أعطني "شوكولاتة"، أعطني "مانجو"، أعطني "بيضة وعلبة بيبسي"، أعطني "قطعة كيك"، كانت الأصوات تلج إلى مسامعِ أحمد كأنّها ضربات مطارقَ متتالية، ظلّ منزويًا ومنطويًا على نفسه، مُسنِدًا ظهرَه إلى الجدار الخلفي لمقصف المدرسة، وهو يشعر بنيران مستعرة تضطرم بداخله؛ بينما يرى زملاءه يشترون ما اشتهت أنفسهم، أمّا هو فقد اكتفى بالاستماع إلى طلباتهم، وتولّت معدته الفارغة التعبيرَ عمّا يحسّ به؛ فهو لم يذُق حلوًا ولا باردًا منذ عَشاء البارحة الذي اقتصر على كسرة خبز يابسة، أُتْبِعت بكثيرٍ من الماء؛ ليساعد في بلعها، وكم حاول عبثًا أن يُسكِت أصوات معدته الخالية برشفات من الماء، لكنّها أبَتْ إلّا التصريح عمّا بها من الألم.
كانت الاستراحة كابوسًا يتكرّر منتصفَ كلِّ يومٍ دراسيّ، وهي الفرصة التي يتمنّاها غيره من الطلاب بفارغ الصبر؛ بينما هو يتمنّى أن تُقضى وتنطوي في غمضة عين، وكيف لا يتمنّى ذلك وهو يرى أقرانه يجوبون الفناء الخارجي للمدرسة روحةً وجِيئةً بدراجاتهم الهوائيّة، وبعضهم يلعب كرة القدم؛ بينما يشعر هو بتعبٍ شديدٍ يعتري بدنه المنهك من الجوع والمسافة البعيدة التي يقطعها مشيًا على قدميه الصغيرتين؛ لأنّ أسرته لا تملك قيمة أجرة الباص، ولا يستطيع أن ينبس ببنت شفة؛ لأنّه يرى أباه يتجرّع المرارة، ويشعر بالدم ينزل إلى جوفه، وهو يحمل الأكياس التي ينوء بها جسده النحيل، يشعر بسياط الفاقة تدمي ظهره الغضّ، وهو يرى إخوته الخمسة يتضوّرون جوعًا لبقائهم رهنَ وجبتَي الغَداء والعَشاء، أمّا وجبة الإفطار فقد صارت نَسيًا منسيًّا!
وهكذا يعيش في ألم الفاقة والحرمان دون أن يحرّك ذلك ساكنًا عند من يهمّه الأمر، وكأنّه كُتِب عليه وعلى أمثاله أن يعيشوا معاناة ويلات الفقر والحرمان صباحَ مساء.