من بداية شهر يونيو/ حزيران وحتى سبتمبر/ أيلول، من كل عام، تدشن صنعاء موسم الأفراح والأعراس، حيث يشكل الموسم أكبر رقم لحفلات الزفاف، وذلك خلافاً لبقية شهور السنة التي ترتب فيها جداول مواعيد الحفلات. بعض المواعيد تحجز قبل سنة من الحفلة.
لكن صنعاء هذا الموسم بلا حفلات للفرح، إذ ندرت أعراس الموسم، وحفلات الزفاف التي تتم، تقام بطريقة خافتة تجنباً لازدحام المحتفلين وتحول الفرح إلى بيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا. هكذا ألغى الوباء المستجد مظاهر الفرح في المدينة التي اعتاد ساكنوها ممارسة طقوس فرائحية مكثفة عند إقامة الأعراس، كما أثرت الإجراءات الاحترازية في تغيير نمط الحياة، ليس في صنعاء فقط، بل في معظم محافظات اليمن.
وبسبب تعطيل فيروس كورونا لموسم الأفراح السنوي هذا العام، تضرّرت عديد من الأعمال والمهن المرتبطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالموسم، مثل مهنة الخياطة التي تنشط في مثل هذه الأيام من كل عام، خصوصاً معامل تجهيز فستاتين الأعراس، كما تضرر عشرات الفنانين (المغنين) من هذا الركود، إضافة إلى مئات العمال في مجال الصوتيات وفي صالات الأفراح.
فقدان طعم الفرح
في مناسبات الأعراس، تقرع الطبول عادة، فيملأ ضجيجها أرجاء صنعاء، نتيجة للعدد الكبير من الأعراس التي تقام في أحيائها بنفس اليوم. وخلافاً لما كان سائداً، تبدل كل شيء؛ الموت اليومي لضحايا وباء كورونا في أنحاء البلاد بشكل عام، وفي صنعاء، يحصد ضحاياه من مختلف الفئات العمرية دون رحمة.
حتى في حالات الموت، كانت تقام مراسم التشييع ومجالس العزاء في الصالات نفسها التي تقام فيها حفلات الزفاف، مع فارق توقيت المواعيد بالطبع. لكن بسبب فيروس كورونا، لم يعد هناك حضور لدفن المتوفين، ويقتصر الأمر على أقارب المتوفى، حيث لا يزيد على خمسة أشخاص لتشييع المتوفى ودفنه.
“هذا موسم للحزن”، كما يصفه المواطن عماد علي، الذي تحدث لـ”خيوط” عن المآسي التي ضاعفها وباء كورونا، وحوّل مواسم الأفراح إلى حزن يومي.
ويشير عماد إلى أن جائحة كورونا “تبحث عن ضحاياها باستمرار”، إذ “أوجعت القلوب وزرعت الخوف في نفوس الناس”، في بلد ينهشه الحزن منذ أكثر من خمس سنوات، بسبب الحرب.
وتسبب فيروس كورونا في أضرار فادحة بمصادر دخل فئة كبيرة من اليمنيين، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها السلطات، سواء في حكومة أنصار الله (الحوثيين) أو الحكومة المعترف بها دولياً، والتي شملت إغلاق أماكن التجمعات، ومن أهمها صالات وقاعات الأعراس والأفراح.
من ضمن هؤلاء المتضررين، أسامة حسن، الذي لم يكن يعتقد أن إجراءات الوقاية ستطول لتشمل موسم الأعراس الذي ينتظره وزملاؤه كل عام. يملك أسامة صالة للأفراح والمناسبات في صنعاء، وفي حديثه لـ”خيوط”، بدا ساخطاً لأن وباء كورونا قضى على مصدر دخله الوحيد. تتسع صالة أسامة لـ1500 شخص، لكنه لا يستطيع فتحها لأحد ما دام شبح تفشي الوباء قائماً.
وأصدرت السلطات الرسمية بصنعاء، في مارس/ آذار 2020، قراراً بإغلاق صالات الأفراح والمناسبات، كإجراء احترازي لمواجهة الوباء، والحد من انتشاره.
جميع أصحاب المناسبات ألغوا حجوزات كل حفلات الزفاف التي كان مقرراً إحياؤها في موسم 2020
ويضيف أسامة أنه التزم بقرار الإغلاق منذ صدوره، واضطر لإعادة المبالغ التي كان قد تسلّمها من زبائن كدفعة أولى من كلفة إيجار الصالة. ويسبق إقامة أي فرح، تجهيزات وإجراءات مكثفة، مثل حجز الصالة للضيوف، وحجز موعد مع الفنان الذي يحيي المناسبة، وهي ترتيبات قد تستغرق سنة كاملة في بعض الحالات.
إلغاء جميع الحجوزات
ومثلما اضطر أسامة لإعادة مبالغ الحجوزات لصالته، اضطر فنانو الأعراس لذلك أيضاً. ويعتمد معظم الفنانين على حفلات الزفاف والمناسبات الفرائحية، كحفلات التخرج وما شابه، كمصدر دخل وحيد. ويؤكد هشام هاشم، وهو متعهد حفلات وحجوزات للفنانين، في حديثه لـ”خيوط”، أن جميع أصحاب المناسبات ألغوا حجوزات كل الأفراح التي كان مقرراً إحياؤها في موسم 2020، وذلك بعد صدور قرار إغلاق صالات الأفراح في منتصف مارس/ آذار، أي قبل حلول الموسم بثلاثة أشهر على الأقل.
ويضيف هشام: “لسنا قادرين على إحياء أي مناسبة”. وهو مقتنع بأن إغلاق صالات الأعراس والمناسبات إجراء صائب في ظل الاجتياح المرعب لفيروس كورونا لليمن كما لبلدان العالم. ويتمنى هشام أن يتجاوز هذه الجائحة بأقل الخسائر، رغم أنها “أوجعت كل اليمنيين” حسب تعبيره، ولم يعد الناس يحتملون المزيد من الألم، بسبب الحرب الدائرة في البلاد. وباعتقاده، فقد دفع “الشعب اليمني المكافح”، فاتورة ضخمة من الخسائر ومن أعمارهم المهدورة.
وبسبب الأضرار التي لحقت بكثير من العمال الذين فقدوا مصادر رزقهم الوحيدة، ومن ضمنهم الفنانون، يرى هشام أن المسؤولية تقع “على الجميع” في مواجهة وباء كورونا ومكافحة انتشاره، ومساعدة المتضررين منه على اختلاف فئاتهم ومهنهم.
* تحرير “خيوط”