارة، والذي اطلعت عليه "خيوط".
وأشار البيان، إلى أن الفقيد كان كاتبًا وشاعرًا غنائيًا وممثلًا مسرحيًّا، وله العديد من المشاركات والمهرجانات الفنية الداخلية والخارجية.
وأشادت الوزارة، بمناقب الفقيد، الذي يعد من أوائل الفنانين الكبار الذي قدموا أعمالًا فنية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث التحق بفرقة المسرح الوطني بتعز في العام 1986.
الجدير بالذكر أن الفنان عبدالكريم مهدي من مواليد 1964 في محافظة تعز، وكانت ولادته الفنية من على المسرح في ثمانينيات القرن الماضي، وفي العام 1997 تم تعيينه رئيسًا لقسم المسرح الوطني بتعز، وفي 2002، عُين مديرًا لمكتب الثقافة بمديرية القاهرة، وانتخب في العام 2004 أمينًا عامًا لنقابة الفنانين للمهن التمثيلية، لكنه منذ العام 2010 قرر ترك كل ما يربطه بالأعمال والمهام الإدارية الرسمية والتفرغ للعمل التلفزيوني والثقافي.